دراساتصحيفة البعث

حروب الطبيعة الانتقامية … الكوارث البيئية ستحدد مستقبلنا!

سمر سامي السمارة

منذ ظهور الممالك الأولى وحتى وقت قريب، كان التاريخ عبارة عن قصة تتعلق بصعود وأفول القوى العظمى على كوكبنا، ولهذا يرى مراقبون أن تدهور الولايات المتحدة أو حتى انقسامها لن يكون أمراً خارجاً عن المألوف، ومع ذلك، هناك شيء جديد تماماً بشأن تراجع القرن الحادي والعشرين وسقوط تلك القوة العظمى الأخرى في عصر الحرب الباردة

بطريقة ما، قد يكون السيناريو الذي يعيشه الآن كل منا، بطريقته الخاصة، هو السيناريو الأقل شهرة على الإطلاق. فبعد تحول أفق مدينة نيويورك على سبيل المثال، إلى اللون البرتقالي بسبب الدخان المنبعث عن مئات الحرائق في الغابات المشتعلة في جميع أنحاء كندا والتي تحركت نحو مدينة نتويورك لم تعد هذه الكارثة خبراً، وذلك اعتباراً من 25 آب الماضي، أي بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر، بالرغم من أنه لا يزال هناك 1033 حريقاً نشطاً في الغابات يحرق هذا البلد، 656 منها “خارجة عن السيطرة”.

لكن الأمر المختلف اليوم هو أنه على الرغم من أن تلك السماء البرتقالية ربما كانت فوق أجزاء من شرق الولايات المتحدة، إلا أن ما يكمن وراءها لم يكن مجرد قصة أمريكية بالكامل، بل قصة انحدار وتدهور عالمية.

 حرب الطبيعة الانتقامية

تعد حرائق الغابات التي اجتاحت جزيرة ماوي إحدى جزر ولاية هاواي، في شهر آب الماضي الأكثر دموية منذ أكثر من قرن في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، لتتجاوز بذلك حريق المعسكر الذي اندلع في 8 تشرين الثاني عام 2018 في ولاية كاليفورنيا، فقد أدت حرائق الغابات في ماوي، إلى مقتل العشرات ودمرت الحرائق مدينة لاهاينا التاريخية، في الموجة الأكثر فتكاً في الولايات المتحدة.

كان المستغرب من نشوب مثل هذا الحريق، بحسب المؤلف الحائزة على جائزة بوليتزر إليزابيث كولبيرت، أن الحريق ببساطة لم يكن جزءاً من بيئة الجزر، لكن بصراحة، عندما يتعلق الأمر بالكوارث المناخية، لم يعد بإمكانك أن تقول “بعيد عن المقارنة” بشأن الكثير من الأمور بعد الآن.

لقد أدى تغير المناخ -الحرارة ونقص الرطوبة- إلى جعل المساحات الخضراء جافة إلى حد كبير في تلك الجزيرة، ما جعلها أكثر قابلية للاشتعال من أي وقت مضى،

ولا بد من الإشارة إلى  أنه منذ الخمسينيات من القرن الماضي، ارتفع متوسط درجة الحرارة في هاواي بحوالي درجتين وأصبح الصيف قاسياً بشكل متزايد من حيث الحرارة.

ومع ذلك، فإن الحريق الذي دمر لاهاينا -قضى على 2700 مبنى ببساطة – كان الأكثر دموية في الولايات المتحدة منذ أكثر من قرن، لكن من المتوقع بعد مرور مائة عام من الآن، في حال اندلاع حريق مروع آخر، لن يقول أحد إنه كان الأكثر دموية منذ “أكثر من قرن”، فمن الواضح أن الحرائق المروعة أكثر من أي وقت مضى هي الآن ستحدد مستقبلنا.

يرى خبراء المناخ أنه لم يعد المكان الذي تحدث فيه الكوارث هو الأمر الشاغل، إذ لا يهم ما إذا كنا الحديث عن هاواي أو إيران، أو الجزائر أو اليونان، أو الصين أو إسبانيا، أو فينيكس، أو أريزونا، أو جزيرة سردينيا، ففي جميع أنحاء الكوكب، تم تسجيل أرقام قياسية مرعبة للحرائق والفيضانات والحرارة، على الرغم من أنه في ظل هذه الظروف، ينبغي اعتبارها غير طبيعية بشكل واضح.

