مجلة البعث الأسبوعية

“طوفان الأقصى” كشفت حقيقة الكيان الصهيوني.. القلق الوجودي يسيطر على المستوطنين.. والمشهد قابل للتطوّر

البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي:

لا يزال الكيان الصهيوني يعيش حالة من الصدمة التي أحدثتها عملية “طوفان الأقصى” البطولية التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في المغتصبات الفلسطينية عام 1948، حيث أجمعت الصحف الصهيونية على أن العملية أحدثت نوعاً من الصدمة ومناخاً من عدم الثقة بالمؤسستين الأمنية والعسكرية، فالتخطيط الدقيق الذي وقف وراء العملية وأسلوب المباغتة عبر اقتحام الأراضي الفلسطينية المحتلة براً وبحراً وجواً، وكذلك أساليب التواصل التي استخدمها المقاتلون الفلسطينيون أثناء العملية من خلال الأجهزة المتطوّرة، والحصيلة الفعلية لقتلى الجيش الإسرائيلي من الضباط والعسكريين، كل ذلك أربك جهاز الاستخبارات الصهيوني وجعله في مرمى اتهام المستوطنين الذين اتهموا قادة الجيش بأنهم تركوهم وحيدين في مواجهة المقاومين الفلسطينيين.

 

قلق غربي واضح

وأكبر دليل على أن العملية أحدثت زلزالاً عنيفاً داخل الكيان الصهيوني وداعميه، أن الولايات المتحدة قرّرت تحريك حاملة الطائرات “يو أس أس جيرالد آر فورد” والسفن الحربية المرافقة لها إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، حسبما أعلن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الذي أشار إلى تعزيز أسراب الطائرات المقاتلة في المنطقة، في موازاة مواقف غربية تقليدية فرنسية وألمانية وبريطانية وكندية داعمة للكيان الصهيوني.

وهذا السيناريو إذا ما حدث بالفعل فإنه سيجعل من الطبيعي تصعيد الوضع في المنطقة بالكامل، حيث سيؤدّي التدخل الغربي في المعركة إلى دخول أطراف أخرى، الأمر الذي يمكن أن يتدحرج إلى حرب إقليمية كبرى، وخاصة أن أطراف محور المقاومة لا تزال تراقب الوضع عن كثب، وتكتفي إلى الآن بدعم المقاومين الفلسطينيين في عمليّتهم التي انطلقت أصلاً دفاعاً عن الأقصى وعن الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الصهيونية.

ولا شكّ أن الأنباء الواردة من الكيان الصهيوني، وهي لا تزال ضمن التسريبات إلى الصحافة، حول عدد القتلى الإسرائيليين الذي لا يعدّ رقماً رسمياً للقتلى، أثارت المزيد من المخاوف في العواصم الغربية الداعمة لكيان الاحتلال، حيث ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، أنّ التقديرات الأخيرة تشير إلى وصول عدد القتلى الإسرائيليين إلى أكثر من 1000، وعدد الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية إلى أكثر من 150، من بينهم قيادات كبيرة في الجيش والموساد، الأمر الذي يؤكّد حجم المأزق الذي أحدثته العملية لحكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو الذي أطلق مجموعة من التصريحات التي تنمّ عن حجم التخبّط الذي يعانيه على خلفية العملية، فضلاً عن حالة الذعر السائدة في الشارع الصهيوني وتوجّه عدد كبير من المستوطنين إلى المطارات لمغادرة الأراضي المحتلة.

كل ذلك بالإضافة إلى أنباء مؤكّدة عن هبوط العملة “الإسرائيلية” بشكل كبير، وارتفاع أسعار النفط في العالم على خلفية التطوّرات الأخيرة، يشير إشارة واضحة إلى أن الأمر ليس كما يحاول الإعلام الغربي والصهيوني تسويقه من أن العدو قادر على الخروج من تبعات هذه العملية، حيث يدرك الساسة الصهاينة، ومن ورائهم قادة الدول الغربية الداعمة لهم، أن الأمر كان مفاجئاً إلى حدّ كبير، وأن عملية “طوفان الأقصى” تلقّت دعماً واضحاً وكبيراً من دول المحور بأكمله، وبالتالي فإن الأمر حصل على قدر عالٍ من التخطيط والتنسيق بين أطراف المحور، ولن يكون بإمكان الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن تقرأ المشهد ضمن سياقه الموسّع، وهو أن أيّ تدخّل في هذه الحرب من الخارج سيؤدّي إلى دخول أطراف إقليمية في الحرب، وبالتالي توسّع دائرة الحرب إلى أماكن أخرى، وهذا بالضبط لا يزال إلى الآن يلجم الغرب عن إطلاق التصريحات البعيدة والاستفزازية.

