ثقافةصحيفة البعث

“أديبات لا يجدن سوى التّغزل بالحبيب أو رثائه”.. فكرة صحيحة أم خاطئة؟

نجوى صليبه 

لست مع تصنيف الأدب على أساس جنس كاتبه، ولا سيّما أنّ أحدهما يذكر بشكلٍ صريح ومباشر، بينما الآخر لا يقترب منه أحد، فمن منّا قرأ مصطلح “الأدب الذّكوري” أو “الرّجالي” في أي دراسة أدبية أو مقالة صحفية أو لقاء أدبي؟ حتّى الأديبات السّوريات المخضرمات والشّابات اللاتي يُتناولنّ بالنّقد اللاذع بحضورهنّ أو بغيابهنّ لم ينطقن هذا المصطلح أبداً، أو على الأقلّ لم يجاهرن به ويتبنينه أسوةً بأنصار المصطلح الأوّل.

وكما يصنّف البعض الأدب على أساس جنس كاتبه، يشير البعض الآخر بأصابع الاتّهام وربّما اليقين إلى أدبيات ـ فترة الحرب وما بعدها ـ لا يجدن سوى التّغزّل بالحبيب أو رثائه، أي أنّهنّ غير قادرات على تناول مواضيع سياسية أو وطنية أو اجتماعية، فهل حقاً هذا الاتّهام صحيح أم فيه من الكيد والحقد والانتقاص ما فيه؟ تقول القاصّة سوزان الصّعبي: “بداية لا أقبل لغة التّعميم في أي شيء، فما بالك بهذا العالم الجميل والمتعدد والمتجدد، عالم الأدب؟ مضيفةً: “نعم قد تقع الكاتبات في هذه الذّاتية المفرطة وفي الغزل ورثاء المحبوب، وقد يقع الكتّاب أيضاً في هذه الثّغرة ولاسيّما في بداية مشوارهم، وهذا يعود إلى تجربة كلّ واحد منهم، وكلّ واحدة منهن، ويجب أن نأخذ في الحسبان أسئلة كثيرة عندما نتكلّم عن تجربة كاتبة ما، ومنها: ما هو عمر هذه الكاتبة الحقيقي وعمرها الإبداعي؟ وكيف عاشت؟ وما هي بيئتها الاجتماعية؟ وما هي ظروفها ومستوى تعليمها؟ وماذا تقرأ؟ وبماذا تحلم؟ وما هو هدفها من الكتابة؟”.

وبالانتقال إلى القاصّات، تبيّن الصّعبي: “من خلال اطّلاعي على بعض التّجارب، أستطيع القول إنّ لدينا تجارب مهمّة لقاصّات سوريّات مشين بكلّ تصميمٍ وتفرّدٍ في دروبهنّ المميزة، وخرجن من عباءة المشاعر الذّاتية الضّيقة إلى العالم الرّحب والمليء بالقصص، وأعتقد أنّ المنافسة والتّحدّي ستضيف لهذا الفنّ الجميل الكثير من القصص الواقعية وكذلك الرّمزية، تحدّي الذّات أوّلاً، ومن ثمّ تحدّي الآخرين، وبعد سنوات طويلة من الحرب والمآسي التي جرّتها علينا، كتبت قاصّات سوريات أدباً من نوع مختلف، أوصلهنّ في أحيانٍ كثيرةٍ إلى نيل جوائز محلية وعربية، بل وعالمية أيضاً”.

