اقتصادصحيفة البعث

رغم انخفاضها عالمياً.. ارتفاع مضطرد بأسعار السلع الغذائية عندنا.. ما السر؟!!

البعث- قسيم دحدل

كثُر الحديث خلال الفترة الماضية من المختصين الاقتصاديين والمنظمات الدولية ذات العلاقة بالقضايا الاقتصادية والتجارية، حول علاقة ارتفاع معدل التضخم وارتباطه بارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، مثل الأطعمة والطاقة والنقل والملابس، ما يؤدي بدوره إلى رفع تكلفة المعيشة، وكان النقاش محلّ جذب وشدّ في ظل الظروف التي تعيشها مؤشرات نمو الاقتصاد العالمي من تراجع. وفي هذا السياق ومن خلال تقرير نشرته قبل أيام منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو”، أفاد بأن المقياس العام للأسعار الدولية للسلع الغذائية سجل انخفاضاً بنسبة 10.7% من مستواه المسجل قبل عام من الآن، وأدنى بنسبة 24% من أعلى مستوى له على الإطلاق كان قد سجله في آذار 2022.

ومن اللافت للنظر أن مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار منتجات الألبان تراجع بنسبة 2.3% في آب للشهر التاسع، وقد فسّر تقرير المنظمة هذا التراجع بسبب ضعف الطلب على الواردات العالمية والمخزونات الوافرة في المناطق المنتجة الرئيسية، لكن هذا التراجع لم ينعكس محلياً، لا بل ارتفعت الأسعار وبقفزات ملفتة عندنا!!.

كما انخفض مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار اللحوم بنسبة 1% عما كان عليه خلال الشهر الماضي أيلول في ظلّ ضعف الطلب على الواردات وتوافر كميات كبيرة متاحة للتصدير، ما أدى إلى انخفاض أسعار لحوم الدواجن والأغنام، إذ إن هناك وفرة عالمية في هذه المنتجات، وهناك منافسة قوية في التصدير مع تأثير واضح للتغيّر في أسعار الصرف في مصلحة من يملكون الدولار، وفي الوقت نفسه نجد أن أسعار منتجات الألبان واللحوم في السوق المحلية قد ارتفعت في اتجاه مخالف للاتجاهات العالمية، بل شهدت أسعار الحليب والأجبان وغيرها من المنتجات ارتفاعات كبيرة واضحة!!.

وهنا من المهمّ الإشارة إلى أن تتبع أسعار الغذاء المحلي، يعدّ مختلفاً عن المؤشر العالمي للغذاء الذي تصدره المنظمة الدولية، حيث يقيس المؤشر العالمي خمس مجموعات من الغذاء، وهي مؤشرات أسعار الحبوب والزيوت النباتية ومنتجات الألبان وأسعار اللحوم والسكر، لأنها تمثل عناصر مهمّة للأمن الغذائي، كما أن المؤشر الدولي يعرض بياناته منذ 2005، وفقاً لهذه العناصر، ومع ذلك فإن التساؤلات قائمة بشأن الأسباب الكامنة خلف عدم تراجع أسعار الغذاء المحلية تزامناً مع المؤشرات الدولية، حيث تختلف الأسعار المحلية عن العالمية لأسباب -على ما يبدو- لا تتعلّق بالصادرات العالمية ووفرة المخزونات، بل لأسباب محلية بحتة مثل ارتفاع أسعار المحروقات والنقل والتخزين وغيرها، وقد تختلف أسعار الغذاء في الأسواق المحلية بناءً على العرض والطلب، فقد يؤثر ارتفاع الطلب في سعر المنتجات الغذائية، وخاصة إذا كان هناك نقص في المعروض، وهذا أمر مسلّمٌ به، لكن حتى هذه المعادلة الصحيحة لا تنطبق على الأسعار محلياً، فكم من سلع ومنتجات غذائية سجلت وفرة في العرض، لكن ورغم ذلك لم تنخفض أسعارها لدينا؟!.

كذلك يمكن أن تؤثر التكاليف التشغيلية في الصناعات الغذائية بتكلفة إنتاج الغذاء، إلا أن انخفاض الأسعار عالمياً مقابل ارتفاعها وعدم انخفاضها أو حتى المحافظة على مستوياتها محلياً، من أشدّ الأدلة على وجود احتكار، وقد يكون هذا الاحتكار مستتراً، بأن تكون مؤسسات تجارية تسيطر على السلسلة القيمية كاملة بدءاً من الاستيراد والتخزين حتى منافذ البيع، ما يستدعي من الجهات المعنية التدقيق في هذه الأسباب جميعاً، لتقديم تفسيرات واضحة عن عدم استجابة المنتجات محلياً لانخفاض الأسعار العالمية للغذاء، لأن انخفاض أسعار المنتج النهائي، يعني حكماً انخفاض أسعار مدخلات إنتاجه، سواء المحروقات أو النقل أو التكاليف التشغيلية أو المواد الأولية المحلية أو المستوردة..، وهذا ما لا يحدث في سورية!!.

Qassim1965@gmail.com