 

فشل استخباراتي

وأكّدت وسائل إعلام الكيان الصهيوني أن هناك فشلاً استخباراتياً واضحاً لدى سلطات الاحتلال، حيث قال مراسل ومحلّل الشؤون العسكرية في “القناة الـ12” الإسرائيلية، نير دفوري: إنّ المقاومة “استعدّت للعملية الكبيرة مع أجهزة اتصال لا يعرفها الجيش الإسرائيلي”، مؤكّداً أنّ الاستخبارات الإسرائيلية لم تعلم بتاتاً عن أجهزة الاتصال التي استخدمها مقاتلو المقاومة الفلسطينية.

وأجرت شبكة “سي إن إن” الأميركية مقابلةً مع رئيس جهاز “الموساد” الإسرائيلي السابق، أفرايم هاليفي، أكّد خلالها أنّ الاحتلال “لم يملك أي إنذار بأي شكلٍ من الأشكال”، ومِن وجهة نظر المسؤولين في كيان الاحتلال، يُعدّ “ما جرى خارج نطاق الخيال”، بينما نعى المُعلّق العسكري في موقع “مكور ريشون” الإسرائيلي، نوعم أمير، الاستخبارات الإسرائيلية بقوله: إنّ “إسرائيل تحوّلت من قوّة استخباراتية كبرى في العالم إلى قوّة لا يوجد لديها أيّ استخبارات، خلال يومٍ واحد فقط”، مقارناً بين الفشل الاستخباراتي الحالي والفشل الاستخباراتي قبل 50 عاماً في حرب تشرين التحريرية عام 1973.

وشدّد الإعلام الإسرائيلي، على أنّ “هذه المعركة فاجأت إسرائيل بشكلٍ مطلق، من دون أي معلوماتٍ أو مؤشرات أو إنذارات”، عازياً ذلك إلى فشلٍ استخباراتي كبير.

 

قلق وجودي صهيوني

ومهما حاول قادة الاحتلال الصهيوني التخفيف من حدّة الصدمة على خلفية هذه العملية الناجحة، فإنهم لن يستطيعوا مطوّلاً إخفاء حجم الهزيمة التي تعرّضوا لها، أو التخفيف من القلق والخوف اللذين تعرّض لهما الشارع الصهيوني، حيث إن القلق الوجودي تضاعف في الشارع على خلفية العملية، وصار المستوطنون يفكّرون فعلياً بالوجهة القادمة لهم، والبلدان التي ينبغي عليهم الهجرة إليها مجدّداً، فالمشاهد التي بثّتها المقاومة الفلسطينية حول الأسرى والقتلى في صفوف جيش الاحتلال أعادت إلى الواجهة مشاهد القتلى والأسرى الإسرائيليين في حرب تشرين، وخاصة أن العملية تزامنت مع الذكرى الخمسين لهذه الحرب التي تمكّن فيها الجيشان السوري والمصري من تحطيم أسطورة جيش العدو الذي لا يُقهر، الأمر الذي أثار القلق الوجودي مجدّداً في صفوف الصهاينة.

والأهم من ذلك، أن الإعلام الصهيوني ما زال يتحدّث منذ فترة ليست بالقريبة عن هذا القلق الوجودي، والخوف من الخراب الكبير وزوال ما يسمّى “دولة بني إسرائيل”، حيث ترسّخ في أذهانهم أن هذا الأمر بات قريباً جداً على خلفية التناقضات الشديدة بين الحكومة الصهيونية ومعارضيها، وانقسام الشارع عمودياً بين مؤيّد للتعديلات القضائية التي جاءت بها حكومة نتنياهو ومعارض لها.

 

