ثقافةصحيفة البعث

معرض” دمشقيات2″ تراث دمشق متتالية من جيل إلى آخر

ملده شويكاني

كما قال نزار قباني في وصف فناء البيت الدمشقي: “النوافير في البيوت كلام  والعناقيد سكر مطحون”

وصف التشكيليون دمشق بخطوطهم وألوانهم، فوثّقوا معالمها وطرازها المعماري وأقواسها وحاراتها وحكايات نوافذها الخشبية وأسرار تناوب حجارة بيوتها بين الأبيض والأسود في خطوطهم وألوانهم، كما وثّقوا الحرف اليدوية التي كانت سائدة وتعد جزءاً من يوميات أهلها، كلها ضمن الحفاظ على التراث بشقيه المادي واللامادي، في معرض ” دمشقيات-2″ الذي أقيم في مركز ثقافي كفرسوسة، بمشاركة خمسة عشر فناناً من الفنانين الشباب مع بعض المخضرمين، بإشراف وتنسيق الفنان محمد دبور بغياب رائد موثق دمشق المبدع ناثر حسني، ود. محمد غنوم الذي خطّ دمشق بإبداعه.

وقد هيمنت الواقعية بتفصيلاتها على المعرض بتنوع الألوان بين الزيتي والإكليريك، إضافة إلى فنّ الدهان الدمشقي( العجمي) والفسيفساء بالرسم، بتقليدية رسم الحارات والبيوت، ولم يخل المعرض من تجارب تناولت دمشق بأسلوب تعبيري وأخرى تنحو نحو التجريد التعبيري ما أعطى روحاً جديدة للتعبير عن دمشق. وثمة تقاطعات مشتركة بدت باختيار المشهد المجتزأ من الحارة أو البيت الدمشقي.

توثيق الحرف اليدوية

ووثقت لوحات نذير بارودي الحرف اليدوية في دمشق بأسلوبه المعروف بالواقعية التلقائية، فتوقفت البعث معه ابتداء بلوحة الأنثى التي تفتح مكبس الماء في البيت الدمشقي فوق البحرة الصغيرة، إلى لوحة حرفة خراطة الخشب التي يستخدم فيها الحرفي يديه وقدميه لنشر الخشب، إلى حرفة السنكري ( البوابري) وقد رسمها بدقة عالية تظهر تفاصيل عمل الحرفي والأدوات البسيطة التي تحيط به، مصوّراً المصباح المعلق أعلى الجدار، و(البابور) الكبير لطهي المأكولات، وبجانب آخر يوجد ( بابور) صغير يطلق عليه الساكت، ويستخدم للقهوة والشاي وغيرها.

ومن لوحاته أيضاً لوحة الترامواي في ساحة الجسر الأبيض في الستينيات، فجسد تراموي رقم 3 في طريقه إلى شيخ محيي الدين، ويعاكسه تراموي رقم 4 في طريقه إلى نهاية خط المهاجرين، إضافة إلى لوحة ساحة باب توما والعربجي.

  الاعتزاز بتاريخها العريق

في حين اختار غازي القاضي جزءاً من حيّ ساروجة بلوحته التي توضح القوس الأمامي للحارة وتجسد تفاصيل البيوت المتراصة بانحناءات أبوابها و نوافذها الخشبية وعريشة الباب بتعانق الأخضر والأصفر، مستخدماً ألوان الإكليريك التي عكست ظلالها على فضاء اللوحة. ونوّه إلى أنه أراد أن يوثق حيّ ساروجة الذي احترقت بعض بيوته، بغية الحفاظ عليه مؤكداً على الاعتزاز بالتاريخ العريق لأقدم عاصمة مأهولة، مستخدماً الألوان الحارة التي ترجمت حبّه لدمشق.

