مجلة البعث الأسبوعية

اقتصاد الصين يتفوق على جميع الاقتصادات الرئيسية الأخرى

البعث الأسبوعية- عناية ناصر

إن نشر البيانات الخاصة بجميع الاقتصادات الكبرى للربع الثاني من عام 2023، تجعل من الممكن إجراء مقارنة منهجية للأداء الاقتصادي للصين مع جميع الدول الرئيسية الأخرى. وهذا ما يكشف عن حقيقتين رئيسيتين: أولاً، تفوقت الصين منذ بداية الوباء على كل الاقتصادات الرئيسية الأخرى وبهوامش ضخمة في معظم الحالات . ثانياً، أطلقت الولايات المتحدة حملة دعائية صريحة في محاولة لإخفاء هذه الحقيقة. ولذلك، هناك سؤالان رئيسيان بحاجة إلى إجابة، أولاً، ما هي الاتجاهات الواقعية في الاقتصاد العالمي؟ ثانياً، لماذا قررت الولايات المتحدة شن حملة تزييف ممنهجة؟

 

نمو الصين مقارنة بالاقتصادات الكبرى الأخرى

بدءاً بالحقائق التي تغطي فترة الوباء وتداعياته، في السنوات الأربع الماضية، وحتى أحدث البيانات المتوفرة للربع الثاني من عام 2023، نما الاقتصاد الصيني بإجمالي 19.2 في المائة، أي بمعدل أسرع مرتين ونصف من اقتصاد الولايات المتحدة، وأربع مرات أسرع من اقتصاد كندا، و13 مرة أسرع من اقتصاد إيطاليا، و15 مرة أسرع من اقتصاد فرنسا، و24 مرة أسرع من اقتصاد اليابان، و38 مرة أسرع من اقتصاد ألمانيا، و64 مرة أسرع من اقتصاد المملكة المتحدة.

وبالتالي فإن أداء الصين المتفوق على الاقتصادات الكبرى الأخرى يصبح أعظم إذا ما قيس بنمو نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي، فمن خلال إلقاء نظرة على الاقتصادات الأخرى الأسرع نمواً، نجد أن الزيادة السنوية في نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في الصين بلغت 4.4%، مقارنة بنحو 2.5% في الهند و1.3% في الولايات المتحدة. وكان نمو نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في الهند لا يتجاوز 56 في المائة من نظيره في الصين، وكان نمو نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في الصين أسرع بثلاثة أضعاف من نظيره في الولايات المتحدة. وبالتالي فإن بيانات نصيب الفرد تظهر بقوة أكبر تفوق الصين على أي اقتصاد رئيسي آخر ليس فقط من حيث النمو الإجمالي بل وأيضاً في الإنتاجية والقدرة على زيادة رفاهية مواطنيها.

إضافة إلى ذلك، تظهر الحقائق أن الصين تتفوق في الأداء على كل الاقتصادات الرئيسية الأخرى، ليس بكميات صغيرة بل بهوامش ضخمة، وبناء على ذلك فإن أي مناقشة موضوعية للوضع الاقتصادي الدولي سوف تناقش أسئلة مثل لماذا ينمو اقتصاد الصين بسرعة أكبر كثيراً من كل الاقتصادات الكبرى الأخرى؟.

ورغم هذا التطور الهائل للاقتصاد الصيني إلا أنه من المستحيل اعتراف الولايات المتحدة بحقائق الاقتصاد العالمي، فهذا يعني الاعتراف بأن اقتصاداً آخر يتفوق عليها بشكل كبير، وهو ما يظهر تفوق الاشتراكية على الرأسمالية، ولذلك، شنت الولايات المتحدة حملة ممنهجة لإنكار الواقع والحقائق. لقد بلغ الانفصال عن الواقع في أعلى قمة الهرم السياسي في الولايات المتحدة مستوى غريباً. على سبيل المثال، ادعى الرئيس بايدن مؤخراً أن النمو الاقتصادي في الصين بلغ “حوالي 2 بالمائة” عندما كان 5.5 بالمائة في النصف الأول من هذا العام، وذكر أن “عدد الأشخاص في الصين الذين هم في سن التقاعد أكبر من عدد الأشخاص في سن العمل”، وهذا غير صحيح تماماً، فهذا الرقم الذي ادعى أنه حقيقي مخالف بمئات الملايين، وادعى أن الاقتصاد الصيني يشكل “قنبلة موقوتة” ، في حين أن الولايات المتحدة، وليس الصين، هي التي عانت هذا العام من اثنين من أكبر ثلاثة انهيارات بنوك في تاريخها.

