تحقيقاتصحيفة البعث

هل تصمد الامتحانات الكتابية في المدارس والجامعات أمام العصر الرقمي؟!

لا شك في أن قطاع التربية والتعليم من أكثر القطاعات التي تتأثر بالتطورات التكنولوجية، لذلك يسعى المعنيون في هذين القطاعين في كل دول العالم إلى مواكبة كل تطور وجديد في عصر العلوم الرقمية التي كل فترة تطالعنا بجديد، فشئنا أم أبينا بات أبناء هذا الجيل مشغولين بالعاب الفيديو وبأخبار مواقع التواصل الاجتماعية من خلال هاتف ذكي بحجم الكف، أو الكمبيوتر المحمول، وغير ذلك من التقنيات الحديثة المساعدة بشكل سلس ومرن على تلقي وحفظ المعلومات وتقديم المتعة والفائدة والتسلية معاً.

حكم العصر!
وفي ضوء ما سبق، بات جيل “الشباب الرقمي” – إن صح الوصف – لا يحبّذ الورقة والقلم في دراسته وامتحاناته المدرسية والجامعية، فهو يراهما عبئاً عليه رغم حاجتهما، لكن ما العمل؟ إنه حكم العصر الرقمي الذي كسر القيود وعبر الحدود من دون جواز سفر وجعل العالم بأكمله يستنفر لتعزيز الإيجابيات والتخفيف قدر الإمكان من الآثار السلبية الناتجة عن سوء استخدام التكنولوجيا الحديثة.

هل حان الوقت؟ 
ثمة أسئلة تطرح نفسها اليوم محلياً وعالمياً ولعل من أهمها: هل حان الوقت للتخلص من الكتب المدرسية والجامعية الورقية، وإلغاء الامتحانات الورقية؟!
يرى تربويون وأساتذة جامعيون أن الكتابة بخط اليد على الورق سوف تنكمش كثيراً جداً في المستقبل، سواء في الجامعة أو المدرسة، مع تطور التكنولوجيا، وخاصة فيما يتعلق بالامتحانات، مشيرين إلى وجود توجه عالمي أو خطة يعمل عليها العالم الذي يذهب باتجاه جعل الاختبارات الكتابية بالورقة والقلم شيئاً من الماضي خلال فترة قصيرة جداً لا تتعدى ثلاث سنوات، بل منهم من كان يتوقع أن تنتهي الامتحانات الكتابية مع نهاية العام الحالي، معولين في ذلك على جيل من المعلمين والطلبة الذين نشأوا في ظل العصر الرقمي.

هذا الفريق من المعلمين وأساتذة الجامعة يعتقدون لدرجة اليقين بأن التقييم الإلكتروني أكثر أمناً من التقييم الكتابي، عدا عن أنه سيحقق ميزة إضافية وهي وضع حد للأخطاء التي يرتكبها المصححون، مشيرين إلى حالات كثيرة من هذا النوع من الأخطاء القاتلة، والتي تنعكس سلباً على الطلبة، بمعنى أن التقييم في الامتحانات الإلكترونية أكثر عدلاً وإنصافا للطلبة من تصحيح الأوراق الامتحانية بالشكل التقليدي التي يخضع فيها التقييم لمزاجية الأستاذ، خاصة وأن هناك حالات ظلم كثيرة تعرض لها الطلبة، علماً أنهم يتقدمون بامتحانات جيدة جداً لكنهم حين صدور النتائج يتفاجأ الكثيرون منهم بالرسوب ويمنعون بحسب أنظمة الجامعة من إعادة تصحيح الورقة الامتحانية (فقط إعادة جمع العلامات!)، عدا عن أن التقييم الإلكتروني يقلل من التكلفة المادية المرتفعة التي تنفق سنوياً على التصحيح، والأهم أن النتائج تصدر بشكل سريع ودقيق.

