مجلة البعث الأسبوعية

لابد من التمتع بروح المواطنة الوضع الاقتصادي عالمياً.. ومحلياً أصعب.. المطلوب من الجميع الابتعاد عن الاستغلال والمتاجرة بقوت البلاد والعباد!

البعث الأسبوعية – المحرر الاقتصادي  

لا يخفى على القاصي والداني ما تمر به البلاد من أزمة اقتصادية مردها بالدرجة الأولى إلى الحصار والعقوبات المفروضة عليها، ما انعكس بالنتيجة على الموارد والإمكانيات لجهة الندرة، ما يقتضي على الجميع الاضطلاع بمسؤلياته كل حسب موقعه، ولاسيما قطاع الأعمال الذي طالما اتخذته الحكومة شريكاً لها في التنمية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن بث روح المواطنة الحقيقية بين المواطنين والابتعاد عن الاستغلال والمتاجرة بالاحتياجيات الأساسية.

ارتفاعات غير مسبوقة

وإذا ما تحدثنا بداية عن الأسواق فسنجد أن ثمة ارتفاعات غير مسبوقة لها ولا تتواكب في كثير من الأحيان مع مستويات سعر الصرف بل تتعداها من باب التحوط من قبل التجار خشية وقوعهم في خسائر، ولذلك جاء قرار مصرف سورية المركزي الأخير المتعلق بآلية تمويل المستوردات وإنهاء العمل بالقرار 970 لعام 2023، كخطوة إيجابية باتجاه المرونة التي أبداها المصرف المركزي لتلافي الثغرات بما يضمن استقرار سعر الصرف وانخفاض التدريجي لسعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، وذلك بعد الحملة الممنهجة التي سبقت القرار ٩٧٠ على أداء مصرف سورية المركزي من قبل أغلب مدعي الخبرة الاقتصادية وبعض الصفحات التي تدعي عنايتها بالوضع الاقتصادي لتكون آلة ضغط على الرأي العام!

غير مدرك

فكل من يحمل أو يهاجم جهة حكومية أو فريق اقتصادي مسؤولية ما يجري أو جرى دون أن يأخذ بعين الاعتبار ما تعانيه البلاد من حصار اقتصادي وعقوبات فهو حكما لا يرى ولا يدرك وليس لديه من البصر أو البصيرة ما تمكنه أن يكتب على صفحته الشخصية سوى بعض الخربشات، فالوضع الاقتصادي عالمياً صعب، ومحلياً أصعب، مع عدم إنكارنا بذات الوقت إلى وجود تقصير ببعض الجوانب وإهمال وفساد وما شابه في الأداء الحكومي بشكل عام، وبالتالي أن تكون الحكومة والمصرف المركزي هما الجهة التي تتحمل مسؤولية فهذا ظلم وعملية صك براءة لكل من المتاجرين بقوت البلاد والعباد!

فليس صحيح أن تتحمل الحكومة ٩٥ بالمئة من الوضع السيئ وأن يتم تحميل كل العقوبات والحصار والمتاجرين 5 بالمئة وفقاً لما يروجه البعض على بعض الصفحات، وهنا لا نملك إلا أن نقول لهؤلاء عديمي الخبرة بألا يكتبوا كلاماً خارج سياق الموضوعية والمنطق بقصد جمع أكبر عدد من اللايكات المزيفة بالغالب!

عولمة

في ظل ما تشهده الأسواق من فوضى حمل البعض حمل جمعيات حماية المستهلك مسؤولية التقصير في القيام بدورها التثقيفي تجاه المستهلك وعدم جديتها بدعوات المقاطعة واقتصارها على مقاطعة السلع والمواد عند ارتفاع أسعارها فقط، دون تحفيز المستهلك على مراقبة الجودة والنوعية ومقاطعتها عند اختلال هذه المعادلة.

