مجلة البعث الأسبوعية

اللغة العربية في الصين.. عبد الرحمن ناجون وسلامة عبد بين التأسيس والتمكين

“البعث الأسبوعية” – تمّام بركات

طريق الحرير، الذي عبدته السياسة والاقتصاد بشكل رئيسي، لم يكن لينشأ أساساً لو لم تلعب اللغة الدور الأبرز فيه.. اللغة، كحامل معرفي وثقافي أولاً، تُعبر وتُخبر عن حال أهلها وطبائعهم، وتنقل شيئاً مهماً من ثقافتهم وعلومهم إلى الأمم الأخرى؛ والعربية كانت من تلك اللغات التي عبرت أيضاً هذا الطريق العظيم، ووصلت إلى الصين، فكانت أول بعثة أرسلت من قبل الإمبراطورية العربية إلى الصين في سنة 651 ميلادية، أي في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وتلتها بعثات عديدة لم تنقطع لمئات السنين. وقبلها كان التجار العرب قد دخلوا بلاد الصين عبر طريقي الحرير البحري والبري، وبقي عدد منهم فيها وتزاوجوا مع أبنائها، ولا يمكن إغفال الدور المهم للحروب أيضاً في وصول لغة الضاد، إلى تلك البلاد البعيدة، فالغزوات المغولية للمنطقة العربية في غربي آسيا، كان من نتائجها وقوع العديد من العرب بمختلف أعمالهم ومصالحهم في الأسر، منهم لغويون وفنانون، وأصحاب حرف حية في وقتها، فأقاموا في الصين متفرقين في مختلف أنحائها، وعاشوا هناك، أسسوا أسراً وعائلات، وهذا أيضاً عزز حضور اللغة العربية، لكن تعليمها هناك، بقي مقتصراً على الجوامع بشكل رئيسي، وهذا جعل نطاق اللغة ضيقاً أمام الكثر من الراغبين بتعلمها، ولو لهدف العمل أو التجارة فقط.

الصين ليست حضارة تخشى على نفسها الاضمحلال، وتدرك في أسها، أن الاختلاف إثراء وفرادة أيضاً، لذا قررت أن تٌدرس اللغة العربية في جامعاتها، وفي عام 1946، أنشئ تخصص اللغة العربية لأول مرة في الجامعة الصينية، وتم إنشاء شعبة اللغة العربية في قسم اللغات الشرقية، وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، وتمشياً مع تطور العلاقات السياسية بين الصين الشعبية والدول العربية، أنشأت الحكومة الصينية تخصص اللغة العربية في جامعات ومعاهد عديدة، منها معهد الشؤون الدبلوماسية (انضم قسم اللغة العربية بالمعهد إلى جامعة الدراسات الأجنبية في بكين لاحقاً)، وجامعة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وجامعة الدراسات الأجنبية ببكين، والمعهد العسكري للغات الأجنبية بلويانغ، ومعهد العلوم الإسلامية الصيني، وجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، ومعهد اللغات ببكين، والمعهد الثاني للغات الأجنبية ببكين.

إلا أن العّراب الحقيقي لهذه الخطة العظيمة، هو الأستاذ السوري عبد الرحمن ناجون، الذي بدأ بتعليم اللغة العربية في الجامعة الصينية عام 1943، بعد تخرجه من جامعة الأزهر حاملاً شهادة العالِمية – أستاذاً في الجامعة المركزية (جامعة نانكينغ اليوم)، فألقى دروس اللغة العربية للطلاب كمادة اختيارية مستخدماً الكتب المنهجية التي ألفها بنفسه، كما ألقى محاضرات حول التاريخ العربي والثقافة العربية الإسلامية على نطاق الجامعة.