التحدي كبير! 
كما أكد عدد من المعلمين وأساتذة الجامعة الذين التقيناهم أن الأمر ليس بهذه البساطة، وبرأيهم مهما تطورت التكنولوجيا لن تُفقد الامتحانات الكتابية حضورها بشكل كامل، حيث لن تستطيع التكنولوجيا إزاحة الورقة والقلم بشكل نهائي، ويعللون ذلك بأن البنية التحتية في المدارس والجامعات السورية لا تساعد حالياً في تبني التعليم الإلكتروني في الدراسة ولا حتى في الامتحان ليخرج بمستوى جيد، رغم ما شاهدناه من حالات ناجحة أيام وباء كورونا عبر عدة منصات، لكن يبقى الأمر بمثابة تحدٍ كبير تستلزم مواجهته إعداد جيل من المعلمين والفنيين لوضع آليات أو بنية تحتية إلكترونية تضمن نجاح العملية الامتحانية الإلكترونية في الأداء والتقييم، مؤكدين بذات الوقت أنه لا يمكن أن يكون الكتاب الإلكتروني بديلاً عن الكتاب التقليدي، وإن كان الكتاب الإلكتروني قد عزز وجوده خلال السنوات الأخيرة في العديد من المدارس والجامعات على مستوى العالم.

وللطلبة رأي! 
وبالرغم من إجماع الخبراء والتربويين على أن التعليم الإلكتروني بات يشكل بديلاً أساسياً ومنافساً قوياً للمناهج التعليمية التقليدية في ظل التطور المذهل للتكنولوجيا، لكن طلبة الجامعة يرون أن التعليم الإلكتروني جاء بدون تخطيط مسبق، وهذا ما يهدد نجاحه واستمراره، متسائلين: على أية مهارات سنراهن؟ في إشارة منهم إلى ضعف مهاراتهم، وكذلك مهارات وخبرات المعلمين في المدارس، والأساتذة في الجامعات الذين لا يمتلكون أو غير مُلمين بشكل جيد بخبرات التعليم عن بعد.. و”هذه حقائق نراها أمامنا”.
وبرأي الطلبة لن يكون الرهان صائباً على نجاح التعليم الإلكتروني طالما هناك صعوبات تتعلق بجودة الإنترنت، والأهم برأيهم هو عجز نسبة كبيرة من الطلبة عن تأمين أجهزة لوحية (لابتوب وآي باد) وتحديد ما يحتاجه ويريده كل من المعلمين والطلبة.

ثقافة التقييم! 
بالمختصر، في زمن التطور التكنولوجي المذهل وتطبيقات الذكاء الاصطناعي المخيفة، لم يعد هناك مستحيل، فكل الدول بدأت تعد العدة للتكيف مع هذه التكنولوجيا، وخاصة فيما يتعلق بالاستفادة منها في التربية والتعليم، ويتفق الجميع أن ذلك يحتاج لمقومات أساسية لا يمكن من دونها الولوج إلى الأمام وتحقيق النجاح وأهمها بلا شك توفير البنية التحتية الإلكترونية في المدارس والجامعات، وكافة المؤسسات التي تُعنى بالشأن التعليمي والتربوي، وحل كل المشكلات المتعلقة بصعوبة تأمين أجهزة الحاسب المحمول للطلبة في المدارس والجامعات.

ولا شك أن إعادة تأهيل وتدريب المعلمين على التكنولوجيا المتطورة، أمر هو الآخر من الأولويات، حتى يستطيع هؤلاء المعلمون العمل على تنمية مهارات التفكير العليا عند الطلبة، لذلك نحتاج إلى العمل على نشر ثقافة التقييم الالكتروني بين طلاب المدارس والجامعات أثناء الدراسة وفي الامتحان، وكذلك بين المعلمين وأساتذة الجامعة، وحتى بين العاملين في الإدارة التربوية والجامعية، بمعنى أن الكل يجب أن يكون مستعداً لذلك ومدركا لكل خطوة وأهميتها في هذا المجال، بما يضمن الوصول إلى بيئة إلكترونية رقمية متكاملة نخلق من خلالها الشغف الشغف عند الطلبة والمعلمين والأساتذة من أجل تحقيق أكبر قدر من الفائدة من عملية التعلم عن بعد.

غسان فطوم