مجلة البعث الأسبوعية

زلزال عصف بالمؤسسات الأمنية والعسكرية.. “طوفان الأقصى” يعلن أن زمن الانتهاكات قد ولى

البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة

بعد سنوات من المعاناة، صب الأقصى غضبه على “إسرائيل” وثأر للآلاف من ضحايا الاحتلال المستمر على مدار أكثر من ستين عاماً، ففي ساعات الصباح الباكر من يوم السبت الماضي، شنت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر هجوماً واسع النطاق، وصف بأنه مباغتاً وغير مسبوق على المناطق التي تحتلها “إسرائيل”، حيث شمل الهجوم إطلاق وابل من الصواريخ، في الوقت الذي نفذت فيه هجوماً برياً على المستوطنات المحيطة بقطاع غزة، مخترقة بذلك حاجز غزة الإسرائيلي فضلاً عن اجتياحها المواقع العسكرية الإسرائيلية المحيطة.

وعند الساعة الثانية عشر ونصف بالتوقيت المحلي، أفادت التقارير بأنه تم إطلاق آلاف الصواريخ من غزة على المناطق التي يحتلها الكيان الصهيوني. إلى ذلك، أشارت تقارير خدمات الطوارئ الإسرائيلية إلى مقتل أعداد كبيرة من الإسرائيليين، كما أكدت مصادر فلسطينية أسر عدد من الجنود الإسرائيليين ونقل عدد منهم إلى داخل قطاع غزة، بينهم قتلى.

وبينما أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية عن إطلاق أكثر من 5000 صاروخ على “إسرائيل”، بما في ذلك صواريخ بعيدة المدى، ادعى الجيش الاحتلال الإسرائيلي أنه تم إطلاق ما يزيد قليلاً عن 2200 صاروخ على “إسرائيل” صباح السبت.

وبعد ذلك بساعات، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “إسرائيل” في حالة “تأهب الحرب”، متعهداً بأن المقاومة سيدفع ثمناً باهظاً، بحسب زعمه.

من جهته، أكد جيش الاحتلال الإسرائيلي أن فصائل المقاومة الفلسطينية نجحت في اختراق حاجز غزة في عدة أماكن، وأن العشرات منهم تمكنوا من الوصول إلى الأراضي الإسرائيلية عن طريق البر والجو، كما أظهرت مقاطع فيديو مقاتلين فلسطينيين وهم يقتحمون مستوطنة في غلاف غزة  مستخدمين طائرة شراعية.

ساعة الصفر

بدأت العملية في الصباح الباكر، حيث استيقظ الفلسطينيون في غزة على صوت إطلاق الصواريخ الخارجة من القطاع باتجاه “إسرائيل”، ومع تردد أصوات إطلاق الصواريخ في أنحاء القطاع، نزل العديد من سكان غزة إلى الشوارع ولجؤوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة ما يجري.

وبعد ما يقرب من ساعة على بدء إطلاق الصواريخ، بدأ تداول صور ومقاطع فيديو صادمة على وسائل التواصل الاجتماعي، كانت الصور تُظهر قوافل من فصائل المقاومة الفلسطينية وهم يخترقون الحاجز الإسرائيلي على طول حدود غزة ويتوغلون إلى المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية في “غلاف غزة”.

كما أظهرت مقاطع فيديو فصائل المقاومة الفلسطينية وهم يقومون بدوريات في المستوطنات بسيارات ومركبات مدرعة، في حين أظهرت مقاطع فيديو أخرى مقاتلين يتجولون في الأحياء بينما كانت الشرطة وقوات الأمن الإسرائيلية تغط في عطلتها الأسبوعية.

وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، كان الإسرائيليون في المستوطنات الجنوبية المحيطة بغزة يتصلون بإذاعة الجيش وقنوات التلفزيون الإسرائيلية، قائلين إن “المقاومين” كانوا يتجولون في بلداتهم ويدخلون المباني لأكثر من ساعتين بينما كان السكان لا يزالون ينتظرون رد القوات الإسرائيلية.

وفي الساعة الثامنة صباحاً، أصدر القائد العام للجناح العسكري لحركة حماس محمد الضيف، بياناً مسجلاً أعلن فيه عن إطلاق “الحرب الشاملة” في جميع أنحاء فلسطين المحتلة، وذلك رداً على جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين واقتحاماته المتكررة للمسجد الأقصى.