في المقابل يرى بعض المراقبين أن للعولمة دورا كبيرا في التأثير على العادات الاستهلاكية معتبرين أن التقليد الأعمى هو سيد الموقف في هذه الحالة، علما أن مجتمعنا يمكن أن يخط لنفسه نهجا استهلاكيا – إن صح التعبير – يتناسب مع ثقافته وتراثه، وعلى كافة الشركات الإنتاجية المحلية أن تقوم بدراسة السوق المحلية لمعرفة احتياجاته كخطوة استباقية لضخ المنتجات المناسبة المنافسة من جهة السعر والجودة بالوقت ذاته.

ثقافة

ومردّ ما سبق يعود إلى أن ثقافة الاستهلاك في مجتمعنا لا تزال مرتبطة بالعادات والتقاليد أو بالحاجة اليومية دون الأخذ بعين الاعتبار مدى مطابقة السلعة للمواصفة أو على الأقل الانتباه إلى بطاقة البيان المرفقة مع السلعة لمعرفة مكوناتها وحيثياتها، ويكتفي المستهلك بأحسن الأحوال بالاطلاع على تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية، ما يعني أن المواطن لازال لا يعي حقوقه تجاه ما يشتري ويقتني من سلع ومواد مسندا هذه المهمة إلى الجهات الرقابية المفترض أن تقوم بحمايته، ما أدى في نهاية المطاف إلى استغلال هذا الوضع من قبل بعض التجار والصناعيين لزج منتجاتهم بأسعار ربما تكون منافسة لكنها للأسف على حساب الجودة والنوعية.

نعتقد الفجوة ما تزال بين المستهلك والمنتج واضحة، ومعنى ذلك أن المستهلك سيبقى رهن واقع السوق غير المرضي والذي يزداد تردِّياً مع الصور القاتمة للواقع الحالي الذي تنبئ مؤشراته عن ازدياد في معدلات الفقر والبطالة بين أوساط شريحة واسعة من الشباب والبطالة المقنعة وغيرها من الصور التي تستدعي (عمليات جراحية) لا إبراً مخدرة، فكيف لمواد تفتقر إلى أدنى مستويات الجودة ولو بسعر زهيد أن تقود السوق إلى تحقيق الرضى الاستهلاكي والربحية المأمولة لدى البائعين الذين ببضائعهم المتواضعة لا يرتقون إلى مستوى المسؤولية عما يروجون، بينما المسؤولية الاجتماعية تعد العمود الفقاري لتوجه اقتصادنا الوطني.

حركة لافتة

وإذا ما تحدثنا عن واقع السكن وتأمين المأوى، سرعان نصطدم بارتفاع حدة الإيجارات طرداً مع تصاعد وتيرة تذبذبات سعر الصرف خلال الأسابيع الماضية، وفي حركة لافتة لجأ كثير من مكاتب العقارات في ريف دمشق إلى تعليق لافتات بينت عدم وجود شقق للإيجار في سابقة لم نعهدها لدى سماسرة العقار نتيجة الإقبال المنقطع النظير على الإيجار، والمضحك المبكي أن أسعار قيم وإيجارات الوحدات السكنية شهدت ارتفاعات وصلت في بعض مناطق الريف إلى نسبة 50% عما كانت عليه قبل نحو شهر حسب تأكيدات بعض السماسرة وتجار البناء، حيث بلغ متوسط سعر شقة سكنية بمنطقة ركن الدين بدمشق مساحة 100 متر مربع نحو المليار ونصف المليار ليرة، وبضاحية قدسيا حوالى 2 مليار ليرة، وفي جديدة عرطوز تناهز المليار أيضاً، مع الإشارة إلى توقف حركة البيع والشراء.

وأكد أحد الباحثين عن سكن أنه اضطر لاستئجار شقة غير مفروشة لا تتجاوز مساحتها الـ 50 م2 بمبلغ 300 ألف ليرة سورية شهرياً، علماً أن بدل إيجارها في خلال فترة وجيزة لم يكن يتعدى الـ 100 ألف ليرة، ما يظهر حقيقة بسط سيطرة ضعاف النفوس على السوق في ظل غياب أدنى مستويات الرقابة الرسمية وأحياناً رقابة الضمير.

