التقلبات الجيوسياسية وظهور إفريقيا الجديدة
البعث الأسبوعية- عناية ناصر
يتغير العالم بدرجة يصعب مواكبتها ولا يوجد مكان يتجلى فيه هذا الواقع بشكل واضح أكثر من أفريقيا، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت الانقلابات في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، والتمرد الدبلوماسي المتقطع المناهض للغرب في أجزاء أخرى من القارة، ستحدث تغييراً إيجابياً. هناك أمر واحد شبه مؤكد وهو أنه سيكون هناك ردود فعل داخلية وخارجية ضد الحركة الرامية إلى نزع الطابع الغربي عن إفريقيا خاصة في بداياتها.
إن الغضب الأفريقي ضد الغرب مدفوع بتلاقي هذه العوامل الثلاثة” أولاً، الغطرسة الغربية أو عقلية “القوة دائماً على حق” واستغلال “ثروتك هي ملك لنا. ثانياً، التدهور الأخلاقي الذي يحتفل به ويضمن الحماية المؤسسية لأولئك الذين يريدون فرض إملاءاتهم على الأفراد والعائلات والأمم ويعاقب أي شخص يحاول الانسحاب أو الشكوى . ثالثاً، الحرب الغربية بالوكالة ضد روسيا والتي تزيد من تفاقم انعدام الأمن الغذائي وعدم الاستقرار وتدمير الاقتصادات في إفريقيا.
لقد ألهمت هذه العوامل الثلاثة مجموعتين من القادة الأفارقة، وكلا المجموعتين حريصتان على تحرير بلديهما من الهيمنة الغربية. المجموعة الأولى هي القوميين الثوريين الذين جسدهم قادة الانقلاب العسكري في النيجر ومالي وبوركينا فاسو وغينيا، وجميعهم من القادمين الجدد على المسرح السياسي الأفريقي، وكلهم يريدون استعادة سيادتهم الوطنية عن طريق الحرب.
المجموعة الثانية، والتي يمكن الإشارة إليها باسم الأفارقة الجدد، تتمتع بمصداقية سياسية معينة، إنهم يتحدثون بلغة أفريقية جماعية تطالب بحصة أكبر من الفطيرة الاقتصادية التي يتم التلاعب بها من قبل الغرب. إنهم يطالبون بالكرامة والاحترام، خاصة فيما يتعلق بسيادتهم وقيمهم وثقافاتهم. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الأخرى تعتبر كلا المجموعتين وجهين لنفس التهديد، إلا أنها تعتبر الأفارقة الجدد الذين يعملون داخل المؤسسات الدولية القائمة ولديهم القدرة على طرح قضيتهم من خلال المنصات الإعلامية ، أو إهانتهم في نقاشات الجمعية العامة للأمم المتحدة أكثر خطورة.
معضلة النيجر
سار حرس النيجر الرئاسي على نفس المسار الذي مهده قادة الانقلابات العسكرية الناجحة في مالي وبوركينا فاسو وغينيا وتشاد، وأطاحوا بزعيمهم الموالي للغرب، ونتيجة لذلك أرسلت وزارة الخارجية الأمريكية على الفور أكثر مسؤوليها تشدداً – فيكتوريا نولاند – للقاء القادة الرئيسيين في انقلاب النيجر لتوجيه إنذار دبلوماسي لإعادة الحكومة السابقة أو تحمل العواقب. يبدو هذا كما لو أن الولايات المتحدة تقوم بمحاولة فرنسا للحفاظ على استغلال اليورانيوم، إذ تحتاج فرنسا، التي تمتلك 90٪ من مناجم اليورانيوم في النيجر، إلى ما يقرب من 8.000 طن من اليورانيوم سنوياً لتشغيل ستة وخمسين مفاعلاً نووياً في مصانعها الثمانية عشر.