وإذ نصف ناجون بالعّراب، أو الأب الروحي للغة العربية في الصين، فهذا لأن ما فعله من تلقاء نفسه، ومن محبته للغته الأم، أسس أو وضع تعليم اللغة العربية على الطريق الصحيح في البلاد، التي لم يحل سورها العظيم، عبر التاريخ، دون العلوم والفنون والآداب، وكان من عظيم فعله أن قامت الصين الشعبية بعد تأسيسها، عام 1949، وتماشياً مع تطور العلاقات السياسية بين الصين الشعبية والدول العربية، بإنشاء تخصص اللغة العربية في جامعات ومعاهد عديدة، منها معهد الشؤون الدبلوماسية (انضم قسم اللغة العربية بالمعهد إلى جامعة الدراسات الأجنبية ببكين لاحقاً)، وجامعة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وجامعة الدراسات الأجنبية ببكين، والمعهد العسكري للغات الأجنبية بلويانغ، ومعهد العلوم الإسلامية الصيني، وجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، ومعهد اللغات ببكين، والمعهد الثاني للغات الأجنبية ببكين، وتم الاستعانة بالأستاذ السوري محمد مكين، وهو من زملاء وطلاب عبد الرحمن ناجون، لإنشاء شعبة اللغة العربية في قسم اللغات الشرقية بالجامعة، وقبلت دفعات أولى من الشبان الصينيين – مسلمين وغير مسلمين – لدراسة اللغة العربية كتخصص. وقد صار هؤلاء الطلاب بعد تخرجهم كوادر أو علماء أو أساتذة وساهموا مساهمة كبيرة في إقامة العلاقات بين الصين الجديدة وبين الدول العربية وفي تعريف الصينيين بالثقافة العربية الإسلامية.

اللغة العربية لغة علم، لذا فهي لغة منهجية، وهذا يعني أن لها معاجم وقواميس تضبط المعاني، وتدقق الاشتقاقات لمعرفة الفروق، ففي لغة يمكن أن يكون فيها للشيء الواحد أكثر من 20 اسماً، وكل اسم مرتبط بمعنى دقيق جداً، لا بد من العمل على ضبط السياقات الخاصة بهذه المفردات، عن طريق ضبط معناها، كما أن وضعها في قاموس للمفردات باللغة الصينية، ليس عملاً سهلاً، بل إنه من الأعمال التي توصف أيضاً بالعظيمة، كون القاموس يحافظ على المعنى، ويضبط التصويت الحرفي، فهو بذلك يحفظ اللغة نفسها.

تصدى لهذه المهمة الجسيمة أيضاً في طبيعتها، الشاعر والروائي سلامة عبد (السويداء 1921)، الذي قام بتأليف القاموس “الصيني العربي الكبير” وهو الأول من نوعه في العالم، كما أنه أنجز قواميس كثيرة منها (القاموس المبوب) وهو قاموس صيني عربي يحتوي أكثر من عشرين فصلاً خصص كل واحد منها لحقل معين من الكلمات واستغرقت كتابته عشر سنوات ثم (قاموس الأمثال الصينية) مع شرحها وما قد يقابلها في العربية كما وثق أحداث الثورة السورية الكبرى في كتاب يعد مرجعاً مهماً فضلاً عن توثيقه للأمثال الشعبية.

سلامة عبيد شاعر ومؤرخ وروائي ومترجم اهتم بالفنون والآثار والبيئة والمسرح وبالحركة الكشفية إضافة إلى كتابته لأدب الأطفال سافر إلى الصين لتدريس اللغة العربية وكان له دور كبير في إنشاء قسم اللغة العربية بكلية اللغات الشرقية في بكين.

اللقاء الحواري الذي أقامته جامعة بكين المرموقة، واستضافت فيه السيدة الأولى أسماء الأسد، كان من بعض مداخله، ما ذكرته السيدة الأولى عن دور كل من الأستاذين السوريين عبد الرحمن ناجون وسلامة عبد، في جعل اللغة العربية فرعاً علمياً للدراسة الجامعية، وفي هذا رسالة توصلها هذه السيدة الأولى، ومن موقعها أيضاً الاجتماعي والإنساني، عن الخير الذي يحمله السوري أين حل، وكيف أنه فعله يكون خيراً على تلك البلاد، وفيه أيضاً حرصه على مكتسباته الفكرية وثقافته الأصيلة، التي تصبح أيضاً وبشكل لا شعوري، مدرسة وطريقاً معبداً للسالكين.