دراساتصحيفة البعث

“ريزو انترناسيونال “: الصين وسورية نحو تحالف استراتيجي كبير

هيفاء علي 

استحوذت الزيارة التي يقوم بها السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة الأولى أسماء الأسد إلى الصين على اهتمام وسائل الإعلام الغربية والعربية على حد سواء، وتصدرت عناوين الصحف ونشرات الأخبار، ونشر العديد من المحللين الغربيين وجهة نظرهم حول هذا الحدث الكبير.

ونشرموقع “ريزو انترناسيونال” مقالاً لأستاذ الفلسفة والعلاقات الدولية، المتخصص في الجيوسياسة، من فرنسا، تحدث فيه عن سورية والدعم الكبير الذي قدمته الصين لها في الحرب الكونية الشرسة التي تعرضت لها على مدى 12 عاماً، والتي كان الهدف الأساس منها تدمير الدولة السورية ووضع التنظيمات الإرهابية على رأس السلطة.

ولفت الكاتب إلى أن “الديمقراطية و”الثورة” و”حقوق الإنسان”، وكل ذخيرة الفكر اليميني الغربي، وكل المصطلحات التي استخرجتها جحافل المكتتبين وراء شعوذة الإمبريالية، تم حشدها في خدمة دعاية هدف وحيد هو تبرير التدخل المتعدد الأوجه لما يسمى بـ “أصدقاء سورية”، وهي تسمية التحالف الدولي المصمم على تصفية الدولة السورية، إلى الرأي العام الغربي الذي لم يفهم شيئاً.

والنتيجة الرئيسية لهذا التدخل الهائل كانت عقداً من الحرب العبثية والقاتلة، حيث توافد مرتزقة من 120 جنسية إلى سورية، حالمين بإقامة “إمارة إسلامية” جديدة. ولم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى ثبت للعالم أجمع أن هذا التحالف المناهض لسورية كان مجرد نمر من ورق، لأن العديد من الدول رفضت هذه الصورة الرمزية الجديدة للاستعمار الغربي الجديد التي أعيد طلاؤها بألوان الديمقراطية وحقوق الإنسان،  وأن أول من فعل ذلك كان حلفاء سورية المخلصين: روسيا والصين وإيران، حيث كان التضامن الإيراني والروسي الركيزتين اللتين تمكنت الدولة السورية من الاعتماد عليهما في مواجهة تصاعد الارتزاق التكفيري.

وكانت المساهمة الصينية في الدفاع عن السيادة السورية كبيرة، وهذا الأمر ليس بغريب لأن العلاقات بين بكين ودمشق ليست جديدة، بل تعود إلى الخمسينيات حيث كانت سورية  في الأول من آب عام 1956، ثاني دولة عربية، بعد مصر، تعترف بجمهورية الصين الشعبية. وفي فترة الانقسام الصيني السوفييتي، توطدت العلاقات بين بكين ودمشق مرة أخرى في نهاية الستينيات، حيث أدى التجديد الدبلوماسي إلى أول اتفاقية لتوريد الأسلحة في عام 1969، وإقامة علاقات عسكرية رفيعة المستوى، وسرعان ما أعقبها اتفاق توريد الأسلحة، إضافة إلى المشاركة الصينية في قطاع المحروقات، ونمو التجارة بين البلدين، وفي عام 2010 أصبحت الصين المورد الرئيسي لسورية، بنسبة 7٪ من الإجمالي.

وأضاف غيغ أنه باعتبار سورية، دولة نامية وتتمتع بإمكانات كبيرة، وتشكل مفترق طرق استراتيجياً لطرق النفط والغاز، فمن الطبيعي أن تتعاون مع هذه القوة الآسيوية العظمى التي تتسم بنزعتها السلمية الحازمة، والتي لم تتنازل قط عن المبادئ التي تتمسك بها، وقد ذكر المسؤولون الصينيون ذلك باستمرار. والصين تدعم بحزم سورية في حماية سيادتها الوطنية وسلامة أراضيها، وتحسين الظروف المعيشية لشعبها، ورفض العقوبات الأحادية الجانب، وتخفيف الصعوبات الإنسانية، كما أنها تعارض بشدة أي محاولة لفرض تغيير نظام الحكم في سورية، وتدعمها بحزم في حربها ضد جميع القوى الإرهابية العالمية.

وأجرى المحلل مقارنة بسيطة بين الصين والغرب، لافتاً إلى أنه على الجانب الصيني، فإن سياسة الصين قائمة على الاحترام الدقيق لسيادة الدولة والقانون الدولي، رفض أي تدخل والإصرار على ضرورة الحل السوري للأزمة السورية.  والقلق الأساسي هو مصير السكان المدنيين والحاجة الملحة لإعادة الإعمار، والتزام الدولة السورية بمحاربة التطرف.  وأما على الجانب الغربي، فهناك التجاهل المطلق للقانون الدولي والتدخل المنهجي السافر في الشؤون الداخلية السورية، واللامبالاة بمصير السكان الذين أُخذوا كرهائن بسبب العقوبات الاقتصادية الإجرامية، والنفاق في الحرب ضد الإرهاب والتواطؤ مع المنظمات الإرهابية.

