دراما بلا هوية
سلوى عباس
عندما عُرض المسلسل المكسيكي “كساندرا” على شاشاتنا وحاز اهتمام الناس توجست كثيراً من ثقافة وافدة إلينا بعيدة بقيمها وأخلاقها عن ثقافتنا، وقد وصل تأثر الناس بهذا العمل حد أن أزياء كساندرا غزت أسواقنا وأصبحت مقياساً لأناقة فتياتنا، ولم تمض سنوات قليلة حتى أتحفنا التلفزيون بمسلسل “روبي” الذي لم يختلف بطروحاته عن مسلسل “كساندرا” وبعدها جاءت الدراما التركية التي فاقت بتأثيرها المسلسلين السابقين وانتشرت بفضل شركات إنتاجنا العتيدة لدرجة أن فنانينا وجدوا فيها تعويضاً عن الفرص التي افتقدوها في دراماهم السورية التي قدموا أنفسهم للوسط الفني من خلالها، وقد كانت هذه الدرامات موظفة لترسيخ ثقافة اجتماعية وأخلاقية ليست مغايرة لثقافتنا وحسب بل ومنافية لقيمنا وأخلاقنا، لكن مالم يكن بالحسبان أن يتم استنساخ هذه الأعمال بنسخ عربية حيث وجدنا عدداً من فنانينا السوريين والعرب يجسدون هذه الشخصيات دون التوقف عند تاريخهم الدرامي الذي ورّثهم إياه فنانون تعبوا وكافحوا كثيراً حتى أسسوا للدراما السورية هذا التاريخ، يحدوهم الأمل أن تكون الأجيال القادمة امتداداً لتاريخهم، وهنا كانت المأساة، حيث استباح فنانو هذا الجيل هذا التاريخ وانطلقوا باسم الانفتاح والعمل الفني العربي المشترك ليقدموا أعمالاً أظهرتهم بصورة مشوهة وممسوخة، وأكدت افتقادهم ليس للرسالة الدرامية فقط وإنما لهويتهم الدرامية السورية حيث انصب همهم على جمع المال والنجومية الفارغة التي لن تدوم.
وما لم يخطر في البال أن تكون الدراما التركية نموذجاً يحتذي به كتابنا الذين يتحفوننا بأعمال لا تمت لتاريخ الدراما السورية بشيء، أعمال تطرح موضوعات مبتذلة قدمت لنا مجتمعاً لا يشبهنا يعيش حالة من الانحلال الأخلاقي والقيمي المجحف، وما نراه من أعمال تركية معّربة مثل: “عروس بيروت، استليتو، الثمن، كريستال” وغيرها من الأعمال المعربة عن الدراما التركية هي ليست أكثر من ترجمة حرفية للسيناريو التركي بأحداثه وشخصياته وحواراته وبناء حبكته، يترجمها كتاب سوريون بحرفيتها دون أي اجتهاد أو إضافة مغايرة لما يتضمنه المسلسل التركي، ولا يخجلون من وضع اسمهم عليها.
وإذا انطلقنا من مقولة أن الدراما انعكاس لحكايات الناس وواقعهم، فإن هذه الأعمال المعربة عن الدراما التركية لا تمت إلى واقعنا بشيء حيث لم نر فيها أي ملمح من ملامح الحياة العامة للناس سواء في مجتمعنا أم في المجتمع التركي، وكل ما رأيناه حالات من البذخ والثروة لكل فئات المجتمع الذي تخاطبه هذه الأعمال، فأين نحن وأين قضايانا كسوريين نعاني من حرب كارثية على كل الصعد من هذه الأعمال.
باعتقادي لا يخفى على أحد من المهتمين بالشأن الدرامي سواء من منتجين أو كتاب أو مخرجين وحتى ممثلين أن الدراما التلفزيونية تمثل حالة من حالات الغزو الثقافي لأنها تتيح فرصة للاطلاع على مختلف الثقافات بكل ما تحمله من قيم، وقد ارتفعت أصوات العديد من المعنيين محذّرة من مخاطر ما تطرحه هذه الأعمال، كما طالبت برقابة موضوعية على كثير منها حتى لا تتعارض مع القيم والأخلاق الاجتماعية، حيث تعكس كثافة الأعمال التركية المعربة التي تشاهدها الأسرة وبشغف آثاراً سلبية على ترابط الأسرة وتعزلها في شرنقة ضيّقة وبالتالي يذهب كل فرد باتجاه مغاير للآخر، لتتباين الاتجاهات، ويتعمّق الخلاف حول مضمون هذه الأعمال، وقد يسبّب هذا الاختلاف انهيارات فكرية وثقافية بين أبناء الأسرة الواحدة، لكن المشكلة الأكبر أن جمهورنا العربي لا يدرك ثقافة الاختلاف ما يؤدي إلى تبني الأفكار السلبية من قبل الشباب الذين يجهلون مصالحهم، ولا يدركون إلى أين تأخذهم هذه المواقف. كما أن ما يؤسف له أن هذه الأعمال منتجة بأسماء فنية يعتبرها المشاهد السوري قامات فنية، هذه الأسماء تمثل الرافعة التي تغطي سوء هذه الأعمال فلماذا يسيء هؤلاء الفنانين لأسمائهم ولتاريخهم الفني ولسورية التي منحتهم اسمها وتاريخها، متناسين أنه ليس من حقهم التصرف بهذا الإرث بهذه الطريقة، وهمسة عتب للقائمين على مؤسساتنا الثقافية وشركات الإنتاج الفني أن يكونوا أمام مسؤولياتهم ويحافظوا على الرسالة الثقافية للدراما السورية بإعادة الاعتبار لها فهي كانت منذ بداياتها صاحبة رسالة ثقافية ورؤية فكرية فلا تضيعوها وأعيدوا لها هويتها التي على ما يبدو أنها افتقدتها.