ثقافةصحيفة البعث

“في رواية أخرى”.. العرض الاستثناء

يلتقيان لأول مرة ككاتبة ومخرج ولكنهما يتشاركان حبهما للمسرح، فهما مهما ابتعدا عنه يعودان إليه محمّلَين بالشوق للقاء الجمهور المسرحي، لذلك كان من الطبيعي بعد افتتاح عرضهما المسرحي “في رواية أخرى”  كتابة لوتس مسعود، إخراج كفاح الخوص الذي يقدَّم على خشبة مسرح الحمراء بصدى طيب من قبل الجمهور المسرحي أن تكتب على صفحتها: “يوم للذاكرة، يوم للفرح، للانتشاء، للحب، ياريت لو كل يوم في مسرح، ياريت لو كل شي حوالينا متل حقيقة المسرح”.

امتحان حقيقي

لا يبدو عرض “في رواية أخرى” عرضاً عادياً بالنسبة للوتس مسعود على أكثر من صعيد، لكنه العرض الاستثناء بلا شك بعد تجربتين مسرحيتين أنجزتهما ككاتبة مع والدها الفنان غسان مسعود كمخرج:” كأنو مسرح” و”هوى غربي” وكان من الطبيعي بالنسبة لجمهور المسرح انتظار هذا العرض الذي أنجزته بالشراكة مع المخرج كفاح الخوص بعيداً عن والدها “الذي سيقيّم هذا العمل للمرة الأولى بين الحضور، وسأكون منتظرة رأيه بفارغ الصبر لأنه لا يجامل أبداً ويضع ملاحظاته وانتقاداته” لذلك لا نبالغ إن قلنا أنه امتحان حقيقي أرادت أن تخوضه مسعود وحدها هذه المرة لتختبر نفسها ككاتبة تقدم عملها بعيداً عن قيادة مخرج يعرفها وتعرفه جيداً وذلك بالشراكة مع مخرج تتعاون معه لأول مرة..تقول في تصريحها لـ “البعث”: “لم يسبق لي أن تعرفت على آراء كفاح الخوص ووجهات نظره، وهذا أتاح لي من خلال خوض التجربة معه أن أتعرف على آراء أشخاص قد لا يشبهوننا ولكن تتفق معهم للوصول إلى خيار يرضي الجميع في النهاية” مؤكدة أنها وإن كانت تشعر في كل مرة بمسؤولية كبيرة إلا أن هذه المسؤولية كانت مضاعفة في هذا العرض لأنها تتعاون لأول مرة مع مخرجه الخوص والذي بحكم وجوده كأستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية يولد انطباعاً أنه مخرج قاس بحكم تعامله مع الطلاب، إلا أن العلاقة بينهما ككاتبة ومخرج كانت قائمة برأيها على التعاون والمرونة في التعاطي والنقاش والحوار والاقتراحات بهدف الوصول إلى نتائج تصب في صالح العرض بعيداً عن أي تعنت أو تمسك بالآراء دون سبب،خاصة وأن كل واحد منهما لديه مرجعية درامية ومنطقية تجعله يعرف ماذا يريد، مشيرة إلى أنها كتبت النص عام 2020 وكان مناسباً لتلك المرحلة، وحين عرضته على المخرج أعجبه وتم العمل على النص ثانية ليواكب اللحظة الراهنة، لذلك خضع للإعداد أكثر من مرة ليبدو طازجاً للجمهور، وكانت كل شخصية من شخصياته بطلة في مكانها، وهذا لم يدفع أي ممثل لأن يقول “لا أريد أن أجسد هذه الشخصية” فلا دور ثانوي في النص، وكل الشخصيات أبطال برأيها وهذا ما حرصت عليه في أعمالها، منوهة إلى أن فكرة المسرحية تقوم على فرضية لو كانت هناك رواية أخرى لكل ما يجري من تفاصيل وقرارات وخيارات في الحياة عبر شخصيات  تتصارع من أجل تحقيق أهدافها من خلال قصة كاتب ذي أفكار قديمة تدفع شخصياته للتمرد عليه لتغير من مصائرها التي اختارها الكاتب لها والذي يعيش مشكلات وأزمات كثيرة في عمله ومع زوجته.

