التجربة الصينية في التعليم.. دروس مستفادة ونجاحات باهرة.. إشادة صينية بتجربة المنصات التربوية السورية ودورها في تحقيق العدالة بالتعليم
البعث الأسبوعية – علي حسون
لا يختلف اثنان على نجاح الصين في العملية التعليمية من خلال السير في نهج ورؤية إستراتيجية لتحقيق الغاية الأساسية المتمثلة بالارتقاء بالمجتمع من خلال التعليم، إذ يعتبر “مشروع التعليم الإلزامي في المناطق الفقيرة” من أهم البرامج التي تم إطلاقها في هذا الخصوص منذ سنوات، ما يعد مؤشراً مهماً على رغبة الصين في تنمية الأرياف وإيصال التعليم المجاني فيه إلى مستوى جيد، ما انعكس بالإيجاب على تطور الحياة في الريف واللحاق بركب التطور الذي تشهده المدن الكبرى.
متعة التعليم
ولجعل التعليم متعة، بدأت نتائج التغيير الفعلي تأخذ مكانها منذ عام 2015 حيث انتهجت المدارس نموذجاً مغايراً للأساليب التقليدية التي كانت متبعة سابقاً إذ بدأ التركيز على عملية الإبداع لدى التلاميذ بشكل أكبر وأوسع ناهيك عن تكوين شخصية المتعلِّم، أتى ذلك ضمن خطة الإصلاح التعليمي العشرية، التي طُرحت العام 2010، التي أرست أسساً متينة تكمن في إيجاد بيئة ممتازة للتفكير المستقل، والسماح لبعض المدارس بفرض ما يصل إلى 20% من منهجها الدراسي، والتركيز على مواد العلوم والرياضيات أو مشروعات التعلم التجريبي بجانب تطوير شخصية الطلاب.
ومع حلول العام 2018، ذكرت وزارة التربية والتعليم الصينية، في تقرير لها، بلوغ إجمالي عدد المدارس في الصين إلى 518.8 ألف مدرسة من مختلف الأنواع والمستويات، بزيادة 5017 مدرسة عن العام السابق (2017). وبلغ عدد الطلبة المسجلين في المدارس 276 مليون طالباً، بزيادة 5.394 مليون طالباً عن العام السابق (2017)، أي زيادة بنسبة 2%. وبلغ عدد المعلمين النظاميين 16.7285 مليون طالباً، بزيادة 459.6 ألف طالب عن العام السابق، أي زيادة بنسبة 2.8%. بلغ إجمالي مساحة المدارس من جميع الأنواع والمستويات بكل أنحاء الصين 3.573 مليار متر مربع2، بزيادة 154 مليون متر2 عن العام السابق (2017)، أي زيادة بنسبة 4.5%. وبلغت القيمة الإجمالية لأجهزة التدريس ومعدات البحث العلمي في المدارس 1021.821 مليار يوان صيني، بزيادة 102.726 مليار يوان عن العام السابق (2017)، أي زيادة بنسبة 11.2%.”
انتشال 800 مليون شخص
واستكمالاً لما سبق، تشير العديد من المعلومات إلى تأكيد الصين على أنها “انتشلت 800 مليون شخص من الفقر منذ إطلاق إصلاحاتها الاقتصادية في أواخر السبعينات. وهكذا تراجع معدل الفقر المطلق من 88.3% من السكان، العام 1981، إلى 0.3% خلال 2018″، وهو ما يثبت نجاعة السياسة التعليمية التي تم انتهاجها في مرحة “الإصلاح والانفتاح” حيث أثمرت نتائجها بعد 4 عقود بشكل استثنائي وغير متوقع.
تعزيز العلاقات
من مبدأ تعزيز العلاقات السورية الصينية على مستوى التربية والتعليم، حرصت الحكومة من خلال وزارة التربية على تفعيل العلاقات التربوية والتعليمية واتفاقيات التعاون، وإعادة التبادل الثقافي بين البلدين، إذ كانت الصين سباقة في دعمها لكل ما يوظف لصالح التطور العلمي، لاسيما توجهها لدعم مدارس سورية بـ/15/ ألف ميزان حرارة أثناء وباء كورونا، إضافة إلى دراسة إمكانية رفد كل من: المدارس بأجهزة لوحية (تاب) للتخفيف من الاستخدام الورقي، ومديرية الصحة المدرسية بسيارات إسعاف، مع استقبال الراغبين من جمهورية الصين في سورية لتعلم اللغة العربية في معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.