كما أضاف، أن الضربة الأولى التي استهدفت مواقع العدو وتحصيناته العسكرية ومطاراته خلال العشرين دقيقة الأولى تجاوزت خمسة آلاف صاروخ وقذيفة، وأن العملية جاءت رداً على معاملة إسرائيل للأسرى الفلسطينيين واستمرار الاعتداءات والانتهاكات في باحات المسجد الأقصى، والتي شهدت تزايداً في الأيام الأخيرة مع اقتحام أعداد كبيرة من المستوطنين الإسرائيليين الحرم الإبراهيمي خلال موسم العطل اليهودية.

وأكد الضيف أن قوات الاحتلال تغزو البلدات الفلسطينية في الضفة الغربية كل يوم، وتقتحم منازل الناس الآمنين، وتقتل وتعتقل الفلسطينيين، حيث قُتل وأصيب مئات الفلسطينيين هذا العام، وأن الاحتلال يصادر منازل وممتلكات الشعب الفلسطيني و يحتل أرضه بالقوة لبناء المستوطنات. لذا، فإنه في ظل كل هذه الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية، وانتهاكها للقوانين الدولية، وبدعم كامل من الولايات المتحدة والدول الغربية، الذي يرافقه صمت دولي، قررنا وضع حد لهذا الوضع، وأن على العدو أن يفهم أن زمن ارتكاب الانتهاكات دون عقاب قد انتهى.

من جهته، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي إطلاق عملية “السيوف الحديدية” ضد قطاع غزة. وفي غضون دقائق، بدأت الغارات الجوية الإسرائيلية استهداف أنحاء القطاع بشكل عشوائي، حيث قصفت خلالها العديد من الأبراج السكنية، ما خلّف مئات الشهداء والجرحى من الفلسطينيين، وإصابة عدد من الفلسطينيين جراء غارة جوية إسرائيلية استهدفت المستشفى الإندونيسي شمال قطاع غزة. كما ذكرت وكالة الأناضول أن عدداً من الفلسطينيين استشهدوا وأصيب عدد آخر خلال المواجهات المسلحة المستمرة بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال على طول حدود غزة.

هجوم غير مسبوق

في البداية، كانت عملية “طوفان الأقصى” بقيادة حماس، لكن سرعان ما انضمت إليها العديد من فصائل المقاومة الفلسطينية في جميع أنحاء قطاع غزة، الأمر الذي جعلها عملية غير مسبوقة على العديد من الجبهات. ويرى محللون أن هذا الهجوم المباغت والمنسق يُظهر بالفعل الفشل والإخفاق الأمني الكبيرين للمخابرات الإسرائيلية، فقد كشف هذا الهجوم عدم استعداد المخابرات الإسرائيلية لعمليات بهذا الحجم.

كانت هذه المرة الأولى- منذ الحصار الإسرائيلي لغزة قبل أكثر من 16 عاماً- التي يتمكن فيها مقاتلو المقاومة في غزة من اختراق السياج العازل الإسرائيلي على طول الحدود ودخول الأراضي التي تحتلها “إسرائيل” سيراً على الأقدام وبأعداد كبيرة.

فقد أظهرت مقاطع فيديو نشرتها حسابات فلسطينية على وسائل التواصل الاجتماعي، مقاومين فلسطينيين يصلون إلى سديروت وغيرها من المستوطنات المتاخمة لغزة في شاحنات مجهزة بمدافع من العيار الثقيل.

كما أظهرت مقاطع فيديو أخرى فلسطينيين بأعداد كبيرة على ظهر مركبات أو دراجات النارية، وهم يقتحمون فتحات في الجدار الحدودي لغزة، والجرافات الفلسطينية وهي تهدم أجزاء من الجدار العازل على حدود قطاع غزة، بينما عبر فلسطينيون إلى الجانب الآخر.

وأظهرت لقطات فيديو احترافية نشرتها فصائل المقاومة في غزة، مقاتليها وهم يجتازون سماء غلاف غزة بواسطة طائرات شراعية بسيطة، بالإضافة إلى نشر فصائل المقاومة مقاتليها وهم يطلقون صواريخ مضادة للدبابات على دبابة “ميركافا” إسرائيلية على طول حدود غزة.

وأظهرت الصور ومقاطع الفيديو التي نُشرت في وقت لاحق، فلسطينيين يحتفلون وهم يقفون فوق دبابة عسكرية إسرائيلية تم الاستيلاء عليها بعد أسر جنودها، حيث تم الاستيلاء على عدة دبابات مع الجنود الموجودين بداخلها.