الحرب النفسية التي رافقت العملية

وبالنظر إلى الطريقة التي تعامل بها المقاومون الفلسطينيون في نقل المشاهد الأساسية للعملية إلى العالم، من خلال بث مشاهد واضحة لاقتحام مستوطنات العدو ومواقع قواته، فضلاً عن توثيق حالات الأسرى من الجنود والضباط الصهاينة، وقيام العدو الصهيوني باستهداف أسراه لدى الفصائل بشكل مباشر، والنقل المباشر لعمليات القصف المتواصل لمرافق العدو الأساسية، ومنها مطار بن غوريون، والاشتباك مع العدو من أماكن قريبة والسيطرة على المعابر، ومشاهد الجنود والمستوطنين الصهاينة الفارين من المعركة، يتبيّن أن هذا التوثيق كان يُراد منه إحداث الصدمة في الداخل الصهيوني وبث روح اليأس من إمكانية الخروج من هذا المأزق، حيث نقل الإعلام الإسرائيلي ذاته مشاعر السخط والنقمة على قادة الاحتلال واتهامهم بالخيانة والعجز عن حماية المستوطنين وتركهم لمصيرهم، الأمر الذي يؤكّد أن الحرب النفسية التي مارسها المقاومون حقّقت المراد منها، وليس كما يدّعي قادة الاحتلال ومن بينهم رئيسة جهاز الاستخبارات غيلا غملئيل التي زعمت أن “إسرائيل” ستذهب حتى النهاية في الحرب في قطاع غزة، ملمّحة إلى أن وجود مختطفين في القطاع لن يؤثر في هذا القرار، إذ إن هذا الأمر بالذات سيكون مادة أخرى في الحرب النفسية التي سيتعرّض لها الشارع الصهيوني، وهي تعلم جيّداً مدى الارتباط بين هذا الشارع والجنود الصهاينة على الجبهة، حيث يزداد عدد الجنود الرافضين لطلبات الاحتياط ضمن هذا الجو من عدم الثقة الذي يجعل الأسرى رخيصين إلى هذا الحدّ عند قياداتهم.

 

آثار اقتصادية هائلة

ومع هبوط العملة الإسرائيلية إلى أدنى مستوى لها منذ 8 أعوام تقريباً مقابل الدولار، على خلفية تصاعد حدة المعارك بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث أكّدت وكالة “رويترز” ذلك، وتأثير عملية “طوفان الأقصى” بشكل كبير في الاقتصاد الإسرائيلي، حيث أدّت إلى شلّ العديد من القطاعات داخل “إسرائيل”، وألغت عدة شركات طيران دولية رحلاتها إلى “إسرائيل”، بالإضافة إلى إلغاء حجوزات الفنادق وهروب السياح، فإن المشهد بالفعل بات يؤثّر بشكل كبير في الكيان الذي يعيش إرباكاً وتخبّطاً واضحاً منذ أن أطلقت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عمليتها، مكبّدةً الاحتلال خسائر فادحة، وموقعةً في صفوفه مئات القتلى وآلاف المصابين، بالإضافة إلى أسر عدد كبير من الجنود.

هذا الكيان الذي يعتمد في اقتصاده على المساعدات الغربية والأمريكية، سيجد نفسه بعد مناخ انعدام الثقة الذي بثّته العملية وهروب المستثمرين، عاجزاً أمام حل كثير من المشكلات الاقتصادية التي يعانيها، وخاصة في الوقت الحالي الذي استنزف فيه الغرب موارده في دعم النظام الأوكراني في الحرب على روسيا، وبالتالي فإن الغرب سيجد نفسه هو الآخر عاجزاً عن تقديم دعم كبير لهذا الكيان في ظل نقص الموارد الذي يعانيه.

 

التخبّط واضح على الجبهة

وقد أشار الإعلام الإسرائيلي إلى وجود فوضى وتخبّط في منطقة “غلاف غزة” خصوصاً، حيث تزداد هناك الإصابة والقتل الخطأ، إذ يرفض المستوطنون التوقف، ظنّاً منهم أنّ الجنود عناصر من المقاومة، متنكرين بزي “الجيش” الإسرائيلي، بينما يقوم جيش الاحتلال بالردّ عبر إطلاق النار عندما يرفض المستوطنون الأوامر بالتوقّف، لاعتقاده أنّ المستوطنين فلسطينيون.

وقد ظهر ذلك واضحاً عند الحدود مع لبنان، حيث اشتبهت قوة إسرائيلية بمستوطن كان يقود شاحنة عند بوابة “شتولا”، المستوطنة المقابلة لبلدة عيتا الشعب اللبنانية، فأطلقت النار باتجاهه، بينما هاجم المستوطن القوة الإسرائيلية، معتقداً أنّها تابعة لحزب الله، ودهس 5 جنود منها، ما استدعى حضور 5 سيارات إسعاف نقلت المصابين، ومنها إلى إحدى المروحيات.

هذه الروح القتالية التي امتلكتها المقاومة الفلسطينية باقتحام المستوطنات، جعلت  وسائل إعلام إسرائيلية تتحدّث عن وجود خشية بشأن عدة إصابات، وذلك نتيجة حوادث إطلاق النار، “من قواتنا على قواتنا”، على حدّ تعبيرها، حيث اشتبك جنود إسرائيليون مع بعضهم عند محاولتهم استرداد مستوطنة “سديروت”، ما أدّى إلى سقوط قتلى وإصابات في صفوفهم.

