أخبارصحيفة البعث

إعادة تموضع كبرى في الخليج العربي

تقرير إخباري   

نشهد مؤخراً زخماً قوية لعمليات انضمام خليجية لأحلاف هدفها الأول إنهاء الهيمنة الأمريكية والغربية على سياسات واقتصادات دول العالم، وبشكل يوضح انعدام الثقة بالإدارة الأمريكية وقيادتها للعالم، رغم أن تلك الدول لم تكن تُعنى سابقاً بالانضمام إلى مثل تلك التحالفات لأسباب متعددة، فالآن وبعد تجسد العالم متعدد الأقطاب رأينا مدى التحول الكبير في قرارات الدول الخليجية.

إن السعودية والإمارات دولتان تمتلكان ثروات كبيرة ووزناً سياسياً، وانضمامها إلى تلك التحالفات وآخرها “بريكس” شكل قلقاً حقيقياً للولايات المتحدة، التي كانت تملك زمام فلكها المغلق فيما مضى، والذي فقدته الآن بعد تغير القواعد التي تحكم العالم، بعد ثبات عدم إمكانية السير على نهجها مستقبلاً، وهذه القناعة لم تكن وليدة تداعيات الحرب الأوكرانية، بل قديمة وبدأت منذ بداية دعم الإدارة الأمريكية لما يسمى بـ”الربيع العربي” في عام 2011، وعبثها في استقرار دول كاملة في الوطن العربي بهدف ابتزازها وتدمير مقدراتها ومصادر قوتها وأمنها، مروراً برفع واشنطن شعار “أمريكا أولاً” منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ناهيك عن سعي تلك الإدارة بشكل حثيث لتأجيج الصراعات في منطقة الخليج وافتعال حرب اليمن من دون أن تصدق وعودها في “الحماية” أو الدفاع عن أي دولة خليجية.

ولا ننسى هنا دور العقلية الجديدة التي أضفاها تحالف روسيا – الصين في المنطقة، وتبنيهم مبدأ العلاقات المتوازنة وعدم التدخل في شؤون الدول، وبناء علاقات تتميز بالثقة والابتعاد عن الصراعات، وبناءً عليه بدأت دول الخليج وعلى رأسها السعودية بالدخول في شراكات مع هذا المحور، ذات طابع أمني مثل اتفاقية “شنغهاي للتعاون” لتتكامل الخطوات الآن مع الشق الاقتصادي المتمثل بدخول “بريكس”. إن التفاوض الآن أصبح مع دول لا تعير لسيادة أو تفوق الكيان الإسرائيلي في المنطقة أي أهمية، ولكن هذا لا يعني نقل جميع ملفات السعودية وغيرها من دول الخليج من مقلب الغرب إلى مقلب الشرق دفعةً واحدة ولأسباب عديدة؛ فالتنوع بالنهاية أصبح سمة لهذا العالم الجديد والتعدد مساره الأساسي، كما أن إعادة التموضع الخليجي نحو روسيا والصين تحتاج خطوات تدريجية لتجنب أي صدام مع الولايات المتحدة أو قواتها أو أدواتها المرتهنة في المنطقة والعالم، ولا بد من اللعب على أوتار الزمن كطريق مضمون، وحتى الصين وروسيا رفعتا شعار “الشراكات الآمنة” في علاقاتهما مع كل الدول.

كل ما تم سرده يقودنا للقول: إن مشروع الليبرالية الحديثة قد فشل في منطقة الخليج لصالح مشاريع الشرق، كون الأول أمعن في الحفاظ على دول تشكل مجرد مناجم ضعيفة ومصادر لاقتصاد ريعي، بينما الثانية جاءت بقواعد مختلفة تقوم على التعاون مع دول المنطقة عبر مظاهر عديدة كنقل التكنولوجيا والمعلومات والصناعات وخلق تشاركية فعالة معها تشمل الاستيراد والتصدير والصناعة والتجارة، فروسيا والصين لا تريدان دول خاضعة بل شريكة، وهذا كله ينذر بوفاة سياسات الغرب القائمة على نظريات بث الفوضى والرمال السيليكونية في المنطقة وصولاً إلى كل العالم.

بشار محي الدين المحمد