دراساتصحيفة البعث

“الحزام والطريق” ليست حصان طروادة

عناية ناصر

أثار وصف العالم الشرقي منذ أكثر من 700 عام في رحلات ماركو بولو الفضول بين الأوروبيين، وفي الوقت الحاضر، تصف وسائل الإعلام الغربية تعاون الصين مع إيطاليا في إطار مبادرة الحزام والطريق بأنه حصان طروادة “لدخول الصين إلى الغرب”، الأمر الذي يطرح السؤال: هل يمكن اعتبار ذلك خطوة إلى الأمام أم خطوة إلى الوراء بالنسبة للغرب في موجة العولمة؟.

التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإيطالي جيورجيا ميلوني في البيت الأبيض، وتعهدا بتعميق العلاقات الاقتصادية وتعزيز التعاون بشأن التحديات التي تطرحها الصين وفق زعمهما. إذا فشلت إيطاليا والغرب في تبني مبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين، فإن العولمة في الغرب سوف تتراجع، أو حتى ستتقهقر.

إن لمبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين دور كبير في التنمية العالمية، وقد ظهر هذا الرأي بسبب الطريقة التي حدّد بها الغرب مبادرة الحزام والطريق.

في آذار 2019، وخلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لإيطاليا، وقع البلدان مذكرة تفاهم بشأن مبادرة الحزام والطريق. وبالتالي، أصبحت إيطاليا الدولة الوحيدة في مجموعة السبع التي انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق، وغالباً ما يُنظر إلى مجموعة السبع على أنها كتلة غربية تمثل القوة الاقتصادية وشعاراً أيديولوجياً.

سيتمّ تمديد مذكرة التفاهم تلقائياً لمدة خمس سنوات إضافية في آذار 2024، لكن ونظراً للظروف الحالية، حيث يؤكد العالم الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، على الاختلافات الأيديولوجية مع الصين، ولاسيما أن الصين تعتبر المنافس الرئيسي للولايات المتحدة، تنشأ مخاوف بشأن ما إذا كانت إيطاليا ستختار تجديد مذكرة التفاهم.

في التحليل النهائي، لا تزال المسألة تتعلق بكيفية فهم الصين اليوم ووضعها كقوة عظمى للحضارة الشرقية، ومن الواضح أن كلّ من إيطاليا والاتحاد الأوروبي يمران بـ”فترة  من التردّد”.

إن مبادرة الحزام والطريق هي طريق لبلدين، وحضارتين مختلفتين، لتعزيز التعاون بشكل أكبر، لكن وللأسف، ينظر إليها بعض الغربيين على أنها أداة للصين “لغزو” أوروبا و”السيطرة” على القارة، لكن ما يهمّ الصينيين هو إحياء طريق الحرير القديم. وعند التفكير بما سيكون عليه الحال في المستقبل، عندئذ يمكن توقع التأثيرات للتعاون بين المدينتين القديمتين من روما إلى بكين على دمج الاقتصاد العالمي والثقافة، ولتحقيق هذا الهدف، تحتاج أوروبا إلى التعامل مع الصين برباطة جأش عندما تتوقع الصين، ولديها القدرة على التعامل مع أوروبا، فإن الطريقة التي تنظر بها أوروبا إلى الصين -سواء كشريك في التعاون أو كقوة أجنبية تسعى لاستغلال موارد أوروبا والتأثير على أيديولوجيتها- تصبح جوهر بعض التناقضات والاحتكاكات بين الصين وأوروبا.

في عصر أدّت فيه العولمة إلى اتصال ثنائي الاتجاه ومتعدّد الاتجاهات ولا رجعة فيه، لا بدّ من أن تصبح المنافسة أكثر حدة. ومع ذلك، فإن السماح للخوف من المنافسة أو الحدّ من مساحة التعاون بسبب المنافسة لن يؤدي إلا إلى زيادة المخاوف، وهذا بدوره قد يؤدي إلى التراجع أو العرقلة. إن مثل هذه الإجراءات ستجعل إيطاليا وأوروبا أكثر توجهاً نحو الداخل، وأكثر تحفظاً، وتراجعاً عن عملية العولمة.

ليس من المستغرب أن تنظر الولايات المتحدة، كقوة مهيمنة، إلى صعود قوى الحضارات الأخرى في العالم بعقلية معادية، لكن لا ينبغي على أوروبا بعد الآن أن تنظر إلى العالم بهذه العقلية منذ أن بدأت عملية الاندماج في الخمسينيات من القرن الماضي.

لا ينبغي أن تكون أوروبا منغلقة ومحافظة، وليس لدى الصين أية نية لتغيير أوروبا، كما لا ينبغي أن يكون للعالم حضارة واحدة فقط لتعمل كدليل وموجّه، ولا يجب أن تخضع لتوسع ثقافة معينة. إن تمازج الحضارات المختلفة وتفاعلها هو الطريق إلى التنمية المشتركة في العصر الجديد، ومن الضروري إعادة النظر في عقيدة “صدام الحضارات” لعالم السياسة الأمريكية صموئيل هنتنغتون، حيث تحدث عن أسباب الظاهرة وطرح أفكاراً لحلّ الصدام أو تخفيفه وهو ما يستحق اهتماماً خاصاً. وقال: “إن مستقبل كلّ من السلام والحضارة يعتمد على التفاهم والتعاون بين القادة السياسيين والروحيين والفكريين لحضارات العالم الكبرى”، وبهذا المعنى، فإن مبادرة الحزام والطريق ليست مخططاً لحصان طروادة، ولكنها مسار يمكن من خلاله التعاون وتعزيز التفاهم المتبادل.