والأهم في هذا الموضوع أنه بعد أكثر من 40 ساعةً من بدء القتال، لم يحقق “الجيش الإسرائيلي” أي سيطرة في “غلاف غزة”، باعتراف وسائل إعلام إسرائيلية، حيث تحدّث إعلامه عن وجود 30 ثغرة من البحر حتى الحدود، وبالتالي الجيش لا ينجح في منع العبور ولا في معالجة الأحداث داخل الأراضي.

هذا التخبّط دفع رئيس حكومة الاحتلال السابق، نفتالي بينيت، إلى القول: إنّ “الصورة الكبيرة قاسية ويصعب استيعابها”، بينما أكّد مراسل “القناة 13” في الجنوب، ألموغ بوكير، أنّ “الصور على الطرقات المؤدّية الى سديروت بعد 35 ساعة هي أمرٌ لا يعقل”، متحدثاً عن “إطلاق نار دون توقف وطلقات اخترقت السيارات، وجثث لا تزال مرمية على الطريق”.

 

الموقف في الشمال يثير الرعب

ولا يزال قادة الكيان الصهيوني إلى الآن يستبعدون فرضية فتح جبهة أخرى مع المقاومة اللبنانية في الشمال، لأنهم لا يريدون بثّ مزيد من الرعب في الشارع الإسرائيلي المحبط أصلاً من عجز حكومته الاستخباري الواضح رغم امتلاكها أحدث الأجهزة المتطوّرة في المراقبة والتحكم والحرب الإلكترونية، حيث ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أنّ الحدود مع لبنان ليست كالحدود في الجنوب (قطاع غزة)، مؤكدةً أنّ “إسرائيل” لا تريد معركة في الشمال، وذلك في ظل خشية واضحة من تطوّر الأمور على الجبهة اللبنانية، الأمر الذي دفع قادة الكيان إلى إرسال أعداد كبيرة من الجنود إلى تلك الجبهة وتفعيل بطارية صواريخ “الباتريوت” في صفد شمال فلسطين المحتلة، مع وجود خشية كبيرة من تطوّر المشهد هناك إلى عملية مماثلة للمقاومة اللبنانية.

هذا القلق الصهيوني عزّزه البيان الذي أصدرته المقاومة الإسلامية في لبنان، من أنّ مجموعات الشهيد القائد الحاج عماد مغنية قامت بالهجوم على 3 مواقع ‏للاحتلال الإسرائيلي في منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، حيث أكّد حزب الله أنّ الاستهداف جاء “‏على طريق تحرير ما تبقى من أرضنا اللبنانية المحتلة، وتضامناً مع ‏المقاومة الفلسطينية المظفرة والشعب الفلسطيني المجاهد والصابر”.

وهذا البيان يؤكّد من جهة ثانية أن المقاومة اللبنانية لن تترك المقاومة الفلسطينية وحدها في المعركة ولن تقف على الحياد، ويمكنها اتخاذ القرار في أيّ لحظة بالاشتباك مع العدو الصهيوني وخاصة أن العدو لا يزال يحتل أراضي لبنانية، الأمر الذي دفع وسائل إعلام إسرائيلية إلى الإعلان أنّ “الجبهة الشمالية فُتحت”، مؤكدة “إطلاق قذائف هاون باتجاه مواقع في الشمال” وأنّ المستوطنين في الشمال “لا يثقون بالجيش الإسرائيلي نهائياً”، بينما يصرّ قادة الاحتلال على عدم استفزاز المقاومة اللبنانية واستدراجها إلى أرض المعركة.

 

أهالي الأسرى الصهاينة ناقمون

يعكس تساؤل أحد المستوطنين في غلاف غزة: “أين كذبة الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو العظيم”، واصفاً رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وأعضاءها، ورئيس الأركان بأنهم “أصفار، وكلمتكم لا تساوي شيئاً، وأنتم كلاب وأبناء كلاب”، ليؤكّد مرّة أخرى أن الكيان الصهيوني ذاته يقسّم المجتمع الصهيوني إلى طبقات، فسكان المستوطنات الجنوبية مهمّشون ولا يحظون بالعناية والاهتمام من جانب الحكومة التي تركتهم لمصيرهم، الأمر الذي فسّرته رسائل الغضب والانتقاد التي أطلقها هؤلاء المستوطنون عبر وكالات الأنباء العالمية متسائلين: “بأي سيناريو يحدث أمر كهذا في إسرائيل؟”.