الاستعمار الأخضر للبلدان النامية
عناية ناصر
كانت هناك في الآونة الأخيرة انتقادات كبيرة لسياسات المناخ في أوروبا لدرجة أن البعض اتهمها بأنها “استعمار أخضر”. يشير مصطلح “الاستعمار الأخضر”، المعروف أيضاً باسم “الاستعمار البيئي” أو “الاستعمار الكربوني”، بشكل عام إلى استغلال الدول المتقدمة لموارد البلدان النامية، وما ينتج عن ذلك من تضحية بالبيئة الايكولوجية للبلدان النامية وحرمانها من الحق في التنمية المستقلة.
يختلف هذا الشكل من “الاستعمار الأخضر” عن الاستعمار التقليدي ويمثل شكلاً جديداً من أشكال الاستغلال من قبل الدول المتقدمة ضد الدول النامية في عصر العولمة الاقتصادية، إذ إنه أكثر سرية بطبيعته، لكنه ضار بنفس القدر. لطالما انتقد الغرب البلدان النامية، التي يشار إليها غالباً باسم الجنوب العالمي، باعتبارها المصدر الرئيسي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ويعتبرها عوائق رئيسية أمام خفض الانبعاثات، لكن الحقائق تظهر افتقار الغرب إلى السلطة الأخلاقية لوعظ الدول الأخرى.
تشير الأبحاث إلى أنه في عام 2015، تسبب الشمال العالمي في زيادة بنسبة 92 في المائة من انبعاثات الكربون، بينما ساهم الجنوب العالمي بنسبة 8 في المائة فقط. علاوة على ذلك، تكشف التقديرات المستندة إلى نصيب الفرد من انبعاثات الكربون التراكمية أنه في عام 2021 ، شكلت بعض البلدان العشرة الأولى التي لديها أكبر انبعاثات تراكمية، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا وروسيا واليابان، 10٪ فقط من إجمالي سكان العالم . ومع ذلك، شكلت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التراكمية 39 في المائة من الإجمالي العالمي.
على الرغم من أن الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا، والتي تمثل مجتمعة 42 في المائة من سكان العالم، إلا أن انبعاثاتها التراكمية من ثاني أكسيد الكربون لا تشكل سوى 23 في المائة من الإجمالي العالمي.
في الواقع، خطت أوروبا خطوات كبيرة في الحد من الانبعاثات. ومع ذلك، فإن العامل الحاسم الذي يساهم في هذا التقدم هو الاستعانة بمصادر خارجية للصناعات التقليدية من أوروبا. وقد هدت أوروبا في مراحل تطورها الرأسمالي المتأخر انتقال العديد من الصناعات على نطاق واسع سعياً وراء انخفاض التكاليف وعوائد أعل، كما واجهت الصناعات ذات المستويات العالية من التلوث والانبعاثات قيوداً بسبب السياسات الأوروبية، مما دفعها إلى الانتقال إلى دول نامية أخرى. ومع ذلك، عندما تستورد أوروبا المنتجات عالية الكربون من هذه البلدان النامية فإنها تفرض ضرائب حدودية على الكربون كغرامات لانبعاثاتها المفرط، وفي جوهرها تستفيد أوروبا من إنتاج منتجات عالية الكربون في البلدان النامية دون تحمل المسؤوليات، بينما لا تتحمل هذه الدول النامية تأثير الانبعاثات فحسب، بل تواجه أيضاً انتقادات بل وعقوبات من الدول المتقدمة.
في أيار عام 2022، زار المستشار الألماني أولاف شولتز إفريقيا بحثاً عن مصادر جديدة للغاز الطبيعي، وكانت الجزائر والنيجر ونيجيريا قد اتفقوا على بناء خط أنابيب للغاز عبر الصحراء الكبرى لتزويد أوروبا بالغاز. أظهر الاتحاد الأوروبي اهتماماً متزايداً بهذا المشروع كمحاولة لتنويع مصادر الطاقة في الاتحاد، لكن واجه المشروع عقبات في وجه تقدمه. بالإضافة إلى تأثير الوضع الأمني في إفريقيا، شكل الموقف الأوروبي من إفريقيا عقبة أمام المشروع أيضاً. وفي هذا الإطار قال محمد أدو، مؤسس ومدير مركز “باور شيفت آفريكا” للبحوث المناخية، وهي مؤسسة فكرية مقرها نيروبي، في عام 2022 إن أوروبا تحاول جعل إفريقيا “محطة وقودها. لا يمكننا أن نسمح لأفريقيا، التي فاتها التصنيع القائم على الوقود الأحفوري، بأن تصبح الآن ضحية للمصالح الاستعمارية الأنانية قصيرة النظر، وخاصة من أوروبا”.