” التوجه شرقاً”.. خيار استراتيجي لشراكة استراتيجية
البعث- قسيم دحدل
يمكننا القول: إن زيارة الدولة التي قام بها السيد الرئيس بشار الأسد وعقيلته لجمهورية الصين الشعبية والحفاوة الكبيرة التي اُستقبلا بهما من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي أعلن أنّ الصين وسورية أقامتا “شراكة استراتيجية”، ستشكل منعطفا تاريخياً في خيار التوجه شرقاً، خاصة وأن هذا الخيار قد جاء ملبيا لمتطلبات سياسية واقتصادية واجتماعية..
وما يدعو للتفاؤل هو أن اللقاءات السورية – الصينية لم تأتي من فراغ، وإنما أتت استناداً وتتويجاً لعقود من العلاقات الثنائية المميزة التي أكدنها المواقف الصينية المُحقة والداعمة لسورية في المحافل الدولية، لاسيما في حربها ضد الإرهاب الغربي وأعوانه.
وكما كان التعاون والتفاهم وتطابق المواقف ووجهات النظر في القضايا السياسية، في أسمى معانيها وأصلب مضامينها، كذلك جاءت الزيارة لتؤكد وتعزز تلك المواقف، وليتم البناء عليها اقتصادياً واستثمارياً وتنموياً، حيث العديد من الاتفاقيات الإستراتيجية الهامة على المديين المتوسط والبعيد، ستكون حاضرة بفعاليتها ونتائجها، الأمر الذي سيجعل من سورية وكما كانت لاعباً رئيساً ومؤثراً في معركة رسم ملامح تشكل عالم متعدد الأقطاب، أن تكون كذلك محوراً هاماً في مبادرة ” الحزام والطريق”.
إن الرهان على سورية في المشهد الاقتصادي العالمي المتغير، لم يأت من فراغ، بل من الموقع والتاريخ والدور والإمكانيات المادية والبشرية، وأيضاً من القدرة على الثبات والصمود في المواقف على مدار سنوات الامتحان الأقسى لمقرر “الربيع العربي” الغربي في غاياته ومخططاته للمنطقة العربية.
لقد أثبتت سورية أنها مؤهلة وبجدارة لتأدية دورها الحضاري في حوار بناء الحضارات لا صراعها، كما أرد الغرب الليبرالي عبر محاولاته الإقصائية والتهميشية للشعوب، وسعيه المحموم للسيطرة على مقدراتها وثروتها من خلال أساليبه القذرة التي ترفض تحقيق العدالة الاقتصادية العالمية، على قاعدة التكامل والتعاون بين الدول واحترام سيادتها.
لا شك أن الزيارة عكست رؤية وقراءة بعيدة وصحيحة لمتغيرات الاقتصاد العالمي والعلاقات الاقتصادية الدولية بشكل عام، منطلقة من تفكير اقتصادي دقيق ومنطقي، يؤمن أن التحول العالمي البنيوي يقوم على أن البنية الصناعية والقدرات الاستثمارية والمالية لم تعد تتمركز في الغرب، وإنما نمت في الشرق والشمال وحتى الجنوب وأمريكا اللاتينية، حيث الخيارات أكثر اتساع وغناً وجدوى.
ولعل أهم ما ينطلق منه مفهوم التوجّه شرقاً، برأي عدد من الخبراء، أنه يعكس محاولات للاستفادة من تجارب دول عانت من الهيمنة الغربية وبرهنت على نجاح كبير في نماذجها السياسية والاقتصادية؛ كما أن طبيعة العلاقات التي تعرضها هذه الدول وفقاً لنماذجها، تقوم على قاعدة احترام خصوصيات الدول الأخرى والسعي لترسيخ علاقات تؤدي إلى ربح مشترك بين جميع الأطراف وليس على قاعدة غالب ومغلوب؛ والنجاح في النموذج الاقتصادي يتمثّل ليس فقط بمعدلات نمو، بل أيضاً في إنتاج سلع وخدمات تسهم في رفاهية الإنسان..
وليس ختاما، نحن مع الرأي القائل: إن الاتجاه شرقاً ليس شعاراً كما يحلو للبعض، بل هو في الأساس تحول في الفكر والذهنية يترجم بسياسات وبرامج على مستويات مختلفة من دون رفض العروض المطروحة التي يفترض المباشرة في قبولها ودرسها وتطويرها، لأن عملية التحول ليست عملية ظرفية بل طويلة المدى.
وبمعنى آخر، إن خيار التوجه شرقاً يعني مجموعة من السياسات والبرامج السياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية المتكاملة بعضها مع بعض، ويعني أيضاً، أنه يجب تطبيق دراسة عميقة للتجارب التي تشكل القدوة في برامج النمو والتنمية. إذ لا يمكن أن يقتصر الخيار على بعض الاستثمارات الضخمة في إعادة تأهيل البنى التحتية وتطويرها، بل الانضمام إلى منظومات سياسية وأمنية مشتركة تحمي هذه البنى وتُسهم في تطويرها.