وذكرت القنوات الإخبارية العالمية أن المقاومين الفلسطينيين وصلوا إلى 21 موقعاً مختلفاً داخل “إسرائيل”، كما أفادت القنوات بوقوع العديد من القتلى الإسرائيليين وإصابة مئات الجرحى.

وداخل المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية التي تسلل إليها المقاتلون الفلسطينيون، ظهرت لقطات مصورة لجنود يرتدون الزي الرسمي وإسرائيليين ممددين على الأرض قتلى، كما أظهرت لقطات أخرى مقاتلين فلسطينيين يدخلون منازل إسرائيليين، ويطلبون رؤية بطاقات هوية الأشخاص، بحثاً عن جنود الاحتلال.

وبينما لم تؤكد المصادر الرسمية بعد عدد الإسرائيليين الذين تم أسرهم، تُظهر مقاطع الفيديو الصادرة من غزة عدداً كبيراً من الإسرائيليين، أحياءً وأمواتاً، ممن تم أسرهم ونقلهم إلى غزة.

وتتضارب الأرقام لتطول عدد القتلى والجرحى والأسرى الإسرائيليين، والتضارب بفعل توابع “طوفان الأقصى”، من زلزال سياسي وأمني عصف بالمؤسسات الإسرائيلية. ويؤكد المحلل السياسي الفرنسي، فريديريك سيمون في مجلة “لوبوان” أن إسرائيل تفاجأت بهذا الهجوم، والجميع دون استثناء تحت الصدمة بسبب طبيعة الهجوم غير المتوقعة والعدد الكبير للضحايا.

وفي خان يونس، جنوب غزة، يظهر المقاتلون بفخر بعض الجنود الإسرائيليين الذين تم أسرهم ونقلهم إلى غزة بزيهم العسكري، وبحسب مواقع التواصل الاجتماعي فقد تم اختراق جميع خطوط الدفاع الإسرائيلية وأن الجيش الإسرائيلي لا يزال يحاول استعادة السيطرة على الوضع.

وبينما يُطلق على الهجوم المفاجئ إعلان حرب، لم تكن هناك أي علامات في الأيام التي سبقته على أن الصراع العسكري سيبدأ، فقد اندفع الفلسطينيون في غزة إلى الشوارع مع تدفق أخبار هجوم المقاومة، بينما أبقت العائلات التي تستعد للذهاب إلى المدرسة أطفالها في المنزل.

دعوات لحرب تحرير شاملة

على الأرض، يحتفل الفلسطينيون في غزة بالهجوم المفاجئ، بينما بدأ الحديث عن التحرير، حيث يؤكد المحللون أن هذا الهجوم قد وجه ضربة خطيرة لجيش العدو الإسرائيلي والأجهزة الأمنية.

فقد دعا القائد العام للجناح العسكري لحركة حماس إلى حرب شاملة ضد إسرائيل، قائلاً: ليس فقط من فلسطين، بل من كل المقاومة الإقليمية، بما في ذلك لبنان وإيران واليمن، مضيقاً “اليوم يفجر غضب الأقصى، وغضب أمتنا، وغضب كل الأحرار في العالم، هذا يومكم لتفهموا العدو أنه قد انتهى زمنه”.

ودعا الضيف في بيانه الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى قتال الإسرائيليين ومهاجمة المستوطنات المشيدة على الأراضي الفلسطينية، مؤكداً عدم المساس بالمسنين والأطفال.

وأشار أيضاً في بيانه، اليوم هو يومكم لتطهير الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية من المحتل ومستوطناته، مشدداً على ضرورة تنظيم الهجمات على كافة المستوطنات بكل الأدوات الممكنة والمتاحة … اليوم، بالنسبة لأي شخص لديه سلاح، فقد حان الوقت لاستخدامه.

وأضاف الضيف “اليوم يستعيد شعبنا ثورته ويعود لمشروع إقامة الدولة، موضحاً أن طوفان الأقصى أكبر مما يظن الاحتلال ويعتقد””

مضيفاً أنه “آن الأوان لأن تتحد كل القوى العربية والإسلامية لكنس الاحتلال الصهيوني، مشدداً على أن “كل من عنده بندقية فليخرجها فقد آن أوانها، موضحاً أن “من لم يستطع المشاركة في طوفان الأقصى بشكل مباشر، فليشارك بالتضامن”.