وفي جرمانا وصل الأمر لدرجة تأجير بعض الشقق ببدل يومي وصل إلى 25 ألف  ليرة، في حين بلغ متوسط البدل الشهري إلى 400 ألف ليرة سورية!

وفي ضاحية قدسيا وصلت قيمة بدلات الإيجار الشهري إلى ما يزيد عن 500 ألف، أما في ضاحية الأسد في حرستا فكان متوسط الإيجارات نحو 150 ألف ليرة شهرياً.

وبيّن صاحب مكتب عقاري في منطقة الدويلعة أن المنطقة لا تزال تشهد إقبالاً على الإيجار رغم أنها وصلت إلى حد الإشباع ولم يعد بالإمكان تأمين أي وحدة سكنية لأي طالب سكن، وأضاف أن المشكلة لم تتوقف عند مشكلة المأوى فحسب، إنما تعدت ذلك لتصل إلى أعتاب أزمة إنسانية حقيقية، مع غياب الخدمات العامة، وتراكم النفايات في الشوارع، ونقص حاد في بعض المواد الغذائية الأساسية.

يذكر أن قطاع العقارات في سورية يعاني من حالة ركود وجمود حادة بسبب نقص السيولة وامتناع شركات التطوير العقاري عن متابعة التشييد وكذلك ارتفاع أسعار مواد البناء وصعوبات الاستيراد، وهذا ما أدى إلى تباين كبير في الأسعار بين المدن والمحافظات السورية.

أخيراً

يستغل من لا يدرك جسامة الظروف الاستثنائية التي نعيشها هذه الظروف لتحقيق مطامعه المشروعة منها وغير المشروعة، وما أفرزته الأزمة الحالية التي تمر بها بلادنا من أثار جانبية طالت جوانب الحياة المعشية والاقتصادية والخدمية كافة، يجسد التجاوزات الصادرة عن من تسابقوا لحصد مكاسب مشروعة وغير مشروعة، لاسيما تلك المتعلقة بازدياد حركة البناء العشوائي وحفر الآبار بشكل مخالف دون ترخيص رسمي ناهيك عن انفلات الأسواق المحلية وانتشار السلع غير المطابقة للمواصفة وغير ذلك من التجاوزات والمخالفات التي ستظهر نتائجها السلبية لاحقا بعد استقرار الأوضاع في البلاد، مبررين ذلك بأنهم وصلوا حد الانفجار نتيجة التضييق المتمخض عن القرارات الحكومية – على حد تعبيرهم – التي لم تراع وضع المواطن.

ما نود التركيز والتأكيد عليه هو أن التجاوزات التي تزداد وتيرتها هذه الأيام ليس إلا عقبات مستقبلية وتحديات إضافية تضاف على البرامج الإصلاحية الحكومية، وربما تعيق بشكل كبير الإصلاح المنشود، ما ينعكس بالضرورة سلبا على المواطن وهو من يطلب الإصلاح، فعلى سبيل المثال من يتورط بحفر بئر ماء مخالف واستثماره في ري المزروعات بشكل عشوائي غير منظم يساهم بشكل أو بآخر بنفاذ المخزون الجوفي من هذه الثروة الوطنية.

خلاصة القول على المواطن التعاون ولو بالحدود الدنيا مع الحكومة وإعطائها الفرصة لنرى ما ستترجمه من إصلاحات على أرض الواقع، وأضعف إيمان هذا التعاون الكف عن التجاوزات التي ستزيد ( الطين بلة)، وبالوقت ذاته على الحكومة الإسراع بترجمة الإصلاحات المنتظرة وتخفيف العبء على المواطن على كافة الصعد والجوانب، لأن الوطن للجميع ولا يكون الوفاء للوطن إلا بالعمل الشريف والمشترك.