مجلة البعث الأسبوعية

الصين المتجددة.. تقدم تكنولوجي واقتصادي غير مسبوق في تاريخ البشرية

البعث الأسبوعية- هناء شروف

منذ أكثر من ألفي عام فتح رجال الأعمال والمستكشفون الصينيون العظماء الذين كانوا يسافرون عبر السهوب والصحاري الشاسعة، طريقاً عابراً للقارات يربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا. ومن خلال الإبحار عبر البحار الهائجة أنشأ البحارة الصينيون طريق الحرير البحري الذي يربط الشرق بالغرب.

جيلاً بعد جيل بنى مسافرو طريق الحرير جسراً للسلام والتعاون بين الشرق والغرب، وقد مكنت هذه الطرق الناس من مختلف الحضارات والأديان والأعراق من التفاعل واحتضان بعضهم البعض بعقل متفتح. وفي سياق التبادل عززوا روح الاحترام المتبادل وشاركوا في مسعى مشترك لتحقيق الرخاء، وقد عززت هذه التفاعلات تدفق المعرفة والتعلم وشاركت الحضارة الصينية بسخاء خبرتها ومهاراتها في ذلك الوقت. واليوم حققت الصين المتجددة التقدم التكنولوجي والاقتصادي بسرعة غير مسبوقة في تاريخ البشرية وتعتبر معظم الدول الآسيوية الصين شريكها التجاري الأول.

ومن أجل مشاركة تقدمها وازدهارها مع العالم وخاصة الجنوب العالمي، قدمت الصين نسخة جديدة للقرن الحادي والعشرين من طريق الحرير الذي يبلغ عمره 2000 عام. تم توضيح هذه الرؤية في عام 2013 من قبل الرئيس شي جين بينغ عندما اقترح مبادرة الحزام والطريق. واستندت هذه المبادرة إلى تجربة الصين التاريخية المتمثلة في أنه في هذا العالم المترابط والمتعدد الأقطاب والمعولم اقتصادياً والمتنوع ثقافياً، يجب أن يكون النمو الاقتصادي والتنمية أكثر شمولاً وتوازناً. وتهدف مبادرة الحزام والطريق إلى تعزيز الاتصال بين الأقاليم وداخلها من خلال التنمية الصناعية والاقتصادية وتطوير البنية التحتية وسوف يساعد في تقليص الفجوة الآخذة في الاتساع بين الأغنياء والفقراء في العالم.

ويعد الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني أحد المشاريع الرئيسية، حيث تشمل مشاريع الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني التي تم الانتهاء منه وتشغيله العديد من البنية التحتية للطرق والنقل ومحطات الطاقة وميناء المياه العميقة. ويجري وضع اللمسات الأخيرة على الخطط لإنشاء خط قطار فائق السرعة من كراتشي إلى بيشاور وبناء مناطق صناعية. وهذا يجعل من دور المبادرة وحجمها ونطاقها اقتراحاً عالمياً ضخماً مربحاً للجانبين. ومن خلال تغيير توازن القوى الاقتصادية العالمية وتحويل آفاق العديد من البلدان النامية، أثبتت مبادرة الحزام والطريق أنها مشروع اقتصادي عالمي جريء وحاسم على الإطلاق.

وتتحرك مبادرة الحزام والطريق بسرعة عبر الأراضي الآسيوية والأفريقية، فضلاً عن الممرات المائية في المحيطين الهندي والبحر الأبيض المتوسط. إنها تنطوي على ممرات اقتصادية متعددة في جميع أنحاء الكوكب، فهو يربط بشكل شامل الكتلة الأرضية الأوراسية من خلال شبكات السكك الحديدية الضخمة التي تمتد عبر روسيا وآسيا الوسطى ومنغوليا إلى أوروبا. كما تنشئ مبادرة الحزام والطريق أيضاً طريقا ًجديداً إلى البحر عبر الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني الذي يربط جنوب شرق آسيا عن طريق البر من خلال خطوط سكك حديدية جديدة تمر عبر لاوس بالإضافة إلى طريق يمتد غرب آسيا عبر تركيا.

وتبدو واشنطن والقوى الاستعمارية السابقة قلقة للغاية بشأن صعود الصين، بصرف النظر عن دور الصين في إنشاء تجمعات إقليمية وغير إقليمية قوية مثل البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون ودعم الاتحاد الأفريقي. وهم يخشون أن ينظر الجنوب العالمي على نحو متزايد إلى الصين باعتبارها نموذجاً ناجحاً لتنميته الاقتصادية. وهم ينظرون إلى هذه التطورات باعتبارها تهديداً لهيمنتهم العالمية الجيواقتصادية والجيوسياسية التي دامت قروناً من الزمان، وخاصةً لأن النهضة الاقتصادية للصين وصعودها كان فريداً من نوعه. لقد حققت كل ذلك وهي تسيطر بشكل كامل على سيادتها وسياساتها الخارجية والداخلية.

لقد ولدت نهاية الحرب الباردة آمالاً جديدة في نظام عالمي سلمي، وكان هناك شعور بأن العالم سيركز الآن بشكل منفرد على معالجة القضايا التي تؤثر على رفاهية البشرية جمعاء ولا سيما تلك التي تؤثر على بلدان الجنوب العالمي، ولكن لم يكن الأمر كذلك لقد أساءت واشنطن استغلال لحظة أحادية القطب وتفوقها الذي لا جدال فيه نتيجة للحروب الأبدية خاصة بعد هجمات 11 أيلول ولا داعي للخوض في تفاصيل ظاهرة الإسلاموفوبيا وما ترتب عليها من حروب ودمار في العراق وأفغانستان وليبيا وسورية. هناك الكثير من الحديث داخل الولايات المتحدة والعالم حول كيفية تغذية حروب الولايات المتحدة لمجمعها العسكري والصناعي والسياسي.

إن إحياء الجغرافيا السياسية المستقطبة والمنافسة بين القوى العظمى والمواجهة العسكرية المحفوفة بالمخاطر تنطوي على خطر حقيقي يتمثل في التصعيد إلى حرب نووية أو معارك على الموارد. وتتصادم هذه المخاطر الجيوسياسية مع تحديات جديدة معقدة مثل تغير المناخ والأوبئة والاضطرابات المالية وقضايا سلسلة التوريد العالمية والانتشار النووي.

هناك حاجة إلى العمل معاً لمواجهة هذه التحديات ولا ينبغي بالضرورة أن تتحول قضايا القوى الصاعدة والانحدار إلى لعبة محصلتها صِفر. إن التعددية وليس الأحادية هي الوسيلة الأفضل لإيجاد الحلول لمشاكل العالم المتزايدة التعقيد. وعلى أية حال شئنا أم أبينا، فإن العالم يعيش الآن واقعاً جديداً ومع التحولات الدائمة في الاقتصاد العالمي والتكنولوجيا، يتجه العالم نحو مشهد جيوسياسي متحول ونظام متعدد الأقطاب تشتد الحاجة إليه مما يخلق مساحة مناسبة ومشروعة للجنوب العالمي. واليوم نحتاج إلى المزيد والمزيد من الممرات الاقتصادية مثل مبادرة الحزام والطريق لتقريب الرخاء المشترك والحضارات أكثر فأكثر.