تبادل خبرات
وشهد عام 2019 مشاركة للمركز الوطني لتطوير المناهج التربوية بدورة دراسية باللغة العربية للتعرف على السياسة التعليمية والمنهج التدريسي في مدارس التعليم الأساسي والثانوي وتطوير المناهج في جامعة المعلمين شرقي الصين من خلال وفد تربوي مختص اطلع على التجربة الصينية في التعليم وتقديم المحاضرات مع حلقات نقاش وأبحاث وتبادل الخبرات مع خبراء في التعليم من كافة أنحاء العالم في جميع مجالات السياسة التعليمية والمنهج التدريسي.
زيارة مثمرة
وتوضح مديرة المركز الوطني لتطوير المنهاج ناديا الغزولي – المشاركة ضمن الوفد التربوي – أن الزيارة أثمرت عن الكثير من الاستفادة من التجربة الصينية في التعليم والاطلاع على المناهج وتنفذ أنشطة وزيارات علمية وتربوية لأنواع مختلفة من المدارس الابتدائية والثانوية في بكين وداليان من مقاطعة لياونينغ، إذ اطلع الوفد على الإنجازات التي حققتها الصين في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية.
وأشارت الغزولي إلى أن الوفد اتبع دورة تضمنت مواضيع عن إصلاح التعليم في الصين وسياسة التربية والتعليم فيها ورؤية 2030 للتعليم وهدف التنمية المستدامة، وتطبيق تقانات التعليم في التعليم الأساسي، وتقييم نتائج التعلم وجودة التعليم، وآليات إصلاح تعلم اللغة الإنكليزية والرياضيات في الصين۔ وأحوال التعليم الصيني في الريف، كما سيقدم المشاركون من المركز عروضهم حول بناء المناهج التربوية السورية وفق الإطار العام للمنهاج الوطني والمعايير الوطنية التي تهدف إلى تحسين حياة الفرد والمجتمع، وتسهيل الدخول السلس إلى سوق العمل، وتحقيق المواطنة ضمن أسس التنمية المستدامة۔
يذكر أن جامعة المعلمين شرقي الصين تقع في شانغهاي ويرجع تاريخها إلى عام 1951 وانضمت في عام 2006 إلى مشروع مائة جامعة في القرن الحادي والعشرين ومشروع 985 لتجديد التعليم العالي لتلبية مطالب القرن، وأدرجت الجامعة عام 2017 في قائمة الجامعات العالمية من الدرجة الأولى وأصبحت أهم جامعة على مستوى الصين في مجال التربية والجغرافية وتملك ستة مؤسسات علمية وأدبية وعشرة وحدات للبحوث المبتكرة وثلاثة وعشرون دورية أكاديمية ويتبع للجامعة 39 مدرسة نظامية للتعليم الابتدائي والثانوي وروضتي أطفال ،كما يعمل في الجامعة حوالي أربعة آلاف موظف منهم حوالي ألفي برفسور على مساحة تقارب ألفي هكتار.
التعليم الشامل
ونوهت الغزولي بتجربة الصين في تطبيق التعليم الشامل ومفهوم التعليم للجميع، مؤكدة أهمية تطبيق هذا المفهوم كعملية مستمرة تشمل جميع الطلاب وتعارض الاستبعاد والتمييز وتعزز المشاركة الفعالة والتعاون وتلبي احتياجات الطلاب المختلفة، لافتة إلى أن على المعلم أن يعرف كيف يوصل المنهاج لجميع الطلاب وعدم تقييمهم جميعاً بنفس الطريقة بل مراعاة مواهبهم وحاجاتهم .
وبينت الغزولي أن الخبراء الصينينون أشادوا بالتجربة السورية في تطبيق مفهوم التعليم الشامل ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة في بعض المدارس.
التعليم الإلزامي
واعتبرت الغزولي أن الصين حققت نجاحاً باهراً من خلال السياسة التعليمية والتربوية المتبعة مثل التعليم الإلزامي لعمر التسع سنوات والعمل لتحسين جودة التعليم وليس فقط تأمينه بشكل متساو حيث يوجد تعليم داخل المدرسة وخارجها، فهناك تميز لطلاب في المسابقات التي تنظمها المدارس إضافة إلى كيفية تأهيل وتدريب المعلمين، حيث يخضع كل معلم لـ540 ساعة تدريب خلال خمس سنوات تتضمن ثلاثة أقسام تدريب على الاختصاص وطرائق التدريس ورفع الثقافة العامة وإجراء مسابقات لتحقيق المنافسة بين المعلمين إضافة للاهتمام بتكليف الطلاب بوظيفة بعد الدروس واهتمام العائلة بتعليم الأطفال ووعي المعلمين لتطوير قدراتهم وبحوثهم وترفعيهم الإداري والمالي حسب نشاطهم وأدائهم.
