دراساتصحيفة البعث

مخاطر انفصال الاتحاد الأوروبي “الناعم” عن الصين

هناء شروف

في خضم الديناميكيات العالمية المتطوّرة، يقف الاتحاد الأوروبي حالياً عند مفترق طرق، حيث يفكر في فكرة الانفصال وإزالة المخاطر عن علاقاته الاقتصادية الواسعة مع الصين. ولكن من الأهمية بمكان دراسة التداعيات المحتملة التي قد تترتّب على مثل هذه الخطوة بالنسبة للاتحاد الأوروبي.

إن أحد أهم المخاوف المحيطة بالفصل أو الفصل “الناعم” الذي يطلق عليه مسؤولو الاتحاد الأوروبي هو إمكانية انخفاض حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين، حيث تعدّ الصين واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للاتحاد الأوروبي، وأي انقطاع في هذه العلاقة قد يخلّف عواقب بعيدة المدى على الاقتصاد الأوروبي، فالتجارة لا تقتصر على الأرقام فحسب بل يتعلق الأمر بخلق فرص العمل والازدهار ورفاهية المواطنين. إن تعطيل هذه العلاقة التجارية من شأنه أن يضرّ الشركات والعمال والمستهلكين والمجتمعات على حدّ سواء.

علاوة على ذلك، قد يؤدي الفصل إلى زيادة الرسوم الجمركية والقيود على الاستثمار، مما يزيد من صعوبة وصول شركات الاتحاد الأوروبي إلى الأسواق الأجنبية والتعاون على المستوى الدولي. إن فرض التعريفات الجمركية يمكن أن يشعل حروباً تجارية تلحق الضرر بجميع المعنيين، ومن الممكن أن تجد أوروبا نفسها في مرمى مثل هذه الصراعات، وهو ما من شأنه أن يعرّض استقرارها الاقتصادي للخطر.

إن فكرة الفصل المقترحة تتجاهل الاستثمارات الكبيرة التي قامت بها العديد من شركات الاتحاد الأوروبي لتأسيس وجود لها في الصين، وهذه الاستثمارات كبيرة من حيث الوقت والجهد ورأس المال، وإذا حدث الانفصال فإن هذه الاستثمارات ستكون في خطر، مما قد يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة لشركات الاتحاد الأوروبي.

ومن الممكن أيضاً أن تواجه صناعة السيارات في الاتحاد الأوروبي وطأة الانفصال، ومع التوقعات بوصول مبيعات السيارات الصينية الصنع في أوروبا إلى 1.5 مليون سيارة بحلول عام 2030 أي ما يعادل 13.5% من إنتاج الاتحاد الأوروبي في عام 2022، فإن الفصل قد يعيق هذا النمو والفوائد المرتبطة به، وقد يؤدي هذا إلى ضياع الفرص أمام قطاع السيارات الأوروبي وإعاقة قدرته التنافسية على المستوى العالمي.

إن الانفصال عن الصين في “النسخة الناعمة” التي تُسمّى “إزالة المخاطر” لن يؤثر فقط على الآفاق الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، بل وأيضاً قدرته التنافسية العالمية. لقد بدأ الاتحاد الأوروبي يفقد مكانته في سلاسل القيمة العالمية، وخاصة في مجالات الإبداع التكنولوجي ورأس المال البشري. ومن ناحية أخرى خطت الصين خطوات كبيرة في اللحاق بالركب، وقد يؤدي قطع العلاقات مع الصين إلى تسريع هذا الاتجاه، مما يجعل الاتحاد الأوروبي متخلفاً أكثر في السباق على الهيمنة التكنولوجية. بالإضافة إلى ذلك فإن الفصل الرقمي بين الصين والولايات المتحدة الذي تتبعه الإدارة الأمريكية يمكن أن يفرض تكاليف كبيرة على الشركات الأوروبية العاملة في الصين، وقد تجد هذه الشركات نفسها مضطرة إلى الانفصال المكلف عن عملياتها الدولية مما قد يؤثر على ربحيتها وقدرتها التنافسية.

ينطوي التخلّص من المخاطر أيضاً على خطر تناقص التكامل التجاري داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، لأن قسماً كبيراً من التخفيض في مشاركة الاتحاد الأوروبي في سلاسل القيمة العالمية سوف يحدث داخل السوق الموحدة. بعبارة أخرى سوف يتقلص التكامل التجاري بين بلدان الاتحاد الأوروبي، وخاصة من حيث القيمة المضافة بشكل كبير، وهذا من شأنه أن يضعف الديناميكيات الاقتصادية الداخلية للاتحاد الأوروبي.

خلاصة القول إن فكرة الانفصال وتقليص المخاطر عن الصين محفوفة بالمخاطر والجوانب السلبية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ويتعيّن على الاتحاد الأوروبي أن يدرس بعناية الطبيعة المعقدة للعلاقات الاقتصادية العالمية، والتحديات المرتبطة بالتخلّص من المخاطر قبل اتخاذ أي قرارات متسرعة. إن تحقيق التوازن بين حماية مصالحه والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والقدرة التنافسية هو مهمّة حساسة تتطلب نهجاً شاملاً ومدروساً وليس اتباع سياسة الحدّ من المخاطر وغيرها من المفاهيم التي من شأنها خلق المزيد من المخاطر للاتحاد الأوروبي وتحقيق نتائج سلبية.