ثقافةصحيفة البعث

حلب ذاكرة لسائح بريطاني يدعو الجميع لزيارة سورية

غالية خوجة

الشهباء بحجارتها البيضاء الشمعية، وشمسها الذهبية بحرارتها الشافية، وسمائها البراقة بالمحبة وبعض الغيمات، وأصالتها المبتهجة بعودة معالمها الأثرية إلى حياتها كما يعود الطفل إلى حضن أمه وهو يحبو ثم يمشي، تجعلك فخوراً بماضيك وصبغياتك وكرامتك وانتمائك، وهو من جملة ما ورثناه من أمّنا سوريتنا، وتجعل زائريها كذلك يفتخرون بحضورهم إلى هذا المكان، وهذا ما أخبرني به السائح الدولي البريطاني أنجل ويات الذي صادفته في سوق “العبّارة” المطل بأحد مداخله على شارع بارون، بعدما لمحته بهيئته الواضحة وهو يمشي في السوق متأملاً حتى التفاصيل من الأبنية والناس والبضائع، فرحّبت به في سورية، وحلب، وسألته عن إمكانية التقاط صورة له، فوافق، وعن حوار سريع معه لجريدتنا “البعث”، فوافق قائلاً: هذا رائع، أنا مندهش.

تعرّفت إليه ولماذا هو قادم وهل مع فريق أو مجموعة؟  فأجابني: أنجل ويات، من المملكة المتحدة، مواليد عام 1964، أعمل مبرمجاً، وجئت لأني أحب سورية، ولي فيها ذكريات، وقادم مع مجموعة مؤلفة من 14 شخصاً منهم من إسبانيا، ومكسيكو، وبولندا، وأمريكا، والمملكة المتحدة، ودول أخرى.

ألك ذكريات في سورية؟!

ردّ بسعادة: نعم، فهذه هي المرة الثانية التي أزورها، وكنت هنا مع زوجتي في زيارتي الأولى منذ 16 سنة.

وهل زوجتك برفقتك؟

ضحك بضبابية بريطانية مجيباً: هذه المرة، كانت خائفة من القدوم، لكنني تمنيتها معي، لأن الأمان موجود، والحياة جميلة، أكثر مما نتوقع.

إذن، لماذا لا تخبرها أن تقطع في أقرب رحلة وتأتي؟

أجابني: قريباً، سأعود وتكون معي، وسيكون معنا أصدقاؤنا أيضاً، وإنني أدعو أيّ إنسان، في أيّ مكان لزيارة سورية، لأنها خرافية، عظيمة، أسطورية، وخيالية، وكررها عدة مرات، وأكد: حقاً، أنا مندهش، إنها رائعة.

هزّ رأسه متألماً بطيبة، ومتأملاً المكان قائلاً بحسرة: فعلاً، كم عانت حلب وتدمر، كم عانت هذه الآثار، هذه الحضارة، كيف آلت إلى ما آلت إليه؟ ولماذا؟ أنا حزين جداً حد البكاء على حلب وتدمر.

وعن جولته ومشاعره ومقارنته بين الزيارتين، قال: جئت من بيروت إلى دمشق أولاً، وأشعر بأن دمشق مدينة قديمة، عريقة، ولها خصوصيتها الخاصة جداً، لكنني أشعر أنها أشبه ما تكون بمدينة “فينيسيا” الإيطالية.

وتابع: لقد تجولت في شوارعها وزرت معالمها بشوق، وأحب محافظتها على تأريخها وحضارتها وحياتها، لكنني متألم جداً من أجل حلب حدّ البكاء، لأنها أكثر مدينة تأثرت بهذه العشرية المظلمة.

ثم، فتح هاتفه الجوال، وأراني صور الأماكن التي زارها في حلب، ومنها الجامع الأموي، وخان الوزير، والأسواق، وحول القلعة، والقلعة، واسترسل: لم أكن أتوقع للحظة أن أرى ما حلّ بهذه المعالم الأثرية العالمية الآن، لأنها في ذاكرتي منذ زيارتي الأولى عام 2007، وتمنيت أن لا أراها مصابة هكذا أبداً، خصوصاً، قلعة حلب المتفردة في العالم بكل شيء، وأحزنتني أسواق المدينة التي كانت مسقوفة بطريقة معمارية سحرية، رغم أن بعضها يعود الآن.

وتابع: في تلك الزيارة، أقمت في فندق بارون الذي لم أستطع الإقامة فيه خلال زيارتي الحالية لأنه مصاب، وهو جزء من ذكرياتي أيضاً، لكنني مقيم الآن في أحد الفنادق المطلة على ساحة سعد الله الجابري، وكم تضررت أيضاً كساحة ومبان وفنادق، فعلاً أنا حزين.

وعن الناس، أخبرني:الأحلام الإنسانية في كل مكان متشابهة، لكنّ السوريين شعب حيوي ومحبّ ولطيف وطيب وبسيط ويعيش الحياة بطريقة “البثّ المباشر”، والحركة الفعالة، وأنا أحبهم، لأنهم يتركون لديّ مشاعر جميلة بتصرفاتهم وأحاديثهم ووجوههم المرحبة، كما أنهم يتمتعون بذكاء ملفت، وهم أقوياء لا سيما المرأة السورية، إنها قوية، وأتمنى لهم الحياة دون مشاكل، أتمنى لهم وللعالم السلام، وهي رسالتي للعالم، لأننا جميعاً نحتاج إلى مزيد من الفخر بسورية.

كان زائرنا سعيداً وهو يقف أمام الكاميرا، فيجلس على حجارة حوض الأشجار في سوق العبّارة”، أو يصعد عليها قريباً من شاشة إعلانات مكتوب عليها سورية مع معلم أثري، ويمد ذراعيه محلقاً مثل الطير، وكأنه غير مصدق أنه هنا مرة ثانية، واقترحت عليه أن نمشي إلى ساحة سعد الله الجابري لألتقط له صورة مع رمزنا العلم، فمشينا، وكان مشهد الحياة في الشهباء جذاباً كعادته، وكان الناس يلتفتون إليه بابتسامة، وأحد الباعة البسطاء قال لنا بالإنكليزية: أهلاً وسهلاً، وأحد الجالسين على الرصيف مع علب المحارم، قال بالإنكليزية: شكراً، وبينما يمرّ العابرون من الساحة، استوقفنا رجل عجوز ثمانيني، فصافحه أنجل بمحبة، ونظر إليّ لأصوره، ففعلت، والتقطت له الكثير من الصور ومنها هذه الصورة التي يظهر فيها العلم العربي السوري و”بشارنا في عيوننا”.