الصدف والفسيفساء

وتألقت لوحات علاء الغبرة عن الجامع الأموي ومئذنة العروس وحارات دمشق ضمن إطار عمله بتقنية الفسيفساء بالرسم، بالتداخل مع القيشاني والزخرفة والخطّ العربي، فجسد في إحدى اللوحات جزءاً من فسحة البيت الدمشقي مركزاً على النافذة والنباتات وحجارة الأرضية بأسلوب واقعي مستخدماً ألوان الإكليريك موظّفاً الكولاج للأخشاب والصدف والسيراميك والريزين، وفي لوحة الحارة الدمشقية استخدم الصدف البحري والأخشاب المنوعة ( الجوز والورد والزيتون) مع مواد مختلفة بتقنية الفسيفساء.

الأنثى والتراث اللامادي

كما سردت لوحات نجوى الشريف حكايات دمشقية فرسمت في إحدى لوحاتها ثلاثة أجيال للأنثى الدمشقية ممثلة بالجدة والأم والحفيدة بحالة تقارب كمتتالية لانتقال التراث اللامادي عبْر الأجيال وسط معالم روح المدينة بأسلوبها التعبيري.

في حين استمدت ملامح الأنثى بخمارها الأسود في لوحتها الثانية من قصيدة الشاعر الأموي مسكين الدارمي – ربيعة بن عامر التميمي-  التي أصبحت أغنية تراثية من تراث دمشق: ” قل للمليحة بالخمار الأسود ماذا فعلت بقلب ناسك متعبد”. بينما أشارت الأزهار الشامية المتفتحة في اللوحة الثالثة إلى التفاؤل بعودة سورية كما كانت.

الحرف بتجريد تعبيري

وجمعت نزهة الزهر الحرف اليدوية الدمشقية مثل حرفة الخشب وحداوات الأحصنة والزجاج المعشق وتصنيع الأواني وغيرها بشكل جماعي بأسلوب تجريد تعبيري، مستخدمة القلم الأبيض اللامع على خلفية سوداء.

فنون دمشق

وبدت لوحات تغريد الشيباني مختلفة كونها تعمل بفنّ الدهان الدمشقي( العجمي) مستخدمة مادة النباتة ببعدها النافر، ثم أضافت ألوان الإكليريك مغطاة بمادة “اللكر” فوثّقت باللوحة الأولى من خلال النافذة المغلقة فن الزجاج المعشق، كما استخدمت الضغط على النحاس فدمجت تقنيات عدة بحالة تعبيرية.

بينما توسعت باللوحة الثانية بأجزاء البيت الدمشقي انطلاقاً من باحة البيت إلى البحرة وشجرة النارنج وقاعة الديوانية، وتابعت باللوحة الثالثة التراث اللامادي برقص المولوية.

تآلف الرؤى

وتابعت “البعث” مع المشرف على المعرض الفنان محمد دبور المتخصص برسم حارات دمشق بواقعية بحتة، فجسد بلوحاته جزءاً من القيمرية وحارة الصواف والعمارة وسوق ساروجة، بألوان زيتي قريبة من الواقع، لاسيما درجات الألوان الترابية لجدران البيت وحائط الحارة والنافذة الخشبية مبرزاً بريق النباتات الخضراء المعرشة على حواف النافذة.

وأوضح بأن الهدف من مشاركة الفنانين الشباب بالمعرض إظهار نظرة جديدة لدمشق من خلال رؤيتهم، ودمجها مع الفنانين المخضرمين، كي تتآلف الرؤى الحديثة مع القديمة بغية الحفاظ على تراث دمشق ونقله من جيل إلى آخر.

جسر عبور

وختاماً مع الأستاذة نعيمة سليمان مديرة مديرية ثقافة دمشق، فتحدثت عن معرض دمشقيات المخصص لتراث دمشق مشيدة بالرؤى والأساليب المختلفة التي قدمها الفنانون لرسم دمشق وتوثيق معالمها وحرفها، التي من واجبنا تعريف الزائرين بها والحفاظ عليها، وأشارت إلى أن المعارض من أهم الأساليب التي تعمل على التوثيق، وتأتي ضمن إستراتيجية مديرية ثقافة دمشق بالحفاظ على التراث الذي يعد جسر عبور بين الماضي والحاضر.