ثقافةصحيفة البعث

بسام طحان وفنّ الجماليات الزائلة بين الإنسانيات والثقافة

 ملده شويكاني

رقصة الفلامنكو الشهيرة القائمة على إيقاع خطوات سريعة متزامنة مع موسيقا الغيتار، جسدها الفنان د. بسام طحان المقيم في باريس بعمل فني مبني على أسس فنّ الحجارة، الذي يكوّن من خلاله تماثيل تقارب بجمالها المنحوتات المشكّلة من الخشب والمعدن.

لتلتقي مع الكثير من الحالات التعبيرية والمستمدة من روح الأسطورة، والتي شغلت حيزاً من الزمان والمكان مثل عمله الرشيق سورية الفتاة، وأوغاريت، وديانا ربة الصيد المركبة من حجر من نوع رسوبي، وفارس من مرجان البحر الأحمر، ودرويش والبحر، إضافة إلى الكثير من الإنسانيات مثل غزل مع الجاذبية وقبلة مسروقة.

كما استمد فكرة بعض أعماله من نحاتين عالميين.

أعشق الحجر

ومن شغفه بدأ حديثه لـ “البعث”: منذ صغري وأنا أعشق الحجر بأشكاله وألوانه،  ودرستُ تاريخ الفن وفلسفة الجمال، ولم يتوفر الوقت لديّ للنحت إلا منذ عشر سنوات، وجالستُ لؤي كيالي في حلب مدة ست سنوات  قبل انتقالي إلى فرنسا، وتعرفت إلى سعد يكن ووحيد مغاربة وعبد القادر بساطة في السبعينيات في حلب، ولي دراسات عن قطع خيال الظل في متحف حلب، تزامن ذلك مع فنّ الأرض الذي نشأ في القرن الماضي في السبعينيات، وله ممثلون عالميون من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وإيطاليا ودول أخرى، ويقوم على استخدام مواد طبيعية من أحجار نحتتها الطبيعة.

ولا تقتصر على الحجر وإنما يتناول ما نسميه بالأخشاب العائمة أو اليابسة والطحالب والأعشاب وكل ما نجده من مواد طبيعية في الأرض تدخل ضمن التكوينات، التي أرسمها في مخيلتي بداية ومن ثم أنفذها.

وأنوّه إلى أن استخدام الأحجار كان شائعاً جداً، إذ مال أصحابه إلى خلق اتزانات حرجة دقيقة في مجسماتهم على شواطئ البحار والأنهار والمرتفعات والسهول، لذلك كان تكوين الأحجار عند البعض من الفنانين يهدف إلى أشكال فيها اتزان يدفع إلى الإعجاب لصعوبته، لأنه لا توجد مواد لاصقة بين الأحجار، وإنما تقوم فقط على احترام قانون الجاذبية ومراكز الثقل.

وما حاولت أن أضيفه لفني هو تكديس أحجار لتماثيل ليس هدفها الأول دفع الناس إلى التساؤلات ” كيف تقف هذه التماثيل”؟ وإنما التعبير عن عواطف إنسانية بأشكال تجريدية أو تعبيرية بغية إظهار بعد جمالي فني، وليس لإظهار مهارات في رصف الحجر، وفيزياء المادة كما يظهر في العديد من الأعمال.

ثم توقفتُ معه حول الأماكن التي عرض فيها تماثيله، فأجاب: نصبتُ تماثيلي في بلدان عديدة على شاطئ البحر الأحمر، وفي جزر الكناري البركانية وقد استخدمتُ حجارة بركانية مختلفة عن الأحجار التي أستخدمها عادة، ومعظم أعمالي كانت موجودة على الشواطئ الأوروبية والفرنسية وخاصة منطقة بروتونيا على المحيط، لأستفيد من حركة المدّ والجزر، إذ تستعمر المياه التماثيل رويداً رويداً ومن ثم تعيدها إلى الأرض الأم.

مقاومة عوامل الطبيعة

وراودني سؤال  إلى أيّ مدى، تستطيع هذه الأعمال الفنية مقاومة عوامل الطبيعة؟

فعقب، أفكك الأعمال بعد التقاط الصور لتفادي الحوادث إن مرّ أحد من البشر أو الحيوانات، كون الأحجار لا لاصق لها وتقوم على دراسة التوازن والجاذبية ومحور الثقل وعدم الاحتكاك. وأحياناً يخلو العمل من الأحجار والمواد الطبيعية التي أستخدمها وتكون عناصره من الحبال أو سلاسل الحديد.

الجمال الزائل

فإلى الآن لم أقم بتشكيل تماثيل تقاوم العوامل الطبيعية، فهي ضرب من الجماليات الزائلة توثقها عدسة التصوير، والجمال الزائل يعني فلسفة قائمة بذاتها نجدها عند الفلاسفة والشعراء العرب القدامى والمحدثين، وقد قامت كوكبة من الرسامين والنحاتين باستيحاء العديد من أعمالي، من لوحات ومنحوتات وسيتم عرضها قريباً، منهم جيريمي لودو من فرنسا وغالب أبو علقة من فلسطين وباسمة العبيدي من العراق وإيليا الناري وسمير فؤاد لبيب من مصر، وعباس دهيني من لبنان، وبهجت داود من كندا وفنانة البورتريه العالمية أحلام كاسر تقلا، ومن سورية، لينا الخطيب وتغريد الشيباني وغيرهم.

 الصبر والتأمل

ما قادني إلى سؤال، لماذا لا تخصص متحفاً لصور أعمالك؟

فأجاب: هذه الأعمال مدرسة تعلم الصبر والتأمل، وتمنح كل إنسان حرية الإبداع ولذته، وهي سهلة لأن المواد تقدمها الطبيعة، وحالياً طلبت مني بعض المؤسسات تشييد بعض التماثيل في أيام الأعياد كنوع من الإنعاش الثقافي، ومتحفي سيضم آلاف الصور، لأنني خلال سبع سنوات قدمت مئات التماثيل، وبعض الصور حطمت أرقاماً قياسية في المشاهدة والاستحسان وانتشرت في أهم مواقع النحت العالمية، ونالت جوائز.

الخاتم

وعن أعماله الأخيرة: أنجزتُ على شاطئ سان مالو تمثال ناطور المياه وتجمع الناس حوله ليشاهدوا المدّ، يحيط به ثم يغرقه وقد قاوم المد يومين، كما أنجزتُ عملاً عاطفياً بعنوان الخاتم ويضم تمثالين لرجل وأنثى داخل حلقة دائرية تعبّر عن الخاتم والرابط المقدس.