دراساتصحيفة البعث

الكيان الصهيوني وسلاح المياه ضد الشعب الفلسطيني

عناية ناصر

إن حق الإنسان العالمي في الحصول على المياه، والذي يضمن “وجود ما يكفي من المياه المأمونة والمقبولة والمتاحة مادياً وبأسعار معقولة للاستخدامات الشخصية والمنزلية” هو مبدأ تدعمه الاتفاقيات الدولية. ومع ذلك، ينتهك هذا الحق في الضفة الغربية المحتلة بشكل منهجي من خلال الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف البنية التحتية المدنية للمياه، حيث داهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً قرية “سوسيا”، الواقعة جنوب الخليل في الضفة الغربية المحتلة، وقامت بتفكيك شبكة المياه الرئيسية فيها بلا رحمة. وأعرب فؤاد العمور، منسق لجنة الحماية والصمود في “مسافر يطا”، عن استيائه من  هذا العمل الإجرامي المدمّر، وتساءل عن مبرر مثل هذا الفعل الهمجي، خاصة وأن خط الماء كان قانونياً تماماً. وقبل هذا الحادث، في شهر آب الماضي، عندما قامت شركة المياه الوطنية الإسرائيلية “ميكوروت” بتخفيض مخصصات المياه للضفة الغربية، قام مستوطنون إسرائيليون من مستوطنة “معاليه عمواس” الاستعمارية باجتياح قرية “كيسان”، شرق بيت لحم. وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” أن قوات الاحتلال استهدفت عمداً خطوط أنابيب مياه الشرب المملوكة للمزارع الفلسطيني حسن عبيات.

وجاء ذلك في أعقاب التخفيض الكبير الذي أجرته شركة “ميكوروت” لإمدادات المياه إلى مدينتي الخليل وبيت لحم بالضفة الغربية المحتلة في شهر تموز، مما أدى إلى نقص حاد في إمدادات المياه للسكان الفلسطينيين الذين تحملوا الطوابير الطويلة للحصول على المياه وتزايد الإحباط لديهم. أعرب محمد الجعبري، وهو فلسطيني من الخليل، عن سخطه عندما لاحظ أن المستوطنين في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية يتمتعون بإمكانية الوصول غير المقيدة إلى المياه وري أشجارهم وحدائقهم، بينما تواجه عائلته العطش!.

تعرّضت شركة “ميكوروت” لانتقادات متكررة بسبب نهب واستغلال الموارد المائية في فلسطين المحتلة، وفي هذا السياق أدانت مؤسسة “الحق”، وهي منظمة فلسطينية غير حكومية، استخدام شركة “ميكوروت” للمياه المسروقة لزيادة إمدادات المياه إلى المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، مع إهمال التجمعات والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. وأشارت المؤسّسة إلى أن هذا التمييز المنهجي يحرم الفلسطينيين من حقهم في الحصول على المياه، داعين الشركة إلى وقف عملياتها في الأراضي المحتلة لمنع المزيد من التورط في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المحتملة.

علاوة على ذلك، شهد شمال غور الأردن مأساة المياه الخاصة به في حزيران، حيث داهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي قرية بردلة الفلسطينية، وأغلقت آبار المياه التي كانت تشكل شريان الحياة لسكانها. وأدان الناشطون الحقوقيون هذا الفعل، مؤكدين أنها المرة العاشرة خلال عامين التي يتمّ فيها إغلاق آبار المياه. وترك هذا الوضع سكان بردلة يعانون من الواقع القاسي المتمثل في ندرة المياه، والذي فرضته سيطرة قوات الكيان الإسرائيلية على موارد المياه الحيوية من خلال شركة مياه “ميكوروت”.

تشكّل هذه الحوادث جزءاً من نمط مثير للقلق من الاعتداءات على موارد المياه الفلسطينية، كما تكشف هجمات “إسرائيل” المتواصلة على البنية التحتية للمياه، مثل خطوط الأنابيب ومرافق معالجة مياه الصرف الصحي ومحطات الضخ، عن نيّة تتجاوز مجرد الميزة التكتيكية. ويكمن اللجوء إلى هذه الإستراتيجية في تأثيرها السريع والمدمر، الذي يهدف إلى إضعاف معنويات السكان الفلسطينيين.

وفي عام 1993، منحت اتفاقيات أوسلو “إسرائيل” فعلياً السيطرة على إدارة المياه، مما أدى إلى هيمنتها على أكثر من 80% من احتياطيات المياه في الضفة الغربية. وفي الوقت الحاضر، يستهلك “الإسرائيليون”، بما في ذلك المستوطنون، ما متوسطه 247 لتراً من المياه يومياً، في حين أن الفلسطينيين في المنطقة (سي)، الخاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة، لا يحصلون إلا على 20 لتراً فقط، أي خمس الحدّ الأدنى الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية.

إن الحرمان من الوصول إلى المياه لا يؤدي إلى معاناة فورية فحسب، بل يلحق أيضاً أضراراً دائمة بالاقتصاد الفلسطيني، حيث يواجه المزارعون في الضفة الغربية صعوبة كبيرة في زراعة أراضيهم بسبب محدودية إمدادات المياه. وفي هذا الخصوص يسلط تقرير للأمم المتحدة الضوء على أن سياسات “إسرائيل”، بما في ذلك حرمان الفلسطينيين من الوصول إلى مواردهم الطبيعية، تقوّض بشكل منهجي الاقتصاد الفلسطيني، وتؤدي باستمرار إلى تقليص قدرته الإنتاجية وتدهور الظروف المعيشية. بالإضافة إلى ذلك، يكشف تقرير منظمة العمل الدولية أن محدودية الوصول إلى المياه، إلى جانب السياسات التوسعية للمستوطنات الإسرائيلية، والتي تفاقمت بسبب تغيّر المناخ، أدت إلى انخفاض الزراعة إلى 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي للضفة الغربية.

علاوة على ذلك، كان لاستغلال “إسرائيل” لموارد المياه الفلسطينية تداعيات بيئية كبيرة، وقد أدت سيطرتها الكاملة على مصادر المياه في الأراضي المحتلة إلى الإفراط في استخراجها، مما أدى إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية وتعطيل تدفق المياه الجوفية. وهذا يزيد من قابلية التعرّض للظواهر الجوية القاسية، مثل الفيضانات والجفاف، والتي بدورها تلحق الضرر بالمناطق الزراعية والسكنية الفلسطينية.

عندما يصبح الماء، مقترناً بالنيّة العنيفة، سلاحاً، فإن قدرته على التدمير تصبح مذهلة. إن الافتقار إلى الوصول المناسب إلى المياه يشكل أحد أكبر التحديات التنموية الهائلة التي تواجهها المجتمعات الفلسطينية. وفي ضوء هذه الحقائق، فإن ظاهرة استخدام إسرائيل للمياه كسلاح ضد فلسطين ليست مجرد خطوة إستراتيجية، بل تعتبر جريمة ضد الإنسانية.