مجلة البعث الأسبوعية

من السّينما الصّينية.. “المنوّم المغناطيسي العظيم”

البعث الأسبوعية- نجوى صليبه

يبدأ الطّبيب النّفسي “شو” وأستاذ التّنويم المغاطيسي درسه في الجامعة، بعرض مقطع تصوير سجّله لإحدى مريضاته، ويبيّن لطلّابه كيف يتمّ التّنويم المغاطيسي للمريض، ومن ثّم علاجه، مبيّناً أنّ التّنويم المغناطيسي هو أفضل علاج لأنّه يسمح للإنسان بأن ينسى ويفقد السّيطرة والتّحكم على ذاته، فيبوح بكلّ مشكلاته وأحاسيسه من دون أن يحسب حساباً لأي شيء، معرّجاً على مسألة مهمّة تستخدم في الإعلانات سمّاها “اقتراح الاستيقاظ من الإعلانات”، ما يثير اهتمام الطّلاب ويشدّهم أكثر ويزيد من تفاعلهم، ويشجّعهم على طرح الأسئلة، وبسؤال إحدى الطّالبات عن خطورة هذه الطّريقة وكيف يمكن للإنسان أن يكون آمناً خلال الجلسة، يجيب “شو”: “ها أنت منوّمة وحولك عشرات الطّلاب، ألست آمنة؟”، في إشارة منه إلى أنّه سبق ونوّمهم مغناطيسياً من دون أن يشعروا بذلك، مضيفاً في ختام محاضرته عبارته التي يرددها دائماً: “لا أهتمّ بأي طريقة أعالج المرضى، المهم أنّي أعالجهم”.

وبانتهاء محاضرته، ينتبه “شو” إلى البروفسور “فانغ” التي كانت تدرّسه سابقاً، وتعبّر عن سعادتها برؤيته، وتبدي عدم استغرابها من أنّه ما يزال كما كان أيّام الجامعة، بالانفعال ذاته والاندفاع ذاته والذّكاء ذاته، لذلك تطلب منه أن يتابع حالة مريضة اسمها “رين شياويان” عجز الأطباء النّفسيون السّابقون الذين قصدتهم عن علاجها، وبسؤاله عن نوع المرض، أجابت البروفسور: “تقول إنّها تستطيع رؤية الموتى”.

يخرج “شو” ويصعد سيارته ويضع حقيبته على المقعد المجاور، لكنّه ينتبه إلى أنّ البروفسور ستصعد معه وتجلس على الكرسي نفسه، فيغيّر مكان الحقيبة، وعندما تسأله عن موعد قريب للمريضة، يجيبها بالقول: “يوجد مطعم قريب من هنا، يمكننا الذّهاب إليه سيراً”، وهذا ما يحصل فعلاً.

في مساء اليوم التّالي، وبعد انتهاء مواعيده الأربعة، واستعداده للخروج من عيادته، تدخل السّكرتيرة وتخبره بوجود مريضة أخرى هي “رين”.. يناديها لكنّها لا تردّ عليه، فيخرج إليها، ويراها واقفة مقابل السّاعة الجدراية.. يطلب منها الدّخول، لكنّها تفاجئه بالقول: “مشكلتها أنّها بطيئة”، فتوقف السّاعة وتستدير إليه وتبدأ جلسة العلاج النّفسي.

في البداية، يتّهمها بالكذب بشأن بعض القضايا، ثمّ يقتنع شيئاً فشيئاً بما تقوله، ولا سيّما بعد أن تخبره بأنّ لديه خوف ورعب من الماء، ثمّ تسرد له قصّة تؤرقه وتشغل تفكيره، وتصف له ما حدث بعد السّهرة التي قضاها وحبيبته وصديقه وحبيبته في أحد المقاهي منذ سنوات، إذ خرجوا معاً في سيارته باستثناء حبيبة صديقه، وبسبب كمية الكحول التي شربها قادهم إلى البحر بدلاً من منازلهم، وماتت خطيبته وصديقه، وتتابع المريضة: “إنّي أسمع حبيبتك تقول لي إنّها تحبّك كثيراً وإنّها سامحتك، وإنّها تسمعك الآن فقل لها ما تريد”.

وتنتهي جلسة العلاج بسقوط الطّبيب “شو” أرضاً، وخروج “رين” إلى الغرفة المجاورة التي تجلس فيها البروفسور “فانغ” مع أطباء آخرين ويباركون عملها ونجاحها في علاج الطّبيب “شو”، عندها شكوكنا الخجولة السّابقة ـ كمشاهدين ـ تتأكّد، أي “رين” لم تكن سوى طبيبة معالجة وهي حبيبة صديقه التي منعها عملها من الذّهاب معهم في تلك الليلة وإلّا كانت أيضاً في عداد الموتى، وأنّ كلّ حالة مرضها ليست إلّا خطّة من أجل أن يعالجوه من إحساسه بالذّنب الذي لم يستطع التّخلّص منه طوال هذه السّنوات، وساعدتهم في ذلك أيضاً السّكرتيرة التي سهّلت المهمّة كثيراً، ويبدأ مخرج الفيلم الصّيني “المنوّم المغناطسي العظيم” أو كما ترجمه البعض “أستاذ التّنويم المغناطيسي” باسترجاع مخطط العلاج والاستعداد له من خلال عرض مشاهد توضيحية، ومن بينها اللحظة التي تمكّنت فيها الطّبيبة من تنويم الطّبيب “شو” مغناطيسياً، تحديداً عندما عطّلت السّاعة وبدأت العدّ من الواحد إلى الثّلاثة بصوت لم يسمعه “شو”، أي اتّبع أصدقاؤه ومحبّوه طريقته في العلاج، لكي يتمكّنوا من علاجه ومساعدته في العودة إلى حياته الطّبيعية والتّخلّص من عذاب الضّمير ومساعدة نفسه ومسامحتها،منطلقين من مبدأ أنّ تسامح النّاس معه لا يشكّل شيئاً تجاه تسامحه مع ذاته وتصالحه معها.

في الحقيقة، هذا الفيلم واحد من أفلام كثيرة تعالج المرض النّفسي، لكنّه يختلف عنها بجدّة الفكرة وأسلوب طرحها، والتّركيز على الهدف منها والرّسالة الإنسانية التي يريد إيصالها، بدءاً من الشّارة المميزة التي لم تركّز على الممثلين بل ركّزت على صور لدماغ الإنسان والوقت وتداخل الزّمان والمكان، مروراً بالأحداث والصّورة التي لعب عليها بعيداً عن البهرجة في اللباس والمكان، وموسّعاً المكان والوقت للمريض النّفسي وتهيّأته وكيف يفكّر وكيف يتصّرف وكيف يتمّ علاجه، إذ كان حريصاً على ترجمة ما يفكّر به المريض إلى مشهد أي لم يعتمد أسلوب السّرد إلّا ما ندر، وانتهاءً بقوله: “أنا لم أتمنّى أن أشفى”.