مجلة البعث الأسبوعية

رغم أهوال كارثة الزلزال.. مثلث الفساد لن يتوقف عن المتاجرة بأرواح الناس!!

البعث الأسبوعية ـ علي عبود

لم نتفاجأ بانهيار آلاف الأبنية جراء زلزال 6/2/2023، فقد حذرنا مع غيرنا مراراً من انتشار المخالفات التي اكتسحت طول وعرض البلاد على مدى العقود الماضية، وأشرنا دائما إلى البلديات كمتهم أول بالتواطؤ مع المتنفذين وسماسرة العقارات في هذا المد السرطاني للمخالفات التي لاتراعي الحد الأدنى من الإشتراطات الهندسية والمعمارية.

وكدنا أن نُصدّق أن الجهات المسؤولة عن قطاع البناء والتشييد ـ بعد الزلزال المدمر الذي زلزل أبنية مناطق المخالفات ـ  لن تسمح للبلديات وللمتنفذين ولسماسرة العقارات (مثلث الفساد) بإشادة أي أبنية جديدة لاتلتزم بالكود الزلزالي، بل تفاءلنا إلى حد ما، بعمليات الكشف والجرد الميداني لمناطق تعرضت للزلزال، وللمناطق المحيطة بها للتأكد من سلامة أبنيتها الإنشائية.

كل ذلك كان أوهاماً بأوهام (فمن شبّ على شيئ شاب عليه)، فمثلث الفساد وجد في الزلزال الكارثة، فرصة ذهبية للإستغلال، تماما كما استغل الحرب الإرهابية على سورية، ليرتكب المزيد من المخالفات في كل المناطق، ليؤكد مجددا أن آخر أهتماماته ـ وهو يشفط المليارات ـ أرواح الناس!

تطنيش مريب

ومايثير الريبة عند الحديث عن استهتار مثلث الفساد بأرواح الناس وأنظمة البناء، هو غض نظر الجهات الوصائية عما ترتكبه المديريات في المحافظات على مختلف مسمياتها ومتدرجاتها من مخالفات جسيمة، وخاصة دوائر الخدمات (البلديات) وهو ليس غض نظر فقط ، بل أيضا تطنيش مريب إلى حد الإستفزاز!!

وقد لا يستغرب الكثيرون هذا التطنيش، فما من مخالفة بناء إلا وقيمتها السوقية بالمليارات، وتصل جرأة بل وقاحة مثلث الفساد المغطى من دوائر ومديريات مركزية في المحافظات إلى حد بناء عدة طوابق لاتراعي الحد الأدنى من الشروط الفنية التي تحول دون انهيار بعضها، كما حدث مؤخرا!

وبما أن التطنيش هو السائد على المخالفات مهما كتب عنها الإعلام، فإن المحافظين لايتحركون إلا بعد فوات الآوان، وتحديدا بعد أنهيار البناء أو أجزاء منه، ووقوع ضحايا وإصابات بالسكان الأبرياء!!

نعم، ما أن ينهار البناء أو أجزاء منه حتى يتحرك المحافظون فيصدرون قرارات سريعة بتوقيف المسؤولين عن الإنهيار الكلي أوالجزئي، وإحالتهم إلى القضاء لينالوا القصاص العادل!!

والسؤال كان ولا يزال وسيبقى مطروحاً: لماذا لايستجيب المحافظون لشكاوى السكان ضد مثلث الفساد الذي يُعرّض أبنيتهم للخطر، أو يتلاعب بالوثائق للإستيلاء على عقاراتهم؟

والسؤال الأكثر أهمية: لماذا السكوت والتطنيش عن مخالفات البناء التي يرتكبها متنفذون جهاراً

بالتواطؤ مع جهات مسؤولة في المحافظة، وبعضها على الأملاك العامة؟

مثال من دمشق

يتذكر الكثيرون بعد حادثة انهيار شرفات مبنى في المالكي، وانهيار عدة طوابق في مبنى بالتضامن تطنيش الجهات المسؤولة عن مئات المخالفات الفاضحة والتي يكاد يصيح أصحابها على مدار الساعة: نحن نخالف اعتقلونا!

ومن أشهر المحالفات التي وصلت إلى مكاتب الدوائر الخدمية ومديريات محافظة دمشق والمحافظ ووزير الإدارة المحلية.. المخالفة في المقسم /15/ على اتستراد المزة .. فهل استجابت كل هذه الجهات لقمع المخالفات في هذا المقسم بهدف تحويل الطابق الأرضي إلى مخبز ومطعم رغم احتجاج سكان الأبنية المجاورة؟

راجع  وفد من المنطقة كل الدوائر المعنية في محافظة دمشق، وكانوا ينتظرون تجاوباً سريعاً بتوقيف المخالفين، لكنهم فوجئوا بالمماطلة وبعدم الجدية في قمع المخالفة قبل أن تتحول إلى مطعم جاهز لاستقبال الزبائن!!

