ثقافةصحيفة البعث

الرباعيات بين عمر الخيام وأحمد رامي

استمتع جمهور المنتدى الاجتماعي بدمشق بالأمسية الثقافية الفنية التي أقامها مؤخراً تحت عنوان “الرباعيات بين عمر الخيام وأحمد رامي” بمشاركة الباحث غسان شاهين الذي أبحر في فكر عمر الخيام ورباعياته التي تعكس فلسفته وآراءه في الحياة والروح والخلود والزمن، مبيناً شاهين أن الخيام الذي وُلد حوالي عام 1040م وعاش في نيسابور عاصمة خراسان، وكان عالماً في الفقه واللغة والتاريخ والرياضيات والفلك وعلوم الحكمة والفلسفة لم ينظم رباعياته في مرحلة واحدة من مراحل حياته وإنما نظمها على مراحل حسب ما أوحى إليه خاطره وفكره، وهي التي ضاع الكثير منها إما لعدم نسخها بسبب آرائها الجريئة، أو نتيجة الحريق الذي تعرضت له نيسابور على يد المغول والتتار، كما تعرضت أيضاً للتحوير والتبديل عندما تناقلتها الألسن وتعاقب النسّاخ عليها وقد غيّروا الكثير من معالمها، موضحاً شاهين أن أقدم مخطوط لمخطوطات رباعيات الخيام كتبه أحد سكان شيراز بعد رحيل الخيام بـ 350 عاماً، وأن عدد الرباعيات وصل إلى 800 رباعية، وأقدم مخطوط لها موجود في جامعة أكسفورد ولا يحوي إلا على 158 رباعية فقط، وحين جال شاهين على مسيرة الخيام أشار إلى أنه درس العلوم الإلهية والفلسفة والمنطق والطب والرياضيات، وكان عالماً ذاع صيته على مر الأيام، وعُرف بحبه للحياة وأفراحها، وقد أبهرته الخمرة فعشقها وحسب أنها السبيل الأجمل لحياة منعمة ومترفة لعلها تسمو بروحه: “لم أشرب الخمر ابتغاء الطرب   ولا دعتني قلة في الأدب/ لكن إحساسي نزاعاً إلى إطلاق نفسي كان كل السبب”

وأوضح شاهين أن سر الحياة عند الخيام كان “أن تصحو وتشرب وتتمتع بضوء القمر وسحر طلوع الفجر، ومساءً عند غروب الشمس لا تهتم بالأمس ولا بالغد” وكانت دعواته الدائمة اغتنام فرص الحياة وعيشها وعدم إضاعة الوقت في متاهات الحياة أو في النوم الذي يقصر الحياة: “أفق خفيف الظل هذا السحر وهاتها صرفاً وناغي الوتر/  فما أطال النوم عمراً ولا قصر في الأعمار طول السهر”

فيلسوف زاهد

وتوقف أ.غسان شاهين عند الخيام الفيلسوف الذي أمضى حياته يبحث عن إجابات لأسئلة شغلته كما شغلت الفلاسفة، وفي مقدمة هذه الأسئلة الموت وما بعد الموت، وهي الأسئلة التي ما حل لغزها أحد، وكانت فلسفته تحمل الكثير من التساؤل بدهشة عن مصائر البشر، وكان أكثر ما يبكيه أن الأيام تمر مرور السحاب وفي النهاية يساق الجميع ليلقى بهم في طباق الأرض: “ولأن الحياة قصيرة فعلام الألم ومثوانا التراب؟” لكنه حين تعمّق في كنه الألوهة ومعرفة الخالق وقدرته ومواصفاته وتبحره في ذات الله القادرة كانت عودته إلى سبيل الله عودة مبنية على قناعات أساسها أن الله في الحياة والكون هو المبدأ والمنتهى: “يا عالم الأسرار علم اليقين يا كاشف الضر عن البائسين/  يا قابل الأعذار فئنا إلى  ظلك فاقبل توبة التائبين”.

