هل لدينا أي خطط لتطويق الحرائق؟! الوقائع تؤكد أن التدابير والإجراءات الوقائية غير متوفرة إلا في حدودها الدنيا!
البعث الأسبوعية ـ علي عبود
ما من دولة في العالم تقريباً إلا وتشهد حرائق في غاباتها، ولم يستطع أياً منها أن يمنع اندلاع الحرائق في أشهر الصيف مهما كانت الإجراءات والاحتياطات على درجة عالية من الاستنفار.
والمسألة ليست في ابتكار أو تنفيذ آليات بتخفيض حرائق الغابات إلى الحدود الدنيا فقط، وإنما بتأمين المستلزمات الكافية لمنع امتداد الحرائق على نطاق واسع، أي تطويقها بحرفية عالية ومن ثم إخمادها بأسرع وقت!
وقد شهدنا في دول متقدمة مثل أوستراليا خروج بعض الحرائق عن السيطرة وامتدادها إلى المدن والقرى المأهولة بفعل ظروف مناخية استثنائية، ومع ذلك فإن الجهات المكلفة بإخمادها طوقتها في اللحظات الحرجة بفضل التقنيات المتطورة المستخدمة في حرائق الغابات.
مختلف تماماً
الوضع في سورية مختلف تماماً عن سائر حرائق الغابات في الدول الأخرى، ليس بسبب نقص مستلزمات المكافحة البشرية والفنية فقط، وإنما لأن معظم الحرائق عندنا مفتعلة لأن هناك من يستفيد من أشجارها باستخدامات متعددة أبرزها التدفئة!
وبما أن العام الماضي كان الأسوأ باندلاع الحرائق في الغابات، وكانت الخسائر جسيمة وباهظة، فقد وعدتنا الجهات المسؤولة وخاصة وزارتي الزراعة والإدارة المحلية بتأمين المستلزمات الكافية لمكافحة الحرائق، فهل كشفت الحرائق التي لم تتوقف منذ أسابيع بأن هذه الجهات وفت بوعودها،أم إننا لا نتذكر أهمية مستلزمات المكافحة إلا بعد اندلاع النيران أي بعد فوات الأوان؟
دوريات متجولة
كنت آخذ قيلولة بعد حفلة شواء دسمة (بارباكيو) وسط غابة كثيفة بالكاد تتخللها أشعة الشمس مترامية الأطراف في ضاحية مدينة سيدني بأستراليا صيف عام 1991 ،عندما شعرت بأحد (يلكزني) بلطف وهو يردد كلمتين سريعتين (مستر، ماي سير) ، فوجئت برجل يرتدي زيا رسميا خاطبني بتهذيب شديد، وهو يشير بيده إلى مكان بعيد نسبيا: يرجى المغادرة فورا، هناك حريق يتجه إلى هنا..الخ!
وكرر شرطي الغابات الأسترالي العبارة عدة مرات: (أنت في خطر، يرجى المغادرة)، ولم يتركني إلا بعدما تحركت فعلا باتجاه أصدقائي الذين كانوا يقومون بتجميع أغراضهم استعدادا للمغادرة!
وفي طريق العودة قال لي أحد الأصدقاء: احتمال امتداد الحريق إلى حيث كنا نقيم حفل الباربكيو ضعيف جدا، لكن شرطة الغابات تسبق الأمور وتتوقع السيناريو الأسوا!
وفعلا عندما نظرت إلى المكان الذي أشار إليه شرطي الغابات لم أر حريقاً، ولا حتى دخاناً، ما يعني أن الحريق بعيد جداً، لكنه تلقى اتصالاً لاسلكياً بضرورة إخلاء المنطقة من رواد الباربكيو، والمتنزهين!
عندما وصلنا إلى المنزل تابعنا حريقاً في الغابات واستنفار عناصر المكافحة لتطويقه ومنع انتشاره، وأدركت عندها أن السلطات لا تترك أي مجال للصدفة لتجنب وقوع َأضرار مفاجئة، والهم الأول حماية الناس من الحرائق!
هذا المثال يؤكد أهمية، بل وضرورة تشكيل فريق تابع لوزارة الزراعة أو الإدارة المحلية مهمته الأساسية إنشاء مراكز مراقبة في الغابات، يقوم عناصرها بجولات على مدار الساعة لاكتشاف أي حريق لحظة وقوعه، وإخبار الجهات المكلفة بإخماده قبل أن يكبر ويصعب تطويقه، ومنع امتداده إلى مساحات أخرى أو قريبة من المناطق المأهولة، فهل هذا الأمر صعب ومكلف مادياً، أم ليس وارداً أساساً في خطط وزارتي الزراعة والإدارة المحلية؟
في ذروة الحرائق!!
