معارض الحرفيين المتنقلة.. تعكس تراجع أسواقهم وتؤكد حاجتهم للدعم
البعث الأسبوعية – محمد محمود
ليس ببعيد عن سوقهم الثابت وقريباً جداً من العبارة التي أصبحت مقراً لعملهم في آخر الكورنيش الشرقي مقابل حديقة الطلائع، أطلق حرفيو طرطوس معرضا سنويا جديدا لأعمالهم الحرفية، ليرفعوا من جديد راية الحفاظ على هوية المدينة، ويمنحوا محافظة طرطوس بصمة مميزة عبر أعمالهم ومنتجاتهم اليدوية.
المعرض الذي بدأ مع بداية شهر أيلول ضم مشغولات يدوية وفنية مختلفة من أطباق القش والفخاريات المتنوعة إلى الحلي، واللوحات الفنية التي تعبر عن هوية المدينة الفكرية والبصرية، وكذلك مجسمات السفن المستمدة من الحضارة الفينيقية، وشارك فيه أكثر من ثلاثون حرفيا، بأعمال مختلفة، لكنه في الوقت نفسه أثار تساؤلات مشروعة عن دور السوق الذي تم افتتاحه في المحافظة ووظيفته، خاصة أن السوق يقع في مكان مظلم وغير مجهز بالإضاءة المناسبة، وأن المعرض الحالي الذي يجاور السوق أيقظ مطالب الحرفيين بالعمل على تجهيز أسواق جديدة تكون أكثر فعالية، والترويج لأعمالهم ودعمها من الجهات المعنية.
مطالب محقة
الحرفيون المشاركون في المعرض أكدوا على أهمية المعارض المتنقلة لنقل إنتاج الحرفي والتعريف بأعماله عند أكبر شريحة ممكنة، لكنهم في الوقت نفسه تحدثوا عن تراجع دور السوق الذي تم افتتاحه منذ سنتين تقريبا، فهو ومنذ تأسيسه لم يكن بالشكل الذي تمناه الحرفيون وانتظروه، وتراجع حاليا دوره كثيرا بفعل الواقع الاقتصادي، ومكان السوق، وقلة الدعم الذي يحصل عليه، ورأت الحرفيتين روجيه إبراهيم (الحرير الطبيعي) وجمانة إبراهيم (أطباق القش) أن المعارض أمر ضروري ومطلوب أن تحصل بين فترة وأخرى، فهي تدعم الحرفي وتقدم إنتاجه للآخرين، لكن في الوقت نفسه فالسوق كذلك مكان هام نشارك من خلاله بلوحات وأعمال مختلفة فشرانق الحرير مثلا حرفة شارفت على الاندثار، ووجود سوق متخصص يقوم بدورات التأهيل والتدريب بين فترة وأخرى للحرفيين يساهم بنفض غبار الماضي عن هذه الحرفة والترويج لها بالشكل الذي تستحقه، فالمطلوب التوسع بهذه الأسواق وتجهيزها بالشكل الذي يستحقه الحرفي ويتمناه.
بصمات
من جهته رأى الحرفي فراس شلدح (مجسمات سفن) أن لمحافظة طرطوس خصوصية فريدة لجهة ما تتمتع به من مكونات وبصمات تراثية، وفي ظل تراجع الصناعات التقليدية، وقلة عدد العاملين بها فالمطلوب العمل دائما على إيجاد الطرق لإحيائها وحمايتها من الاندثار، فالحرفيون قاموا عبر سوقهم بإقامة الدورات التعليمية لمحبي هذه المهن، ولمن يودُّ اتخاذها وسيلةً للعيش، وبدأت أعدادهم تزداد من جديد، لكن الحاجة مستمرة لإيجاد طرق لترويج وتصريف منتجاتهم، سواء عبر إقامة المعارض المؤقتة أو تأهيل الأسواق وتحسن واقعها.
جزء من حلم
من جهته بين منذر رمضان عضو اتحاد الحرفيين أن إنجاز سوق الحرفيين كان جزءا من الحلم الذي حلم به حرفيو المحافظة، فتسعة عشر محلا لن تكون كافية بالتأكيد لأكثر من لخمسمائة حرفي وحرفية مسجلين لدى الاتحاد، ومحافظة تتمتع بخصوصية حرفية عالية لجهة ما فيها من تميز وإبداع، وحرف غنية ومتنوعة، والعبارة لم تعط النتائج المرجوة بسبب وجودها في مكان مظلم وغياب الدعم المباشر من كافة الجهات، لكنها كان نواة أولى لانطلاق أسواق متعددة على مستوى المحافظة وكان بعدها سوق بانياس، ومثل بارقة أمل جديدة للحرفيين لكن هذه الأسواق باتت اليوم بحاجة للكثير من الدعم فهي لم تعطى مجانا والآن يتم الحديث أن البلدية ستفرض رسوما على المشاركين بسوق بانياس، ونحن كانت مطالبتنا دائما أن تعطى تلك الأسواق بشكل شبه مجاني لأننا ندعم الحرف متناهية الصغر ونفسح المجال لتعليمها، ونحن أيضا نساهم في وقف الحرب التي تعمل على محو الذاكرة وطمس الهوية.
تعاون مطلوب
ورأى رمضان أن المطلوب اليوم العمل على انتشار الأسواق على مستوى جغرافية المحافظة وليس فقط المعارض مع أهميتها ودورها في نقل إنتاج الحرفي وتعريف الآخرين به والترويج لمنتجاته، أما السوق فهو معرض دائم، لكن أبناء القرى ومعظم من يعمل بتلك الحرف إن لم يجدوا مردودا من عملهم في السوق أيضا، وترويج فعلي لمنتجاتهم سيخسرون ويتراجعون عن اندفاعهم، وهنا يأتي التكامل بين المعارض والأسواق فالمعارض محاولة لدعم الحرفيين، والهدف من المعرض رسالة موجهة بشكل أو بآخر، مثل الشعار الذي أطلق على المعرض السنوي القائم حاليا وهو “يدا بيد نبني الوطن” فالوطن لا يمكن بناؤه بيد واحدة وبحاجة للشراكة دائما، وصحيح أننا نفتخر ونعتز بتاريخينا وحضارتنا، فكنا أول من قدم للعالم في مجالات كثيرة، لكن اليوم ليس المطلوب فقط الحفاظ على التراث بل التطوير في كافة المجالات، ودعم الحرفيين بكافة المجالات ومن كافة الجهات وعدم الرمي من جهة لأخرى والسعي وأن يكون لهم تعويض بشكل مباشر، واستيراد المواد الأولية وإعفائها بالحد الأدنى من الجمارك، والعمل على نشر الحضارة والتاريخ بالتعاون مع وزارتي الثقافة والسياحة كأن يتم العمل والتعاون مع الحرفيين لصناعة مجسمات في المناطق السياحية وغيرها من الأفكار الكثيرة التي تخدم العمل الحرفي وتنعش الصناعات التقليدية التي تمثل روح سورية وأصالتها.