“كتّاب دمشق” يحتفي بتجربة الشاعر العراقي طلال الغوار
باتت زياراته إلى سورية في السنوات الأخيرة شبه دائمة، وهو الذي لم يغب عنها حتى في سنوات الحرب القاسية، حيث كان الشاعر العراقي طلال الغوار دائم الحضور إليها مع وفود عدة تضامناً معها ضد الإرهاب والهجمة الصهيونية.
وفي زيارته الأخيرة احتفى فرع دمشق لاتّحاد الكتّاب العرب بتجربته الإبداعية من خلال قراءة نقدية قدّمتها الأديبة ميرفت علي، وقد أدار الجلسة د. نزار بني المرجة الذي رأى أن الشاعر الغوار قدم منجزاً شعرياً لافتاً خلال مسيرته المتميزة التي كانت محطّ اهتمام النقاد والأكاديميين والمتابعين للمشهد الشعري، بعد أن رفد المكتبة الشعرية بمدرسة لها ملامحها وبصمتها وهويتها الخاصة التي تتبدّى فيها الطبيعة الصامتة كبعد أول يتماهى معه الشاعر، حيث ينجح دائماً بتحريكها وتوظيفها على شكل كائنات، حيث تمثل الشجرة رمزاً للحياة وتتمتّع بخصوصية بالغة في عالمه الشعري إلى درجة أنها سكنت عنوان المجموعة “أسمي جرحي شجرة”، وأشار بني المرجة إلى أن هذه الثيمات تشكل هاجساً يؤرّق الشاعر الغوار أينما حلّ، وتكاد لا تخلو قصيدة منها.
القصيدة الطلالية
كمتذوقة للشعر وبعيداً عن النقد التخصّصي ومصطلحاته فضّلت الأديبة ميرفت علي أن يحمل ما ستقدّمه عن منجز الشاعر طلال الغوار عنوان “رؤية في تجربته” مشيرةً إلى مقومات التفرّد وعدم المشابهة في تجربة الشاعر، حيث تشبه قصيدة الشاعر صاحبها في طباعها وفي نمطها التعبيري والفكري، فهي قصيدة رصينة ورشيدة، تُحدث عند القارئ متعةً ذهنيةً واسترخاءً وانشراحاً، ولا تستفزّه بالمبالغات وبالجنوح نحو التضخيم والتهويل للقضايا الوجودية والإنسانية والوجدانية المطروحة، وتتمتّع كذلك بوحدة المكوّن الفكري والطابع الأسلوبي المناسب له، إضافة إلى الرشاقة والانسيابية التي لمستها بوضوح في القصيدة الطلالية، في حين تكتسب المرموزات والمداليل سمة التعددية في التأويل والتفسير، فيغدو النص الشعري لمّاحاً ومنفتحاً على خيارات لا تُعدّ ولا تُحصى وهو المصبوب في لغة مألوفة، لغة الدّارج واليومي، لتكون في متناول القارئ أياً كانت ثقافته.
وصنّفت علي أغلب الشعر الذي يكتبه الغوار في خانة “شعر الحالة”، وهو نوع معاصر وبارز اهتمّت به القصيدة الشعرية اليوم، فهو يعكس مواجد وهموم القارئ في كلّ مكان، أما الشكل الشعري فقد جاء متوائماً مع مضامين القصائد إلى حدّ كبير، موضحة أن بعض القصائد حفلت بالتضمين والاقتباس والاتكاء على الميثيولوجيا التي تمّ توظيفها بشكل رقيق وجميل دون أن يُثقل كاهل القصيدة بالإيديولوجيات والأفكار المعقدة.
ورأت علي أن شعر الغوار يتصل بتيار الواقعية الأدبية، وإلى حدّ ما الواقعية الاشتراكية، مع محافظته على الحدود الفاصلة بين قصيدتي التفعيلة والنثر واحترامه خصوصية كلّ منهما، مؤكدة أن الومضات التي كتبها بمثابة التتويج للتجربة الشعرية الخلاقة التي قدّمها الشاعر على مدى ربع قرن أو أكثر، ورأت فيها تفوقاً ملحوظاً وأداءً مدهشاً رغم صعوبة هذا اللون من الشعر.
علاقات صداقة وأخوة
وبيّن الشاعر الغوار في تصريح لـ”البعث” أنه ينتمي إلى عائلة عروبية بامتياز، وعندما بدأ بكتابة الشعر والاهتمام بالقضايا الثقافية كان حريصاً على الحصول على مجلة “المعرفة” السورية التي كانت من المصادر التي ساهمت في تكوينه الثقافي والتي كان لها دور كبير في تحقيق التواصل الثقافي مع الأدباء والمثقفين السوريين، فتشكّلت لديه علاقات صداقة وأخوة معهم جعلت زياراته إلى سورية شبه دائمة، وقد طبع فيها عدداً كبيراً من دواوينه.
أمينة عباس