وعندما نتحدث عن خطط تطويق نيران حرائق الخدمات، فإننا لا نعرف عدد الجهات المكلفة بوضع مثل هذه الخطط، أو فيما هناك تنسيق فيما بينها أصلا، وفي حال وجود الخطط هل قامت الحكومة بتأمين مستلزماتها، أم هي خطط ورقية، لأن ما يجري على أرض مناطق الحرائق يوحي بأنه ليس أكثر من ردة فعل انفعالية، مثلما حدث في حرائق الأعوام الماضية!
وقد لفتنا فعلا تصريح وزير الزراعة المهندس حسان قطنا خلال جولة على عدد من المواقع التي لا تزال النيران فيها مشتعلة، أنه (تم إعداد خطة بديلة لتطويق النيران مع مراعاة الظروف المناخية والتضاريس وإمكانية الوصول إلى موقع الحريق)!
ما هي الخطة البديلة؟
حسب الوزير: زيادة عدد صهاريج التزويد، وإحضار المزيد من التعزيزات سواء بالطيران أو طائرات إطفاء الحرائق، ليتم الإعلان عن الخطة القادمة التي سيتم تنفيذها!
نستنتج بأن ليس لدى الجهات المعنية في وزارتي الزراعة من خطط لتطويق الحرائق سوى الإرشادات الإعلامية التي لم تمنع يوما من اندلاع الحرائق!
ومن الغريب فعلاً الحديث دائماً عن التضاريس التي تحول دون وصول سيارات الإطفاء، وهذا دليل على التقصير بشق الطرق الحراجية والزراعية وخاصة الطرق النارية، من جهة، والنقص في طائرات إطفاء الحرائق التي يتكرر الحديث عن أهميتها في كل موسم حرائق!
والسؤال: هل توضع الخطط مهما كانت مسمياتها (بديلة أو أصيلة) قبل الحرائق أم في ذروة اندلاعها؟
ماذا عن المعالجات؟
لا يكفي أن يقول وزير الزراعة أن جميع المستلزمات والتجهيزات والآليات لدعم الكوادر التي تعمل بأقصى طاقتها للسيطرة على الحرائق متوفرة، فعندما تلتهم الحرائق مساحات واسعة من جبال اللاذقية فهذا يؤكد إن الاستعدادات والإجراءات الوقائية ومستلزمات المكافحة لا تزل أقل بكثير في محافظات تشهد سنويا مجموعة كبيرة من الحرائق الكبيرة الخطيرة المفتعلة أو التي تندلع بفعل الإهمال والتقصير!
وبما أن وزير الزراعة على دراية (أن هناك عدة عوامل تسببت بانتشار النيران، وهي سرعة الرياح وشدتها،و كثافة الغطاء النباتي والمساحات الكبيرة من الأعشاب)، فهل إزالة الأعشاب عملية مستعصية، كأنّ يتم رعيها من قبل المواشي مثلا!
الملفت إن الجهات المسؤولة في وزارتي الزراعة والإدارة المحلية تكرر الأسباب نفسها التي تمنع من تطويق الحرائق والحؤول دون انتشارها، كوعورة التضاريس التي تعوق وصول الآليات والإطفائيات إلى بعض المناطق المشتعلة، والسؤال: إذا كانت آليات الجهات العامة بتوجيه من المحافظين تمكنت من فتح (خطوط) النار في ذروة اندلاع الحرائق لتمكين الإطفائيات من الوصول إلى المناطق ذات التضاريس الوعرة، فلماذا لم تقم وزارة الإدارة المحلية بالتنسيق مع وزارة الزراعة بشق الخطوط النارية والخطوط الحراجية قبل موسم الحرائق؟
وبدلا من استقدام التركسات، والجرارات، والمقطورات.. وغيرها، مع ما تستغرقه من وقت من أجل فتح طرق زراعية جديدة تمكّن سيارات الإطفاء من الوصول إلى جميع هذه المناطق، وفتح خطوط نار بواسطة هذه المعدات لمنع انتشار الحرائق الى مناطق أخرى. . فإننا نسأل: من المسؤول عن عدم إقامة شبكة متكاملة من الطرق الزراعية وخطوط النار تجعل الغابات مفتوحة أمام آليات الإطفاء فور اندلاع الحريق؟ .
الخلاصة
كشفت الحرائق الأخيرة، ما سبق وكشفته حرائق الأعوام السابقة: التدابير الإستباقبة والإجراءات الوقائية لتطويق الحرائق ومنع انتشارها غير متوفرة إلا في حدودها الدنيا والبدائية، وتكاد تقتصر على الإرشادات الإعلامية، وبعض هذه التدابير يُنفذ في ذروة اندلاع الحرائق!