شراكة خلاقة

وأشار المخرج كفاح الخوص إلى أن ما أغراه في النص هو الفكرة التي كُتبت خارج الصندوق وتدور حول جيل الكاتبة ورؤيته لما يجري حوله وأن كاتبته عبّرت عن أفكارها بلغتها كشابة عاشت الحرب ولها وجهة نظر اتجاهها واتجاه الحب والخيانة، وقد كانت ذات ذهنية مفتوحة مرنة،لذلك قامت علاقتهما ككاتبة وكمخرج على الشراكة الخلاقة وإقامة ورشة عمل في الإعداد، معبّراً عن سعادته بالتعاون معها ومع فنانين شباب هم طلابه الذين شعر معهم على خشبة المسرح بالطمأنينة والثقة بهم وبإمكانياتهم إلى جانب وجود الفنانة أمانة والي التي كانت سنداً حقيقياً للجميع في العرض ووجود الفنانة وئام الخوص التي تشارك معه في العرض ويتشاركان كأخوة في حب المسرح، الأمر الذي جعله يشعر بالأمان طيلة العمل في المسرحية التي أنجزت بتعاون جماعي على صعيد الأفكار والاقتراحات، مبيناً أن نجاح العرض يؤكد أن الممثلين الشباب مجتهدون، وعندما يُمنحون الثقة وتُمدّ يد المساعدة لهم يتحملون المسؤولية، ولا شيء يصعب عليهم،دون أن ينفي أن العمل أُنجز بجهود كبيرة كغيره من الأعمال المسرحية، حيث العمل في المسرح مسؤولية كبيرة برأيه وكل مسرحيّ يجب أن يعرف كيف يخاطب الجمهور كما يجب أن يعرف ماذا يريد، ولمعرفة ذلك يحتاج الأمر برأي الخوص إلى وقت طويل لتتم بعد ذلك صياغة الأفكار والتعبير عنها بشكل غير مقحم، وإيماناً منه أن المسرح يجب أن يستمر بغضّ النظر عن الإمكانيات المتوفرة لأنه الفن الذي يجمع بين كل الفنون،دعا لاستقطاب الجيل الجديد الذي أغرته التكنولوجيا الحديثة إلى المسرح الذي يقدم المتعة والفائدة،مبيناً كمخرج أنه منذ البداية كان خياره فيما يخص الشكل الفني المزج بين الواقعية والغروتيسك الذي جاء في مكانه حيث كان المطلوب البقاء في المستوى الواقعي، وهذا يتطلب أداء متوهجاً كما يقدمه الممثلون في العرض والذين تم اختيارهم وفقاً لما تتطلبه كل شخصية من شخصياته، فبمجرد قراءته للنص وللشخصيات الموجودة فيه فرضت كل شخصية منها فناناً معيناً فوضِع كلّ فنان في مكانه، وكمخرج يؤدي الشخصية الرئيسية في العمل لم يخف كفاح الخوص  أن الجمع بين الإخراج والتمثيل متعب للغاية، وأن وجوده في المسرحية كممثل لم يكن عن سبق إصرار وإنما نتيجة ظرف طارئ وأنه بذل جهوداً كبيرة ليكون على الخشبة ممثلاً ومخرجاً، وأن وجود الفنانين الشباب منحه طاقة كبيرة للتغلب على ذلك وكانوا يملكون طاقة كبيرة والمطلوب برأيه استثمارها والعمل على مساعدتهم وعدم تنميطهم لأنهم يفكرون خارج ما هو تقليدي،

وعن سبب استمراره في العمل في المسرح رغم هجرة عدد كبير من الفنانين باتجاه التلفزيون أكد الخوص أن وجوده في المسرح له علاقة بالحياة التي يمنحها له من خلال المتعة التي يقدمها، لذلك لن يتوقف عن العمل في المسرح حتى في ظل الإمكانيات المحدودة لأن المسرح مقدس وهو متعته وشغفه ولا يبحث فيه عن المادة وإن كان يطمح إلى أن تتحسن الأجور.

يُذكر أن العرض من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا – المسرح القومي، ويقدم يومياً على خشبة مسرح الحمراء في السابعة مساء.

أمينة عباس