مجلة البعث الأسبوعية

كأس العالم وتتويج ألمانيا يعيدان الحديث عن واقع سلتنا وأسباب التراجع!

البعث الأسبوعية-عماد درويش

ما زالت كرة سلتنا رهناً للتجارب والابتكارات، ومازالت الصورة الفنية المرجوة من هذه الابتكارات ضبابية، إن لم تكن مخفية، فلسنا ضد التغيير ولكننا مع التغيير الإيجابي المدروس والمحسوب الذي ينسف ما سبقه من تجارب ليدخل في مغامرة جديدة.

رياضتنا عموماً تعيش واقع مؤلم منذ فترة طويلة، أما سلتنا على وجه الخصوص فثمة أسئلة تخطر على البال عن أسباب تراجع مستوى منتخباتها منذ سنوات طويلة، والجميع ملّ من ذكر بأن سببها غياب جيل من اللاعبين النجوم، وعدم قدرة الاتحادات والأندية على خلق البديل، إضافة إلى ضعف الإمكانات المادية، وعدم قدرة منتخباتنا على التحضير المثالي المناسب، وهذا الكلام بات من البديهيات.

إدارات غير رياضية

أغلب  أنديتنا بات اليوم يقودها أشخاص غير رياضيين وباتوا من أصحاب القرار يصولون ويجولون كيفما يشاؤون ، إضافة إلى وجود فريق آخر من أصحاب رؤوس الأموال والداعمين الذين فرضوا أنفسهم بقوة في السنوات الأخيرة حتى باتوا بأموالهم يتحكمون بمصير لاعبين دوليين لا بل تم تعيينهم مديرين لمنتخباتنا الوطنية ليس لخبرتهم وإنما بسبب دفعهم الأموال في سبيل السفر ، كل ذلك كان له انعكاسات سلبية على أنديتنا، ونحن لسنا بوارد التقليل من أهمية وجود هؤلاء الداعمين للرياضة من دون مال لن تتطور، لكن وجودهم لا يعني أن يكونوا أصحاب القرار، فمكانهم يجب أن يكون على المنصة ومع ألف كلمة ترحيب بشرط عدم التدخل في الشؤون الفنية.

أما أصحاب الخبرة فباتوا مبعدين بنسبة كبيرة عن واقع العمل والسبب وجود من ليس له علاقة بالرياضة ضمن هذه الأندية، وبالمجمل هذا الواقع لا يمكن أن يكون عمله صحيحاً رغم وجود الأموال بسبب غياب التخطيط السليم والتنفيذ الدقيق، لذلك رياضتنا لن ترى النور ولن تتطور ما دامت سائرة بطريقة فوضوية من دون هدف.

على ضوء ما ذكر يعرف القاصي قبل الداني أن سلتنا بجميع مفاصلها لا تعيش حالة مثالية لأنها تفتقد أبجديات علم كرة السلة الحديثة وباتت تعيش على الطفرات هنا، وأخرى هناك.

هواية واحتراف

عندما يخرج المتابع من حدودنا الرياضية ويطلع على كرة السلة المحترفة والمطبقة في أوروبا ومعظم دول العالم، يجد أننا لا نعرف عن كرة السلة إلا القليل، وإذا ما أردنا تقديم حلول للمشكلات التي تعاني منها اللعبة عندنا ألا وهي (الإدارة الهاوية) التي فُرض عليها أن تقود مشروع دوري المحترفين، ففي كل دول العالم المتطور في مجال كرة السلة ترى في التخصص الجزء الأصيل من العمل اليومي في الأندية والاتحاد والروابط المحترفة، غير أن المشكلة العامة التي تعانيها أنديتنا وفرقنا تكمن في غياب الإداري المحترف المتفرغ لدوره في إدارة العمل والتخطيط لمستقبل اللعبة في الأندية والمنتخبات.‏

وأثبتت التجارب الاحترافية لأنديتنا في السنوات الأخيرة أن معظم الأزمات تأتي من الإداريين الهواة، فقراراتهم يشوبها الارتعاش في كثير من الأحيان، إما للخوف من النقد الإعلامي الذي سيطولهم، أو لأن تلك القرارات (عشوائية) غير مدروسة ولم يتم وزنها بالشكل المطلوب قبل إصدارها، ولا يكاد يمر موسم دون حدوث أزمة في قانون أو في قرار اتخذ أو في إدارة أي جانب يتعلق بكرة السلة، ولعل أبرز صور التخبط الإداري الشهيرة في مسابقاتنا السلوية يظهر في عدم وضوح أجندة الموسم ناهيك عن التأجيل والترحيل لأكثر من مرة.‏

أوائل الدول

ما دعانا إلى هذه المقدمة هي بطولة العالم لكرة السلة 2023 الأخيرة التي اختتمت منافساتها مؤخراً وأقيمت في “الفلبين، وإندونيسيا، واليابان”، وتوج في نهايتها منتخب ألمانيا على حساب منتخب صربيا 83-77 في المباراة النهائية، لتدون ألمانيا اسمها بين الدول التي أحرزت اللقب العالمي بعد الولايات المتحدة (خمس مرات) ويوغوسلافيا (خمس مرات) والاتحاد السوفييتي (ثلاث مرات) والبرازيل (مرتان) وإسبانيا (مرتان) والأرجنتين (مرة واحدة).