كان شهري حزيران وتموز الأكثر سخونة من تلك الأشهر على الإطلاق، ومن الواضح أن عام 2023 يندفع نحو سجل الحرارة العالمي، ومع ذلك، بعد عقد من الزمن، لن يظل أي شيء مما حدث هذا الصيف في الذاكرة، حيث إن الأزمة المستمرة التي يعيشها الكوكب لا تؤدي إلا إلى تحطيم المزيد من الأرقام القياسية وتفاقمها بشكل متزايد، وعندما يتعلق الأمر بالحرارة، من الواضح أن الكوكب كله تأثر.

لا يقتصر الأمر على اليابسة، وبحسب الدراسة  التي نشرتها دورية “أدفانسز إن أتموسفيريك ساينسز”، يقول بل ماكيبين مؤسس المنظمة البيئية: في الأعوام المائة والخمسين الماضية، جعلنا المحيطات تمتص في المتوسط حرارة تعادل قنبلة نووية بحجم التي أُلقيت على هيروشيما كل ثانية ونصف، وفي السنوات الأخيرة، أصبح معدل احترار المحيطات مساو لتفجير خمسة أو ستة قنابل نووية في الثانية الواحدة.

في سياق آخر، أظهرت الوقائع أن الحروب كانت ولا زالت جحيماً على الأرض، ومع ذلك، فإن حروب الطبيعة الانتقامية على الإنسانية أصبحت أكثر ضراوة.

ومع ذلك، تظهر هذه الحروب المستمرة أن الدول الكبرى غير قادرة بشكل ملحوظ على التركيز على ما هو جديد ومرعب حقاً بشأن الحياة على هذا الكوكب.

الحقيقة، لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك ترسانة نووية ضخمة، وتخطط  وهي صاحبة ثاني أكبر ترسانة نووية على هذا الكوكب، لتخصيص ما يصل إلى 2 تريليون دولار من أجل “تحديث” هذه الترسانة على مدى العقود الثلاثة المقبلة.

بطبيعة الحال، منذ الثورة الصناعية فصاعداً، ومن خلال حرق الوقود الأحفوري وإطلاق كميات متزايدة من الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، أصبح العالم يستعد عاماً بعد عام  لنوع مختلف من نهاية العالم، الآن. وفي هذه الأيام، وبفضل ذلك، من المحتمل أن نعيش جميعاً في لاهانيا بطريقة ما.

على مدار الأعوام الاثنين والعشرين الماضية، كانت الولايات المتحدة تخوض ما يسمى بحرب عالمية ضد الإرهاب، والتي كانت بمثابة كارثة من الدرجة الأولى، فمن أفغانستان إلى العراق، ومن باكستان إلى النيجر دفع الملايين من الأبرياء حياتهم. كما ذهبت أموال دافعي الضرائب وميزانيات البنتاغون وميزانيات الأمن القومي لتمويل تلك “الحروب” المتزايدة باستمرار، وفي الوقت نفسه، تفاقمت هذه الحروب ببساطة دون تعبئة كبيرة بما يكفي للتعامل معها بشكل حقيقي، لذا لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أنه في عام 2023، ستدخل أكبر كمية من الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي على الإطلاق.

في مثل هذا السياق، يمكن للمرء أن يتخيل أن البشرية سوف تلتف حول الراية الخضراء لكوكب لائق بيئياً، ومع ذلك فإن تلك الأموال التي تتدفق على البنتاغون تذهب إلى تطوير أشياء مثل الطائرات بدون طيار التي يديرها الذكاء الاصطناعي لحرب محتملة في المستقبل مع الصين على جزيرة تايوان، الأمر الذي يكفل أن أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة تاريخياً -الولايات المتحدة- وأكبر دولة في الوقت الحاضر –الصين- لن يتحالفا بأي طريقة ذات معنى لمواجهة الحرب الحقيقة التي  تواجه الإنسانية. وبعبارة أخرى، فإن ما يسمى بالحرب العالمية على الإرهاب تلك، التي أشعلتها الولايات المتحدة سوف تزداد حدة.

في الواقع، يطلق الجيش الأمريكي كميات من ثاني أكسيد الكربون أكبر من تلك التي تطلقها دول بأكملها، وهو أكبر مصدر على مستوى العالم في انبعاث الغازات المسببة للإحتباس الحراري العالمي.

يتساءل مراقبون، ماذا سيقول أي من هؤلاء الرؤساء التنفيذيين العاملين في مجال الوقود الأحفوري لأحفادهم؟