 

حملة الأخبار الاقتصادية الأمريكية المزيفة

إلى جانب تصريحات شخصيات سياسية، تنشر وسائل الإعلام الأمريكية، مثل صحيفة” نيويورك تايمز”، مقالات تحمل عناوين مثل “كيف ندير انحدار الصين”؟.

تُعرف طريقة التجاهل التام للحقائق والواقع بشكل كلاسيكي باسم “الكذبة الكبرى”، وهي وصف دقيق للأساليب التي استخدمها وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر وألمانيا النازية جوزيف غوبلز، على الرغم من أنه لم يخترع هذه العبارة. ووفقاً لذلك إذا تم تكرار الكذبة من قبل وسائل الإعلام القوية أو أجهزة الدولة، وعلى الرغم من كونها كذبة، فقد يعتقد عدد كبير من الناس أنها صحيحة بسبب عدد المرات التي تكررت فيها، ووسائل الإعلام التي تظهر فيها.

إن أهداف الولايات المتحدة من نشر مثل هذه الأكاذيب والتي بعضها واضح هو محاولة ثني الشركات الأجنبية عن الاستثمار في الصين ومحاولة نشر شائعات محبطة، ولكن هناك هدف آخر أكثر عمقا وخطورة.

توضح الحقائق أن أداء الاقتصاد الصيني يتفوق على اقتصاد الولايات المتحدة بكثير، حيث تم تحديد الهدف في المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني على أنه الوصول إلى مستوى “دولة متوسطة النمو بحلول عام 2035”. وفي مناقشة عام 2020 حول الخطة الخمسية الرابعة عشرة، تم التوصل إلى أنه بحلول عام 2035 بالنسبة للصين: “من الممكن تماماً مضاعفة إجمالي الدخل أو نصيب الفرد من الدخل”.

في المقابل، يبلغ متوسط النمو السنوي في الولايات المتحدة على المدى الطويل 2% فقط، وتعني معدلات النمو النسبية هذه أنه بحلول عام 2035 سيزداد حجم الاقتصاد الصيني بنسبة 100% والولايات المتحدة بنسبة 35% فقط . وبما أن الولايات المتحدة تنظر إلى العلاقات الدولية باعتبارها لعبة محصلتها صفر، وهدفها فيها هو الاحتفاظ بهيمنتها، فإن معدلات النمو النسبية هذه تعتبر كارثة. ترى الولايات المتحدة أنه من الضروري إبطاء نمو الصين ومنعها من تحقيق أهدافها لعام 2035.

وتوضح البيانات المقدمة بالفعل كيف يمكن تحقيق ذلك، حيث إن النمو الأبطأ بكثير لاقتصادات الغرب مقارنة بالصين يعني أنه إذا أمكن نقل الصين إلى النموذج الرأسمالي الغربي، مع نسبة أعلى بكثير من الاستهلاك في الناتج المحلي الإجمالي، فإن اقتصاد الصين لن ينمو بشكل أسرع من أي اقتصاد غربي آخر. وبما أن الزيادات في مستويات الاستهلاك والمعيشة ترتبط ارتباطاً وثيقاً للغاية بالنمو الاقتصادي، فإذا أمكن تباطؤ الاقتصاد الصيني بهذه الطريقة، فإن مستويات المعيشة في الصين سوف تكون أيضاً أقل من أهدافها. ولكن من المستحيل أن تقدم الولايات المتحدة حجة علنية مفادها أن “يجب أن تبطىء الصين نموها إلى معدل نمو الاقتصاد الغربي”، حيث لن يأخذ أحد مثل هذا الاقتراح المدمر على محمل الجد. لذا، يتعين على الولايات المتحدة بدلاً من ذلك أن تحاول إخفاء الوضع الحقيقي من أجل تقديم ادعاء كاذب بأن الصين تنمو بشكل أبطأ من الاقتصادات الغربية . وإذا كان من الممكن تصديق هذه الكذبة، فمن الممكن تقديم حجة مفادها أن الصين لابد أن تتحرك نحو النموذج الغربي حتى يتسنى لاقتصادها أن ينمو بسرعة أكبر. ولكن لإضفاء المصداقية على هذا الادعاء، فلابد أولاً من تصديق الكذبة القائلة بأن الاقتصادات الغربية تتفوق على الصين في النمو، ولهذا السبب يجب نشر المعلومات الكاذبة.