وقال الضيف، مخاطباً “المقاومة في لبنان إيران واليمن والعراق وسورية: “هذا هو اليوم الذي تلتحم فيه مقاومتكم مع أهلكم في فلسطين، ليفهم هذا المحتل الرعديد أنه قد انتهى الزمن الذي يعربد فيه، فيغتال العلماء والقادة. قد انتهى زمن نهب ثرواتك، فاليوم تُكتب أنقى وأشرف صفحة من التاريخ. “أكتبوا أسماءكم وأسماء عائلاتكم على صفحة المجد، أولئك الذين لا يستطيعون الانضمام فعلياً إلى الميدان يمكنهم الانضمام من خلال الاحتجاج وإظهار الدعم”.

وبعد سماع كلمة القائد العام للجناح العسكري لحركة حماس، ورؤية الهجمات غير المسبوقة داخل فلسطين المحتلة على المستوطنات المتاخمة لغزة، تجمهر أهل غزة بالقرب من السياج الإسرائيلي الذي قامت الجرافات الفلسطينية بهدمه، كما تجمع الناس في الشوارع خارج منازلهم، وبدأ الحديث عن التحرير وإمكانية عودة الناس إلى أراضيهم ينتشر كالنار في الهشيم.

وحمل العشرات  من الفلسطينيين أسلحتهم وتوجهوا إلى الحدود للدخول إلى فلسطين المحتلة، وأصدرت كافة الفصائل الفلسطينية في غزة بيانات أعلنت فيها مشاركتها الكاملة في العملية، وحثت الأهالي على الانضمام إلى معركة التحرير.

فهاهو الشاب محمود حسام، يقف وسط الحشود في شارع المنصورة شرق غزة، حيث كانت مجموعة من المواطنين يستقلون مركبة إسرائيلية استولوا عليها من الحدود الشرقية، ويقول “هذه هي المرة الأولى التي نقوم فيها بشيء كهذا من غزة، إنه يوم التحرير، وعلى جميع الفلسطينيين أن ينضموا إليه في مثل هذه الأوقات المجيدة، فقد حان الوقت كي تفهم “إسرائيل” أنها لا تستطيع بأي حال من الأحوال كسر الفلسطينيين”.

وبدوره، قال المتحدث العسكري باسم حماس أبو عبيدة في بيان له إن العملية لا تزال مستمرة كما هو مخطط لها، ودعا الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى التحرك الفوري نحو المستوطنات الإسرائيلية، مضيفاً، أن العدو سيصعق عندما يرى خسائره ويستيقظ من صدمته ويدرك فشله”.

وفي تعليق الصحافة الإسرائيلية على عملية “طوفان الأقصى”، كتب موقع “والا” العبري إن المقاومة تمكنت من مفاجأة من اعتبرت نفسها  أفضل الاستخبارات وأكثرها خبرة في العالم واستهزأت بأقوى نظام أمني في الشرق الأوسط، وأنها تمكنت من السيطرة على الحدث لساعات طويلة، لن تمحى من أذهان اللاعبين في المنطقة.

من جانبها، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” بعد خمس ساعات على بدء الهجوم، إن المقاومين اخترقوا خط الدفاع بأكمله في محيط قطاع غزة والجيش يحاول السيطرة على ما يحدث، وأضافت أن الصورة قاتمة، وأن مراكز الأمن في بعض  المستوطنات وقع  تحت سيطرة عناصر المقاومة، وحتى منتصف نهار أمس لم تكن “إسرائيل” أعلنت بوضوح ما يجري.

ويرى الباحث الفرنسي، بانجمان بارث، في صحيفة “لوموند” أنه بالنسبة للمؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية، التي ظلت مشلولة، وكأنها في حالة ذهول، طيلة الصباح، فإن هذا يشكل فشلاً غير مسبوق. ومن الواضح أن عملية بهذا الحجم تتطلب أشهراً من التحضير، ومع ذلك لم تعلم به أجهزة المخابرات الإسرائيلية، أما بالنسبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يعتبر أنه “سيد الأمن” في إسرائيل، فإن هذه الكارثة ستؤثر عليه شخصياً. ويرى جورج مالبرونو في صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، أن الهجوم الذي نفذته المقاومة سيكون له عواقب إقليمية كبيرة، من الممكن أن تعيد تشكيل الشرق الأوسط.