بدورها، تقول الشّاعرة سمر تغلبي: “لديّ ديوانان وطنيان لم يطبعا، أمّا الدّواوين الوجدانية فقد طبعت!، ربّما الغزل في الشّعر صار نوعاً من الهروب في الفترة الأخيرة، مبيّنة: “على مرّ التّاريخ، استخدم الأدب الخطّ الرّومانسي للتّشويق ولجعل القارئ ينسجم مع الحكاية فتصله فكرتها الرّئيسة، لقد قرأتُ الكثير من القصص التي تتناول مواضيع إنسانية وتحديداً في الحرب، كذلك الأمر هناك روايات عن الحرب في سورية كتبتها إيمان شرباتي ـ على سبيل المثال ـ وفيها قدّمت توثيقاً جيّداً، والخطّ العاطفي فيها له هدف إنساني، كذلك كتبت رواية عن القضية الفلسطينية وأخرى عن وباء “كوفيد 19″ الفائزة بجائزة التّكافل الاجتماعي التي أقامها الدّكتور محمد الحوراني خلال فترة الحجر الصّحي، ولديها رواية عن الفساد أيضاَ، وفي كلّ رواية من رواياتها تعالج قضية اجتماعية معينة، لذلك فالكلام غير صحيح، وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّه عندما يقال عن رثاء الحبيب قد يكون الحبيب هو الشهيد، وتالياً تتحدّث القصيدة عن الحرب والوطن والتّضحية والنّاس الذين فرقتهم الحرب”.

وتضيف تغلبي: “يمكننا المقارنة من النّاحية الجمالية بين شاعر وشاعر، أو بين قصيدة وقصيدة، لكن لا يمكن المقارنة بين الشّعراء والشّاعرات، فالاختلافات فردية ولا علاقة لها بجنس الكاتب، وأمام احتساء الجمال لا فرق إن كان طاهيه ذكراً أم أنثى”.

في الحقيقة ينال الشّعر من هذا الاتّهام أو الفكرة أو لنقل النّقد النّصيب الأكبر، ولاسيّما الشّاعرات، ربّما بسبب كثرة مدّعي الشّعر من الجنسين، وكثرة المستسهلين والمصفقين لهم، يوضّح الشّاعر نعيم ميّا: “من الأهمية بمكان أن يُطرح هكذا أمر، حيث لم يعد الشّعر الذي نسمعه، اليوم، شبيهاً بما قرأناه وسمعناه فيما مضى، والأسئلة كثيرة خلف الأسباب وبين خفايا الإجابات تكمن الحقيقة التي لا يمكن أن تخفى على أحد، ومن  الصّعوبة بمكان الحديث، اليوم، عن الشّعر والشّعراء وتجاهل أهميّته وضرورته في التّاريخ العربي وكذا الأمر بالنّسبة لمقام ومكانة الشّاعر في المجتمع، والحديث يتشعّب”.

ويضيف ميّا: “بالحديث عن الشّاعرات، اليوم، لا بدّ من طرح السّؤال الأكثر أهميةً ألا وهو: هل الشّعر غزل ورثاء فقط؟ وهل هو كلام يحمل معنى وصورةً وعاطفةً ضمن سياق الجمل والتّراكيب المرصوفة، منطلقةً من مفردات قائمة على حروف ذات خصوصية في التّعبير عن الموضوع؟ إذ الجميع يعرف أنّ لكلّ حرف وظيفته ومؤدّاه كما له موسيقاه، ومن هنا أجد أنّه من الضّرورة أن نوضّح أهمية أن يعرف الشّاعر معنى ما يقول ولمَ اعتمد ذي المفردة والقافية دون غيرها.. من هنا يجب إعادة النّظر في المسموع من قبل البعض، ولا أرى ضيراً في التّعبير عن الحبّ والتّغزل أو الرّثاء بوسائل أخرى إن لم تسعفني وسيلة ما، فالتّعبير عن المشاعر الإنسانية غاية في النّبالة ولا أظنّ أنّ أحداً يخالف ذلك القول”.

ويختم ميّا بالقول: “إنّ عالم الشّعر أبعد بكثير ممّا يظنّه البعض، وحقيقته أوضح وأصعب كما هي أقرب وأبعد على السّاعي إليه، وهنا يجب التّمييز بين مَن يسعى إلى الشّعر ومَن الشّعر يسعى إليه”.