وبعيداً عن البطولة التي فإن المعلومات التي توفرت لدينا تشير إلى أننا من أوائل الدول التي مارست اللعبة عام (1922) وشاركنا عام (1949) في أول مسابقة دولية وهي بطولة أوروبا وأقيمت في القاهرة إلى جانب لبنان وفرنسا وتركيا وهولندا وفازت باللقب مصر، كما كنا أول من أدخل كرة السلة إلى ألمانيا، فالمعلومة تشير إلى أن أحد المدربين الألمان من أصل تركي وكان مبعوثاً من قبل الاتحاد الدولي لكرة السلة وصل إلى سورية عام 1978 لشرح قانون لعبة “الميني باسكت”.

كما أن كرة السلة دخلت إلى ألمانيا عن طريق طبيب سوري عمل في ألمانيا، وأسهم بشكل فعلي في نشر كرة السلة في أهم المدن الألمانية وهو لاعب نادي الفتيان “الثورة حالياً” وهو الدكتور راسم يحيى.

تاريخ مشرف

هذا الكلام أكده العديد من اللاعبين السابقين لمنتخب سورية الذين أسسوا للعبة كرة السلة وخاضوا الكثير من التجارب والمباريات خارج سورية مع الأندية المحلية مثل الجلاء “الشبيبة سابقا” وأهلي حلب، ومع منتخبنا الوطني ومنتخبنا العسكري الذي كان يمثل الرياضة السورية، وكان لهم صولات وجولات وحققوا نتائج لافتة من ضمنها المشاركة في بطولات أوروبا في اليونان وغيرها من البلدان.

وأحد هذه الأسماء الكابتن جاك باشاياني الذي كشف لـ “البعث الاسبوعية” أنه ضمن استعداد منتخب سورية لكرة السلة للمشاركة في بطولة العالم العسكرية التي أقيمت في دمشق عام 1978، أقام المنتخب معسكراً تحضيرياً في ألمانيا الغربية استمر لمدة شهر كامل، لعب فيها المنتخب 8 مباريات مع المنتخب الألماني فاز الألمان في مباراة واحدة وفاز منتخبنا بـ 7 مباريات.

وأضاف باشاياني: للخسارة الوحيدة قصة، إذا أن منتخبنا سافر إلى ألمانيا على دفعتين، الدفعة الأولى بدون المدرب جورج أبو ليون ولاعبي نادي الجلاء وخسرنا وقتها مع ألمانيا (تخلف لاعبي الجلاء في البداية بسبب بطولة الأندية العربية في حلب والتي أحرز بطولتها نادي الجلاء)، ثم بعد أيام التحق المدرب ولاعبي نادي الجلاء ببعثة المنتخب ولعبوا 7 مباريات متتالية مع المنتخب الألماني الذي ضم ثلاثة لاعبين مميزين، وفاز منتخبنا في جميع تلك المباريات.

وأشار باشاياني إلى انه في تلك الفترة لم يكن لكرة السلة الألمانية أي وجود لها وجود أصلا على خارطة كرة السلة العالمية، وكان من الطبيعي جداً أن يفوز منتخبنا على ألمانيا، كما لعب نادي الجلاء والأهلي في بطولة أوروبا للأندية وفاز الجلاء على فريق أولمبياكوس اليوناني وليون الفرنسي، وفاز الأهلي على النجم الأحمر اليوغسلافي، تلك الحقبة كانت أفضل الحقب التي مرت عليها كرة السلة السورية.

تراجع غريب

الكثير من كوادر اللعبة رأت أن كافة الدول تقدمت سلوياً عبر التخطيط السليم وبناء فريق قوي مثل ألمانيا التي فزنا عليها، لكنها الآن باتت على رأس الهرم العالمي، وجاء ذلك عبر العمل بشكل أكاديمي علمي ومدروس، أي –بالمختصر-ألمانيا استغرقت ٤٠ عاماً لكي تبني هذا المنتخب وتفوز بكأس العالم، في حين ما زالت سلتنا “تحبو” لتواكب التطور العالمي.