ثقافةصحيفة البعث

الصليب المكسور.. استعادة الحقائق كما حصلت وليس كما رُوّج لها

لخَّص الفيلم الوثائقي “الصليب المكسور” الذي عُرض في دار الأسد للثقافة والفنون مقولة الشركة المنتجة والتي جاءت على لسان صاحبها المخرج نجدت أنزور في تصريحه لـ”البعث”: “لا يوجد ما هو أقسى وأشدّ مرارة على الفرد والمجتمع من اقتلاع الإنسان من أرضه وبيته وبيئته وذاكرته ومن كلّ ما يحيطه ويعتزّ به”، وهي لسان حال كلّ من شاهد الفيلم الذي سلّط الضوء على زاويةٍ معتمةٍ ومؤلمة من حياة السوريين في الحرب وهي تهجير المسيحيين من قراهِم وبلداتِهم وأديرتِهم في محافظةِ إدلب على أيدي العصابات الإرهابية المسلحة، وعلى رأسها ما يُسمّى “الحزب التركستاني” دون مراعاة أنهم يشكلون مكوّناً أساسياً من مكونات الشعب السوري، وقد ساهموا في بناء دعائمه وترسيخ بنيانه.

استعادة الحقائق

وكان المخرج نجدت أنزور قد بيَّن في كلمته التي ألقاها تمهيداً للعرض الخاص للفيلم أن 50.000 مسيحي سوري تمّ تهجيرهم من إدلب بعد أن كانوا يعيشونَ بسلام وحب ووئام عميق مشهود له مع مكونات المجتمع السوري: “وهذا ما ميّز الحضور المسيحي في سورية طيلة الألفي عام الماضية”، وأن الفيلم يروي بعضاً من حقائقِ المأساةِ السوريةِ بداية لاستعادة الحقائق كما حصلت وليس كما رُوّجَ لها ودون تحيّز بهدف تنوير الرأي العام بحقيقة الأحداث السورية التي دمّرت بلداً ووضعَت شعباً بأسرِه على طريقِ المجاعةِ والتهجير، وكذلك التصدي للمشروع التقسيمي الإرهابي التكفيري، فالفيلم برأيه بداية موفقة لطرح هذا الموضوع عالمياً، داعياً جميع الفنانين وكلّ من موقعه وأدواته وإمكانياته إلى التعبير عما حدث ويحدث في سورية لإيمانه بدور السينما وأهميتها في مرافقة البندقية في سبيل تحرير سورية من الإرهاب وجميع التنظيمات المسلحة المأجورة، وفي سعيه لنشر هذا الفيلم على أوسع نطاق نوه أنزور بأنه تواصل مع العديد من الشرفاء في أوروبا ونجح في تنظيم عرضٍ خاص للفيلم في هولندا بإشرافٍ ودعمٍ من اللجنةِ الوطنيةِ للمغتربين السوريين الذين قاموا بتنظيمِ عرضٍ ناجحٍ وبحضورٍ لافت، وسيعملُ حالياً على تنظيمِ عروضٍ أخرى في كلّ من ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وكندا.

وثائق حقيقية

وأشار د. كمال الجفا المحلّل السياسي والخبير الاستراتيجي وابن إدلب وصاحب فكرة الفيلم، وقد كان من القلائل الذين رصدوا وتابعوا ووثقوا كل تحركات الحزب الإسلامي التركستاني وحلفائه منذ الأيام الأولى للحرب، إلى أنه تمّ توثيق الأحداث التي جرت في إدلب من قبل أبنائها الشرفاء، ومنهم من دفع حياته ثمناً لوثائق أثمرت عدداً من الأفلام، ومنها فيلم “الصليب المكسور”. وأوضح الجفا أن السينما وسيلة مهمة في إيصال صوتنا إلى الخارج لأنها تعتمد على الصورة التي يجب أن تتناسب مع النص والهدف للوصول إلى الرأي العام، خصوصاً عندما يكون النص عبارة عن وثائق حقيقية، وأن ما قُدّم في “الصليب المكسور” هو جزئية صغيرة من جرائم ارتكبها أخطر تنظيم إرهابي عالمي وصل إلى سورية في العام 2011 وكان له الدور الرئيسي في كثير من المجازر التي ارتُكبت في مدن وقرى ريف إدلب.

البحث عن الحقيقة

ولم يخفِ يزن أنزور كمخرج فني للفيلم صعوبة العمل في هكذا أفلام ذات حساسية عالية والذي يشبه السير في حقل ألغام بهدف البحث عن الحقيقة ضمن وثائق كثيرة اختير منها ما يدعم فكرة الفيلم ورسالته التي يجب إيصالها إلى العالم بطريقة مقنعة، معتمداً من أجل ذلك في “الصليب المكسور”على أرشيف العديد من الأشخاص لعدم إمكانية الدخول إلى إدلب، موضحاً أنه كمخرج يميل إلى صنع أفلام تسلّط الضوء على الناس ومعاناتهم وعلى الجانب الإنساني، واعداً الجمهور أن أعماله القادمة ستكون على درجة عالية من الوطنية والجرأة بهدف البناء والسير نحو المستقبل بخطوات قوية.

تدمير وتخريب

ورأى البطريرك أفرام الثاني بطريرك السريان الأرثوذكس أن ما جاء في الفيلم ما هو إلا جزء صغير مما أحدثته التنظيمات المسلحة المأجورة من قبل الغرب المتوحش في إدلب والذين لم يعملوا فقط على تهجير المسيحيين، بل قاموا بتدمير وتخريب بلدنا وقتل الحياة في الإنسان السوري، مؤكداً أنهم لن ينجحوا في تحقيق أهدافهم لأن الإنسان السوري المتجذّر بأرضه وتاريخه سيشهد قيامته قريباً ليعود لبناء بلده لأن كل محاولات التنظيمات الإرهابية في قتله ستبوء بالفشل عاجلاً أم آجلاً.

في زمن الصمت

“في زمن الصمت يتحدث الفن” هكذا عبّرت د. ربا ميرزا عضو مجلس الشعب عن رأيها بفيلم “الصليب المكسور” الذي يكشف لنا المؤامرة الحقيقية التي شُنّت على بلادنا ومدنها ومنها مدينة إدلب التي كانت نموذجاً للعيش المشترك والسلام، وكان هدفها التغيير الديمغرافي والنسيج المجتمعي من خلال تهجير المسيحيين منها وهي التي كانت تضمّ أعرق الكنائس التي كان لها أثر كبير في التاريخ وعلم الآثار.

البقاء لزيتون هذه البلاد

كما تحدث د. غسان الشامي في كلمة له عن تاريخ إدلب العريق الذي لن تستطيع تنظيمات الإرهاب وميليشياته مهما تعدّدت أساليبها أن تمحوه، واسم الفيلم يرمز لآلام مسيحيي هذه المنطقة المنكوبة والتي ستتحول كما يقول إلى سراج يضيء هذه المدينة من جديد لإيمانه أن المحتل ومهما بقي فإنه سيرحل، والبقاء هو لزيتون هذه البلاد العظيمة التي ستنهض من جديد قوية منتصرة تعانق عنان السماء.

يُذكر أن فيلم “الصليب المكسور” من إنتاج مؤسسة أنزور للإنتاج الفني، إشراف عام نجدت أنزور، فكرة محمد كمال الجفا، نص محمود عبد الكريم، إخراج يزن أنزور.

أمينة عباس