اقتصادصحيفة البعث

وأخيراً.. تنمية المنطقة الجنوبية..! 

 قسيم دحدل 

قال رومولوس آخر أباطرة الرومان: “إذا أمحلت حوران جاعت روما..”.

استحضرتنا هذه المقولة الشهيرة، حين قرأنا تكليف رئيس الوزراء وزارة الموارد المائية بدراسة كافة السيناريوهات الممكنة لتعزيز الواقع المائي في المنطقة الجنوبية، بما فيها مشروع تحلية ونقل مياه البحر بحيث يؤمن الطلب المتزايد على المياه، وذلك خلال تداولات جلسة المجلس التي عقدت في الخامس والعشرين من الشهر الماضي تموز.

وفي الجلسة التالية المنعقدة في أول أيام هذا الشهر، أب، أعاد رئيس مجلس الوزراء التأكيد على وضع ملف الأمن المائي في أولويات العمل الحكومي كمشروع استراتيجي طويل الأمد، ولاسيما في ظل التغيرات المناخية، سواء لجهة جر المياه الناتجة عن التحلية أو أي مصادر أخرى.

ما تقدم هما مؤشران ورغم أنهما جاءا متأخرين إلاَّ أن طرحهما حاليا يدلل على الإحساس بجدية التهديد المائي والتغيرات المناخية التي أخذت أثارها تتجسد في تمدد التصحر لمناطق لم تكن تعاني من هذه الظاهرة سابقا، ومن تلك المناطق سهل حوران، وخاصة في جزئه الجنوبي الشرقي.

تنبه حكومتنا للمنطقة الجنوبية يشي بأن هناك اهتماما كان غائبا بهذه المنطقة ذات الأراضي الخصبة التي وصفت زمن الإمبراطورية الرومانية بـ “إهراءات روما”، كما ويشي بأن هناك إدراكا بخطر الشح المائي في حوران، الأمر الذي يتطلب الاستعجال في إيجاد الحلول التي تضمن إعادة الحياة الزراعية لمساحات شاسعة من سهل حوران، بعد أن أكدت البيانات تراجع كميات الهطل السنوي وخروج مساحات بعلية مهمة من الإنتاج..!

اليوم، وفي ظل ما لدى الحكومة من معطيات مقلقة، يطرح موضوع تحلية مياه البحر وجرها إلى المنطقة الجنوبية. ومع علمنا بأن هذا الملف يندرج في خانة الاستراتيجي في التخطيط والتنفيذ، إلاَّ أن مجرد الطرح يعني بداية الاعتراف بالأخطاء القاتلة التي شهدها قطاعنا الزراعي، وما ارتكب بحقه من كبائر للحد الذي تراجعت فيها نسبة مساهمة زراعتنا في الناتج المحلي الاجمالي من 27% إلى 17%  أيام في المرحلة “الدردرية”، ما أدى لحرمان مناطق عديدة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية..!

كذلك الاعتراف بكم فوات المنفعة والعائد على سورية، زراعيا واقتصاديا وماليا واجتماعيا، نتيجة لعدم تنفيذ أي من المشاريع المائية الاستراتيجية في وقتها، ومنها على سبيل المثال جر مياه الفرات ونبع السن، حيث ندفع الآن ثمنا باهظا نتيجة لسياسات اقتصادية وزراعية ثَبُتت الشبهات عليها..

وحتى لا نُتهم  أننا كمن يبحث عن عزاء لنلطم فيه، نتقدم من الحكومة بمقترح مرحلي – ريثما تنفذ ” مشروع تحلية مياه البحر” المكلف ماليا وطاقويا – وهو ضرورة الاستثمار الأمثل والمحق لحوض الأزرق، حيث نشهد بأم العين كيف تستثمر فيه الأردن زراعيا، بينما تُحرم الأراضي في الطرف السوري من ذلك..!

ولكوني من أبناء المنطقة، أود أن تعلم حكومتنا أن من الأسباب الرئيسة التي أرغمتنا على هجرة ديارنا وأراضينا وعدم الاستفادة منها طوال ستين عاما (يعني 12 خطة خمسية) هو عدم تنفيذ أي من مشاريع التنمية المتوازنة وتهميش المناطق الزراعية الحدودية، عبر تهميش احتياجاها ومتطلباتها والمائية على رأسها، الأمر الذي أدى لبور آلاف الهكتارات الزراعية وفقدان مصادر الرزق الضرورية لاستدامة الحياة الكريمة.

لا شك أننا بحاجة لإعادة دراسة مناطقنا الزراعية للكثير من الأسباب، ومنها التغيرات المناخية، وقبلها تغير العقليات المخططة التي ترى في الأراضي الزراعية غنائم عقارية وليس إنتاجية..!!!

Qassim1956@gmail.com