في الوقت الحالي، يواجه الغرب بشكل عام، وعلى وجه التحديد دولاً مثل فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا “أزمة طاقة وجودية” لم يكونوا يعتقدون أنها ممكنة الحدوث عندما انضموا إلى شراكة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي لدعم أوكرانيا لهزيمة روسيا. حيث شهدت ألمانيا، التي كانت أقوى اقتصاد في أوروبا، ما لا يمكن تصوره، فقد كان هناك 8400 حالة إفلاس للشركات في ألمانيا من كانون الثاني إلى حزيران، بزيادة قدرها 16.2٪ عن النصف الأول من عام 2022.
من خلال الفحص الدقيق تبرز العديد من الأسئلة دون إجابات، وأكثرها إثارة للاستغراب هو : لماذا تهتم الدولة ذاتها التي قامت بتفجير خط أنابيب نورد ستريم – الولايات المتحدة – بحماية احتياجات فرنسا من الطاقة؟ إن المخاطر كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة الآن، كما أن واشنطن قلقة للغاية بشأن سيناريو السيطرة الاقتصادية والجيوسياسية لروسيا أو الصين على “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء” .
تبلغ قيمة مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء 13 مليار دولار، وهو خط أنابيب بطول 2565 ميلاً يمتد من نيجيريا عبر النيجر إلى الجزائر، حيث سيتم توصيله بخطوط أنابيب الغاز الحالية إلى أوروبا. منذ تفجير خط أنابيب نورد ستريم، اضطرت أوروبا لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة بسعر باهظ الثمن، وتطمع شركات النفط والغاز الأمريكية للحصول على المزيد من الأرباح. وفي الوقت نفسه ، يستمر الأمن في التدهور في البلدان التي تشكل منطقة الساحل الغنية بالموارد .
استذكار نادي سفاري
تم تشكيل نادي سفاري الذي لم يعد له وجود في عام 1976، وقد تم تشكيل برنامج الاستخبارات المضادة للتجسس في البداية لزعزعة نفوذ الاتحاد السوفييتي القديم في إفريقيا والشرق الأوسط من خلال تزويد مجموعات الميليشيات المختلفة بالأسلحة، وتمويل حروباً أكثر فتكاً كما في الحرب الصومالية – الإثيوبية، وتنظيم انقلابات بالوكالة في إفريقيا. وكانت وكالة المخابرات المركزية هي العقل المدبر وراء نادي سفاري . كان ذلك عن طريق التخطيط الاستراتيجي، لكنه تم تقييد صلاحيات وكالة المخابرات المركزية بشكل قانوني من قبل الكونغرس الأمريكي بعد أن تورطت الوكالة في فضيحة مراقبة محلية في منتصف السبعينيات. في هذه الأثناء، فإن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو: ما الذي يخطط له الغرب كإستراتيجية مضادة؟
تعتبر النيجر بسبب موقعها نقطة عبور لكل الجماعات الإرهابية باعتبارها دولة غير ساحلية وتشترك في الحدود مع سبع دول أخرى، ومن المثير للاهتمام أن زعيم الانقلاب في النيجر، الجنرال موسى سالو بارمو تدرب في أمريكا وهو أحد الجنرالات المفضلين لديها في إفريقيا، و سنعرف قريباً ما إذا كنا سنشهد جغرافيا سياسية صافية حيث حتى الحلفاء سيضعفون بعضهم البعض دون أي فائدة. مهما كانت الحالة، فإن النيجر هي بيدق جيوسياسي ومن المقرر أن تصبح أحدث مسرح للعنف والاضطراب. قد يكون الانفصال عن النظام الاقتصادي والسياسي العالمي الحالي الفاشل من خلال الانضمام إلى البريكس خياراً واعداً.
لذلك لا ينبغي للأفارقة الجدد أن ينسوا كيف أنه في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، تحررت العديد من البلدان الأفريقية من قوى استعمارية مختلفة دون إستراتيجية واضحة لتصبح بيادق الحرب الباردة وتتعرض لمزيد من الخضوع.