اقتصادصحيفة البعث

ماذا قدم رجال المال والأعمال لوطنهم سورية؟

علي عبود 

لسنا من مؤيدي إقامة ملتقيات اقتصادية لرجال المال والأعمال السوريين، فقد كانت هذه الملتقيات على مدى الثلاثين عاماً الماضية مخيّبة للتوقعات وللآمال!

وقبل أن تخطّط الجهات الحكومية لإطلاق أي ملتقى جديد، عليها أن تجيب عن السؤال: ماذا قدّم رجال المال والأعمال لوطنهم سورية، سواء قبل عام 2011 أم في سنوات الحرب الإرهابية العالمية على سورية؟

ولا يُمكن أن تزعم هيئة الاستثمار السورية أنها لا تعرف الجواب، كما لا تجهل الإمكانات الهائلة لرجال المال والأعمال السوريين الذي رفضوا سابقاً، ويرفضون حالياً، استثمار ولو جزء صغير جداً منها في سورية.

يكفي أن نستعرض مشاريع رجال المال والأعمال السوريين في مصر وتركيا والإمارات كي نكتشف أنهم يجودون بأموالهم على الغير ويحجبونها عن وطنهم سورية، فلماذا؟!

لو أرادت هيئة الاستثمار السورية أن تحصد نتائج فعلية من الملتقى الاقتصادي الرابع التي انطلقت فعالياته يوم 11/ 9/ 2023 تحت عنوان (المال والأعمال) لسألت المشاركين في الملتقى: ماذا تنتظرون لضخ بعض ملياراتكم في مشاريع تدير عجلات الإنتاج وتعزّز الاقتصاد السوري مثلما فعل الكثير منكم بتعزيز وتقوية اقتصادات دول أخرى؟

ولعلّ السؤال الأكثر أهمية هو: لماذا مشاريع الاستثمار الخاص في سورية لا تنفّذ إلا بقروض من مصارف حكومية، في حين جميع مشاريع رجال المال والأعمال السوريين في الخارج تُنفذ من ملياراتهم الخاصة؟

وبما أن وزارة المالية تشارك بالملتقى الاقتصادي الرابع، فمن المهمّ أن تبدّد الهواجس والمخاوف التي تمنع رجال المال والأعمال السوريين من إعادة بعض ملياراتهم من الخارج لاستثمارها في سورية، بدلاً من استخدام أموال المودعين في أي استثمارات جديدة! وليس خافياً على أحد أن رجال المال والأعمال لا يحتفظون بأموالهم، ولا بأرباحهم، في المصارف السورية، ولا في خزائنهم الحديدية، فشغلهم الشاغل تحويلها إلى دولارات وتهريبها إلى الخارج عبر أقنية يُفترض أنها معروفة لدى الجهات المعنية، وتحديداً وزارة المالية!!

السؤال الذي يحتاج إلى إجابة واضحة من وزارتي المالية والاقتصاد: لماذا يضع رجال المال والأعمال السوريون ملياراتهم بالقطع الأجنبي في المصارف الخارجية، بدلاً عن المصارف السورية؟ ولو قام السوريون بإيداع الـ 40 مليار دولار في المصارف السورية بدلاً من إيداعها في المصارف اللبنانية، هل كانت الليرة السورية ستتراجع بنسب غير مسبوقة، وتتراجع معها القوة الشرائية لملايين السوريين إلى مستويات مرعبة؟

وإذا كانت هيئة الاستثمار السورية تسعى من خلال هذا الملتقى – حسب قول مديرها العام – “الوصول إلى جملة إجراءات وحلول فعّالة تساعد أصحاب رؤوس الأموال على توفير الظروف الملائمة لمتابعة أنشطتهم الخدمية والإنتاجية، والدخول في استثمارات جديدة لسدّ الاحتياجات الملحّة للسوق المحلية من سلع وخدمات أساسية بأقل تكلفة وبأسرع وقت ممكن”، فإن أقصر طريق لتحقيق هذه الأهداف قيام الهيئة بتنظيم ملتقى لرجال المال والأعمال الذين يستثمرون في مصر وتركيا والإمارات.. إلخ، كي تستفيد من خبراتهم وأموالهم عبر سؤالهم: ماذا تطلبون من الحكومة كي تنفذوا مشاريع جديدة في سورية؟

أليس ملفتاً، بل ومستفزاً، ألا يتردّد رجال المال والأعمال السوريون في إيداع ملياراتهم في مصارف الدول التي يستثمرون فيها، في حين يستمر نظراؤهم في سورية بتهريب المليارات إلى الخارج؟ سيجيب الكثيرون وبسرعة: رجال المال والأعمال لا يثقون بالمصارف السورية؟

إذا كان الأمر يتعلق فعلاً بالثقة فقط، وليس بأمور أخرى، كالتهرب الضريبي، والإثراء غير المشروع، فإن السوريين خسروا ودائعهم في لبنان (سويسرا الشرق)، والتي تتجاوز الـ 40 مليار دولار خلال أشهر، وبأساليب وقرارات من البنك المركزي اللبناني لم تخطر على بالهم، ولا يُمكن أن يلجأ إليها نظيره السوري!

تصوّروا أن رجال المال والأعمال اللبنانيين أسّسوا لشركات متعدّدة الأغراض استعداداً للمشاركة بمشاريع إعادة الإعمار في سورية، في حين نظراؤهم السوريون منشغلون بممارسة نفوذهم لاستجرار المزيد من القروض المصرفية بذريعة تنفيذ مشاريع استثمارية، لتحويلها إلى دولارات وتهريبها إلى الخارج، ليعيدوا تسديدها بأقل من قيمتها، لأنهم كانوا ولا يزالون المسبّب الرئيسي بإضعاف القوة الشرائية لليرة السورية!

وخلافاً لقول مدير هيئة الاستثمار بأن “من أهم العقبات والمشكلات التي تواجه المستثمرين في هذه الظروف هي نقص حوامل الطاقة، وصعوبة تأمين القطع اللازم لعمليات الاستيراد للمواد الأولية ووسائل الإنتاج”، فإن المستثمر – في حال كان جاداً – سيجد حلولاً لأي عقبات قائمة أو مستجدة، ولكن المشكلة أنه غير مهتمّ أساساً بالاستثمار في سورية إلا بمشاريع هشّة وسريعة الربح وبأموال الآخرين!

وما يؤكد عدم جدية رجال المال والأعمال، سواء المقيمين أم المهاجرين، عدم اهتمامهم بترميم معاملهم المتضرّرة ولا الإقلاع بمشاريعهم المتوقفة!!

الخلاصة: يُفترض بالجهات الحكومية أن تحصل خلال الملتقى الاقتصادي الرابع على الجواب الشافي لسؤالين مهمّين: الأول، ماذا قدّم رجال المال والأعمال لوطنهم سورية منذ عام 2011؟ والثاني، هل لدى رجال المال والأعمال استعداد جديّ للانخراط في مشاريع مهمّة مثلما يفعلون في الدول الأخرى؟