دراساتصحيفة البعث

قمة بطرسبرغ تهزم مشروع عزل روسيا

سمر سامي السمارة

في عام 2019، قبل بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بوقت طويل، استقطبت القمة الروسية الأفريقية التي عقدت في سوتشي 43 دولة أفريقية، حيث كان الغرض من القمة هو “تطوير وتعزيز العلاقات والمصالح المشتركة” بين روسيا والقارة الأفريقية.

وبعد أربع سنوات، شارك في القمة التي عُقدت في سان بطرسبرغ مؤخراً، ممثلو 49 دولة أفريقية، وانتهت القمة بإعلان مشترك مؤلف من 74 نقطة يتعهد من خلاله الطرفان بالتعاون في العديد من المجالات الحيوية. وكما يتضح، فقد فشلت محاولات الغرب المستمرة لعزل روسيا، وجعلها خياراً غير مرغوب فيه للقارة الأفريقية.

في الواقع، يُظهر وجود 49 دولة في القمة صدى إيجابياً للتأثير الروسي في أفريقيا، حيث بدا واضحاً أنه تغلب على الأجندة الأمريكية الأوروبية لفرض “العزلة” على روسيا، وكما يوضح الإعلان، فإن أفريقيا منفتحة جداً على تطوير نظام عالمي متعدّد الأقطاب إلى الحدّ الذي يدفع فيه الغرب، بقيادة الولايات المتحدة بقوة، من أجل عكس مسار النظام العالمي أحادي القطب الذي اعتمدته الولايات المتحدة في حقبة ما بعد الحرب الباردة.

اقتباساً من الإعلان، اتفقت روسيا والدول الأفريقية البالغ عددها 49 دولة على “تعزيز التعاون المتكافئ والمصالح المشتركة بين الاتحاد الروسي والدول الأفريقية من أجل المساهمة في إقامة نظام عالمي متعدّد الأقطاب، يكون أكثر عدلاً وتوازناً واستقراراً، ويعارض بحزم كافة أنواع المواجهات الدولية في القارة الأفريقية”.

يستهدف الإعلان أحادية الجانب، وهي طريقة أمريكية تجارية لإدارة الجغرافية السياسية، كما تضمن الإعلان وعداً بأن “تعمل روسيا والدول الأفريقية معاً لمواجهة استخدام الأدوات والأساليب الأحادية غير المشروعة، بما في ذلك تطبيق تدابير قسرية في مراوغة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتطبيقها خارج الحدود الإقليمية، فضلاً عن فرض نهج يضرّ في المقام الأول بالدول الأكثر ضعفاً، ويقوّض الأمن الغذائي وأمن الطاقة على الصعيد الدولي”.

ولتعزيز التركيز المشترك على نظام عالمي أكثر عدلاً، قال الرئيس الروسي بوتين إن أفريقيا هي “مركز القوة الجديد”، مضيفاً “أن دورها السياسي والاقتصادي ينمو باطراد، وسيتعيّن على الجميع أن يأخذوا هذا الواقع في الحسبان”.

سيكون تطوير عالم متعدّد الأقطاب إلى جانب روسيا وحلفائها في الصين ودول أخرى أمراً منطقياً بالنسبة للبلدان الأفريقية، لأن معظم الاستثمارات الروسية في أفريقيا غير مصحوبة بشروط، بينما عادة ما تكون الاستثمارات مرتبطة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وعلى الرغم من حرص روسيا على تعزيز وجودها الاقتصادي داخلياً، فإنها في الوقت نفسه تبدي الكثير من الاهتمام لتطوير علاقتها مع أفريقيا بطريقة توسع المصالح الجيوسياسية لموسكو. وفي هذا السياق، فإن التركيز المشترك على تطوير عالم متعدّد الأقطاب يبرز الجغرافيا السياسية أكثر من الجغرافيا الاقتصادية.

ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن العلاقات الاقتصادية لا تتطور على الإطلاق، فعلى سبيل المثال، بين عامي 2005 و2015، شهدت العلاقات التجارية بين روسيا وأفريقيا نمواً هائلاً وصل إلى 185٪. لذا فإن مؤتمر القمة لعامي 2019 و2023 يعتبر جزءاً من نمط واضح للتنمية متعدّدة الأطراف، وهو ما أيّده أيضاً الإعلان المشترك الأخير تأييداً تاماً.

تعزّز ذلك أيضاً من خلال إعلان روسيا توفير الحبوب المجانية لما لا يقلّ عن 6 دول أفريقية إلى جانب العديد من مبادرات التنمية الأخرى، بالإضافة إلى العديد من المجالات الأخرى مثل الطاقة، والطاقة النووية لمساعدة الدول الأفريقية على تعويض نقص الكهرباء في بلدانهم، والعلاقات العسكرية، وغيرها من مجالات التنمية.

في الحقيقة، السبب الرئيسي الذي يجعل الغرب يعارض القمة، بل ويحاول تقويضها من خلال الضغط على الدول الأفريقية، يعود للطريقة التي تشكل بها 49 دولة أفريقية طرفاً في سياسة تتحدى الغرب بشكل مباشر. فعلى سبيل المثال، تنصّ النقطة 20 من الإعلان على أن جميع الدول المشاركة “تؤمن بشدة بأن مبدأ المساواة في السيادة بين الدول أمراً حاسماً لاستقرار العلاقات الدولية”.

في الوقت الحالي، تستهدف هذه النقطة الهيمنة الإمبريالية الجديدة للغرب التي يعززها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث تجعل الدول ذات السيادة في حالات أخرى مجرد دول تابعة للغرب، بينما التحالف مع روسيا يعد بنظام لا يأتي بشروط ولا يقوّض سيادة الدولة.

وعلى المنوال نفسه، تنصّ المادة 22 من الإعلان المشترك على أن الجهات الفاعلة “ستلتزم بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتعارض تطبيق الدول خارج الحدود الإقليمية لقوانينها الوطنية بما ينتهك القانون الدولي”.

مرة أخرى، تستهدف هذه المادة التدخلات الغربية المستمرة في هذه الدول، كما هي الحال أيضاً في أماكن أخرى في العالم خارج أفريقيا، والتي تتلاعب بالسياسة الداخلية في شكل سياسات “تغيير نظام الحكم” التي تستهدف القادة المناهضين للغرب.

بينما ذكرت تقارير وسائل الإعلام الغربية السائدة ما يُسمّى بـ”نقد أفريقيا” -والذي كان في الأساس دعوة من بعض القادة الأفارقة لإنهاء “الحرب” -الحرب في أوكرانيا- تشير المادة 23 من الإعلان المشترك إلى ضرورة حلّ جميع النزاعات الدولية من خلال “الحوار والمفاوضات والمشاورات والوساطة والمساعي الحميدة، وتسويتها على أساس الاحترام المتبادل والتسوية وتوازن المصالح المشروعة”.

الآن، كان الشيء الوحيد الذي أشعل فتيل الصراع العسكري في أوكرانيا هو الأجندة الأمريكية لتوسيع الناتو لتطويق روسيا، والشيء الوحيد الذي منع هذا الصراع من إيجاد حلّ عادل يعالج القضايا الأمنية المشروعة لروسيا هو الإمداد المستمر بالأسلحة من قبل الغرب إلى أوكرانيا، والهدف الوحيد وراء إطالة أمد هذا الصراع هو إضعاف روسيا، وبالتالي تعزيز نظام العالم القديم.

وبذلك، تعتبر القمة الروسية الأفريقية نجاحاً كبيراً لروسيا، على الرغم من أنه من الصعب على الغرب “رؤية” هذا النجاح في مواجهة تحيّزاته الخاصة، والدعاية الإعلامية، وسياساته المؤسسية المتمثلة في تقويض أي شيء، وكلّ ما يتحدى هيمنته ومصالحه.