لذلك أمضى الخيام حياته زاهداً والروح تذهب به إلى التأمل، وظلّ في أوقات نشوته يرسل رباعيته ويبث أفكاره والتي ما كان لنا أن نعرفها لولا أحمد رامي برأي شاهين عندما ترجم بعضها وهو الذي ولد في القاهرة عام 1892 وتوفي عام 1981 . وبتعريف شاهين له بيَّن أنه شاعر وكاتب مصري درس في مدرسة المعلمين وتخرج منها عام 1914 ثم سافر إلى باريس عام 1922 وفيها درس الفارسية في معهد اللغات الشرقية ما ساعده في ترجمة 168 رباعية، وعُرف بشاعر الشباب، واشتهر من خلال ارتباط اسمه بأم كلثوم وأغانيها بدءاً من العام 1935 بأغنية “على بلد المحبوب” كما ساهم في 30 فيلماً سينمائياً بالتأليف والغناء والحوار، وكتب للمسرح عدة مسرحيات، وتُعتبر رباعيات الخيام برأي شاهين من أهم وأجمل القصائد المختارة من رامي وأم كلثوم لتُقدَّم على شكل أغنية.

حكم الخيام

وأطل أ.شاهين على عالم الحكمة والنصح عند الخيام وأورد بعضها: “عاشر من الناس كبار العقول وجانب الجهال أهل الفضول.. اشرب نقيع السم من عاقل واسكب على الأرض دواء الجهول.. الدرع لا تمنع سهم الأجل والمال لا يدفعه النزل، وكل ما في عيشنا زائل.. لا شيء يبقى غير طيب العمل.. عش راضياً واهجر دواعي الألم واعدل مع الظالم مهما ظلم.. نهاية الدنيا فناء فعش فيها طليقاً واعتبرها عدم”.

وختم غسان شاهين كلامه عن الرباعيات مؤكداً أنه لو لم يترجمها أحمد رامي ولم يلحنها رياض السنباطي ولم تغنّها أم كلثوم لما تعرّف العرب على غياث الدين عمر أبو الفتح ابن إبراهيم الخيام المعروف بعمر الخيام، مع إشارته إلى أن رامي وأم كلثوم قاما بتغيير العديد من الكلمات الجريئة في هذه الرباعيات.

رافق الباحث غسان شاهين في حديثه عن رباعيات الخيام المطرب جورج خوري الذي أمتع الحضور بالرباعيات التي غناها وبعزفه المتقن على آلة العود وهو الذي تدرّب على يد أ.جبرائيل سعادة كبير المؤرخين وحافظي التراث الموسيقي الشرقي، وخصوصاً تراث اللاذقية والساحل السوري.

رباعيات منسوبة وأخرى صحيحة 

الرباعيات قالب من قوالب الشعر الفارسي، والرباعية مقطوعة شعرية من أربعة أبيات، تدور حول موضوع معين وتكوّن فكرة تامة، وفيها إما أن تتفق قافية الشطرين الأول والثاني مع الرابع أو تتفق جميع الشطور الأربعة في القافية، وقُسمت الرباعيات المنسوبة للخيام إلى ثلاثة أنواع، ويحذف النقاد اليوم منها قسمين، الأول ذاك الذي فيه الشكوى والتألم من الفقر والمعاناة والحرمان لمن كان يتقاضى سنوياً من الديوان العالي مبلغاً قدره عشرة آلاف دينار وهو مبلغ خيالي في ذلك العصر والزمان كما جاء في كتابات الخاقاني أحد كبار شعراء القرن السادس، أما القسم الثاني من الرباعيات التي تُنسب للخيام ولا يمكن أن تكون له فهي التي تدل على الاستخفاف بالكائنات والقدر واللجوء إلى الخمرة لأنهاً ليست من شيم الخيام الذي حصل في زمانه على ألقاب مثل حجة الحق وهو لقب يعادل حجة الإسلام الذي لُقب به الغزالي، ولقب الإمام وهو لقب كان يُطلق على من يتصدر الملأ في العلم والحكمة، لذلك أكد النقاد أن الرباعيات الصحيحة والتي يتسنى لها أن تكون وليدة فكر الخيام لا يتجاوز عددها مئتي رباعية وتحتوي أسئلة عن الوجود والإنسان والقدر والمصير والجبر والاختيار والتمييز بين الزهد الحقيقي والزهد المزيف والحث على الصدق والعدل وخدمة الناس التي يعتبرها الخيام أساس الدين.

أمينة عباس