نعم كان الرد: التطنيش والصمت المطبق، فما العمل؟

وجّهت لجنة البناء للمخالف إنذاراً عن طريق الكاتب بالعدل، مطالبة بإخلاء القبو، لم تستجب دائرة خدمات المزة ولا أي دائرة في المحافظة للإنذار، بل ان المخالف تحدى المشتكين بالإستمرار بأعمال الحفر والتفريغ وتركيب أساسات المطعم، مايعني موافقة ضمنية على ارتكاب المخالفة رغم أنف سكان المقسم والجوار!

والملفت أن محافظ دمشق لم يستجب حينها لجميع الشكاوى الخاصة بالمقسم /15/ على اتستراد المزة، عندها

قرر الشاكون أن يتوجهوا إلى وزير الإدارة المحلية، معتقدين أنه باعتباره الجهة الوصائية على المحافظين، سيطلب من محافظ دمشق إزالة الشكوى فورا.. فما الذي حصل ؟

استقبل الوزير ممثلي لجنة البناء، لكنه لم يوجّه محافظ دمشق بإزالة المخالفة، وإنما تمنّى عليه أن يستقبل الوفد للإستماع إلى تفاصيل المخالفة!

المفاجأة، ان محافظ دمشق أكد لوزير الإدارة المحلية عدم إطلاعه على تفاصيل المشكلة، أي إن شكوى السكان لم تصل إلى مكتب المحافظة، وبالتالي فلو لم يتصل به الوزير لما سمع بها لاحقاً!

المهم، إن المحافظ استقبل لجنة البناء واستمع إلى التفاصيل ووعدهم بمتابعة الشكوى وإعلامهم بالنتائج!

ومثال من حلب

ولا يقتصرالتطنيش على محافظة دمشق وريفها، وإنما هي ظاهرة تشترك فيها معظم المحافظات، بل أن المخالفات البعيدة عن مركز العاصمة تتسم بالجرأة، كما يحدث منذ أشهر في مدينة حلب، حيث يخطط أحد المتنفذين للإستيلاء على العقار رقم (2445) بمنطقة الأشرفية يقع على الشارع العام وطرد سكانه من منازلهم لتحويله إلى مول تجاري!

ومع أننا أمام قضية فساد كبيرة هدفها الإستيلاء على عقار قديم ومشغول بالناس، وكان محور اهتمام الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، فإن محافظ حلب لم يتدخل لمحاسبة المتورطين في مديريات المحافظة مع المتنفذ ايّ توقيف الفاسدين والمفسدين!

ومن المريب جدا، أن لاتتدخل أي جهات عامة أو خاصة أو أهلية، لإثارة مايقوم به هذا التاجر المتنفذ في أي اجتماع لمجلس المحافظة، أو بتسليم إضبارة الفساد شخصيا إلى المحافظ في حال لم تصل إضبارة الشكوى إلى مكتبه!

والملفت أكثر إن التاجر المتنفذ لم يتوقف عن تنفيذ مخططه رغم فضحه أمام الرأي العام الحلبي، وكانت البداية شراء المنزل الذي يقع خلف العقار 2445 ، وبدلا من أن يحاول شراء العقار، فإنه قرر الإستيلاء عليه عنوة بنفوذه وعلاقاته المتشعبة والمتشابكة، بدليل ان الجميع انصاع لإرادته وتلاعبوا وأخفوا وثائق العقار على الرغم من كونه طابو أخضر، وتعيش فيه صاحبته السيدة نور الهدى منذ أكثر من 70 عاما مع عدة عائلات!!

وبعد تطنيش الجهات المسؤولة أو المتورطة في محافظة حلب لجأ أصحاب العقار إلى وزير الإدارة المحلية من خلال معروض يشرح بالتفصيل محاولات المتنفذ طرد السكان والإستيلاء عنوة على العقار.

وقد لقي المعروض تجاوبا ، فوجّه معاون وزير الإدارة المحلية والبيئة للشؤون الفنية المهندس معتز قطان كتاباً بتاريخ 7/3/2023 إلى محافظة حلب مرفقا بمعروض السيدة نور الهدى اليمنى (المتعلق بتجاوزات مجلس مدينة حلب لجهة إخفاء وثائق تخص العقار 2445 سكن أول لصالح أحد تجار البناء ..).

وطالب معاون الوزير (إتخاذ الإجراءات اللازمة للمعالجة وإعلامنا النتائج بمذكرة مفصلة مشفوعة بالرأي والمقترح وكافة الوثائق)، لكن السؤال بطبيعة الحال: هل وصل كتاب الوزارة إلى محافظ حلب، أم تولى مجلس المدينة الرد مباشرة دون العودة إلى المحافظ ؟

 

الخلاصة:

المتنفذ، وبدعم من الدوائر المعنية في محافظة حلب مستمر بمخططه، ولم يتدخل محافظ حلب لفتح تحقيق مستقل حول الشكوى لإحالة المتورطين إلى القضاء!