وقد اعتقد الغربيون أنهم سينجحون في ” إسقاط” الدولة السورية بسبب ما يسمى “الربيع العربي”، وتظاهر القادة الغربيون بتجاهل الشرعية التي تتمتع بها الحكومة السورية، واعتقدوا أن الجيش العربي السوري سوف يتفكك تحت تأثير عمليات الفرار الجماعي التي لم تحدث أبداً. لقد أعمتهم قراءتهم الاستشراقية للمجتمع السوري، وتظاهروا بالإيمان بأسطورة الشعب البطل الذي نهض ضد الحكومة السورية، في حين تم تعزيز شرعية القيادة السورية من خلال تصميمها على القتال ضد أعداء سورية.

ورغم أن قصر النظر المتعمد للنظرة الغربية إلى سورية حطم كل الأرقام القياسية، فقد أدرك الصينيون الطبيعة الحقيقية لتوازن القوى، وفي الغرب، أسكت الخيال الدعائي المنطق السليم البسيط.  وفي الصين، قال المنطق السليم لقادتها إن الدولة التي تقاوم بنجاح محاولة بهذا الحجم لزعزعة الاستقرار ليست على وشك الانهيار.  واتخذ الروس نفس المنطق، فتدخلوا عسكرياً لمساعدة حليفهم العربي، وخلال مناقشاتهم، لم يفشل المسؤولون الصينيون والسوريون أبداً في الإشارة إلى وجود عدة آلاف من المقاتلين من شينجيانغ في منطقة إدلب، حيث يقاتل فرع “الأويغور من تنظيم القاعدة- حركة تركستان الشرقية” من أجل استقلال شينجيانغ، وإقامة إمارة إسلامية على أساس الشريعة. هؤلاء المتطرفون المسؤولون عن الهجمات الدموية في الصين بين عامي 2009 و2014 ظهروا في سورية، وربما تم نقلهم عن طريق المخابرات التركية.

لقد اندلعت الحرب السورية، التي أرادتها واشنطن ولندن وباريس وأنقرة، بسبب الرغبة في الهيمنة الإمبريالية، وقد حشدت قوات متعصبة، قادمة من جماهير يمكن التلاعب بها، وقد أذهلتها الأيديولوجيا الوهابية إلى الدرجة الأخيرة.  لقد أدى هذا الصراع إلى إنتاج مختارات مثيرة للإعجاب من العار: الزعماء الغربيون الذين يزعمون أنهم يحاربون الإرهابيين في حين يزودونهم بالأسلحة بإسم حقوق الإنسان، وما يسمى بالدول الديمقراطية التي تفرض حظراً على الأدوية على السكان المدنيين المذنبين بعدم قتال حكومتهم.

ومن خلال استعادة السيادة الوطنية على معظم الأراضي التي سيطرت عليها التنظيمات الإرهابية، يكون الجيش العربي السوري الشجاع قد ضرب كل أولئك الذين حلموا باستبدال سورية بكوكبة من الكيانات الطائفية.  لقد دفع هذا الجيش الوطني، الذي افترت عليه الدعاية الغربية، ثمناً باهظاً لتحرير تراب الوطن، ولكن بانتصارها على المستوى العسكري، فإن سورية ذات السيادة لا تزال تعاني من ويلات الحصار الغربي.  ومن خلال التأكيد على مبدأ السيادة السورية، والتأكيد على حتمية إعادة الإعمار، والمطالبة بحزم بإنهاء العقوبات الاقتصادية، فإن السياسة الصينية تتبنى وجهة نظر معاكسة لهذه السياسة الغربية القاتلة.

لقد ساهمت الصين بنجاح في كسر عزلة سورية، والتزاماً منها بالقانون الدولي ومعارضتها لأي شكل من أشكال التدخل، فقد عارضت بشدة جميع المحاولات الرامية إلى نزع الشرعية عن الدولة السورية والإطاحة بحكومتها، وقد عززت هذه السياسة مقاومة الشعب السوري الذي قاتل بشراسة للدفاع عن سيادته.

لكن السياسة الصينية عملت أيضاً على التعجيل بالتحول نحو الشرق كمركز ثقل السياسة العالمية، ومع موسكو، حولت بكين ميزان القوى وزودت خصوم الإمبريالية بقاعدة خلفية صلبة.  إن أولئك الذين تصوروا أنهم قادرون على إخضاع الشرق الأوسط لطموحاتهم لم يعودوا أسياد اللعبة، ولم تظل الصين وفية لمبادئها فحسب، بل إنها أظهرت فطنة سياسية من خلال الاعتماد على مقاومة الشعب السوري، وغداً ستلقي بكل ثقلها على إعادة إدخال سورية في دوائر التجارة الدولية.