تشجيع الإبداع
ولم تغفل الغزولي تركيز الصين على تشجيع الابتكار والإبداع وتعزيز المهارات لدى الطلاب فهناك مواد أساسية ملزمة بمعدل 80% والباقي اختياري وتهتم الحكومة بالتطبيقات العملية وليس النظرية فقط كزيارة الشركات والعمل الجماعي وإتقان بعض المهن والعمل على تأمين التقنيات والوسائط المتعددة وإصلاح برنامج الامتحانات فلا يوجد اختبار موحد للجميع بل حسب التخصصات.
المؤشر الأخضر
وتحدثت الغزولي عن المؤشر الأخضر للتعليم في منطقة شنغهاي الذي ساعد في تحسين مستوى تعلم الأطفال بالاعتماد على عشر مؤشرات مهمة ساهمت في فوز شنغهاي بالمرتبة الأولى لسنتين خلال امتحان pisa الذي تشارك فيه دول كثيرة في العالم، وتتضمن المؤشرات العشرة: تقييم المستوى الأكاديمي للطلاب، والثاني الصحة البدنية والعقلية لهم، والثالث السلوك الأخلاقي للطلاب، الرابع أعباء التعلم بشكل عام وفردي والخامس العلاقات بين المعلمين والطلبة المتمثلة بالاحترام والثقة، والسادس أسلوب التعليم من خلال تقييم المعلمين لا نفسهم وتقييم الطلبة لهم أيضاً والسابع قيادة مدير المدرسة وتحديد المناهج والثامن خلفية الطلبة الاجتماعية والاقتصادية وتأثيرها والتاسع دافع التعلم والثقة بالذات والعاشر هو التقدم السنوي المستمر. كل تلك المؤشرات ساهمت في جودة التعليم وتحقيق انجازات أفضل للمتعلمين.
المنصات السورية
وتقول الغزولي إن تجربة المنصات التربوية السورية كانت حاضرة خلال تواجدهم في الصين وذلك ضمن مناقشات تقنيات التعليم من خلال الحديث عن آلية عملها والموقع الالكتروني الخاص بها وكيفية العمل من خلالها، وأبدى المحاضرون الصينيون إعجابهم بتجربة سورية في هذا المجال ودور المنصة في تحقيق العدالة بالتعليم ونشر الثقافة والتوعية كنموذج للإعلام التربوي ما يعد مثالاً لاستثمار الحاسوب والتكنولوجيا كحاضنة مجتمعية.
وتؤكد الغزولي أن المناهج التربوية الصينية تركز على تشجيع الأطفال وتحفيزهم واشراكهم في عمليات تأليف المناهج وهي الجملة التي ركز عليها البروفسور روبرت كولن من جامعة ليدن في هولندا خلال ورشة العمل حول السياسة التعليمية والمناهج التدريسية في الصين، مبدياً إعجابه بعمل الفريق التربوي في ظل الظروف الصعبة التي تعرضت لها سورية قائلاً: (تأثرت تماماً بالإطار العام للمنهاج السوري لأنه يتضمن جميع العناصر التي اعتقد انه يتوجب تزويد الجيل الشاب بها خلال عمر مبكر وهو يعد سورية لفترة جديدة تتجه نحو تعليم عالي الجودة وأتمنى تفعيل المزيد من المهارات في كل من التعليم الابتدائي والثانوي ما يقود لجعل المتعلم قادرا بالفعل على الاستفادة وتوظيف ما يملك من مهارات مع وصوله لمرحلة التعليم الجامعي) والحديث للبروفسور كولن الذي شدد في محاضرته أن التعليم في الصغر يؤثر في الإنسان طيلة حياته خاصة اللغات والموسيقى وأهمية مفهوم المدرسة للحياة من خلال تضمين المناهج الأشياء الواقعية والحياتية مشيراً إلى أهمية استشارة خبراء بيولوجيا الدماغ في لجان التأليف وضرورة أن تكون المدرسة بيئة ابتكارية تشجع على الإبداع.
مشروع “الحلم”
وأخيراً يمكن أن نرى بوضوح أهمية المسيرة التعليمية في الصين، حيث أن هذا الأمر ما كان ليحدث لولا وجود قاعدة تعليمية متينة خرَّجت عقولاً تستطيع التعامل مع الأزمات بوعي ومسؤولية؛ ليس فقط لكي تنقذ البلاد من جائحة خطرة، لا بل حتى الارتقاء بها في ظل ظروف عالمية غير عادية، لم تحدث منذ قرن تقريباً لاسيما مع إطلاق لمشروعها “الحُلم”، أي مبادرة “الحزام والطريق” التي تعد أكبر مشروع اقتصادي تكاملي عرفه العالم إلى حد اليوم حسب تأكيد الخبراء الاقتصاديين.