اقتصادصحيفة البعث

كحال “بالع الموس على الحدين”…؟!

قسيم دحدل

من المعروف أن ارتفاع أسعار الفائدة يؤدي إلى ارتفاع كلفة الإقراض للشركات والمستثمرين ورجال الأعمال، وهذا يعني ارتفاع أسعار السلع المتجهة للمستهلك النهائي، وبالتالي الاستمرار في ارتفاع التضخم ودخول الاقتصاد بما يُسمّى بـ “التضخم الركودي أو الانكماشي..”.

وهذا النوع من التضخم والذي يكون مصحوباً بركود، يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع لأعلى من متوسط الدخل، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى عزوف المستهلكين عن شرائها، ويكون هذا في مراحله الأولى صحياً، لأنه يعالج التضخم، إنما إذا زاد وارتفع، فستشهد الأسواق ركوداً وتزيد معدلات البطالة ويدخل الاقتصاد في ركود يكون من الصعب الخروج منه.

ونظراً لكون الهدف الرئيسي لدى البنوك المركزية هو “استقرار الأسعار”، فإنها ومن أجل تحقيق هذا الهدف، وبالتالي كبح جماح التضخم أو مواجهة الركود، تلجأ لاستخدام أدوات مختلفة لديها، وعلى رأسها “سعر الفائدة”، وهو ما لجأت إليه البنوك فعلاً منذ العام الماضي، باتباعها سياسة التشدد النقدي ورفع الفائدة لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة، علماً أن اللجوء لتعديل سعر الفائدة (رفعاً أو خفضاً) يتمّ استناداً لمعدلات التضخم، بحيث إذا ما ارتفعت معدلات الأخير يتمّ رفع الفائدة لكبح جماحه، بينما إذا وصل إلى المعدل المستهدف (الحدود الطبيعية) فيتمّ خفض الفائدة.

هنا من المفيد التذكير بمنعكسات خفض ورفع الفائدة، إذ يعتبر سعر الفائدة المنخفض محفزاً على الاقتراض، وهو ما يؤدي بدوره لمزيد من الإنفاق، ومن ثم زيادة الحركة الاقتصادية وكذلك مبيعات الشركات وارتفاع الأرباح، بينما على العكس، في حالة ارتفاع الفائدة، فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض على مستوى الأفراد والشركات، وخفض الإنفاق والطلب على السلع بشكل عام -كما ذكرنا- وهو ما يعني انخفاض أرباح الشركات وتأجيل خطط توسعتها وتطويرها بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض (وبما قد يقود إلى الركود).

أمام شبه المسلّمات النقدية والاقتصادية السالفة الذكر، يتساءل السوريون: ونحن كيف واجهنا ونواجه التضخم الذي وصل إلى معدلات خطيرة جداً؟! خاصة وأننا لم نقم لا برفع سعر الفائدة ولا بخفضها، وبالتالي فالحديث عن إيجابيات وسلبيات (الرفع أو الخفض) وغيرهما غير متوفر لعدم توفر الإجراء الواجب اتخاذه للحدّ من التضخم الذي بات ينهش جيوب معظم السوريين، ويُنغض عيشهم ومعيشتهم اليومية، وخاصة بعد أن فقدت (الألف ليرة وليس الخمسمائة ليرة فقط) ما فقدته من قوة شرائية!!.

والمصيبة أن حالنا أصبحت كحال “بالع الموس على الحدين”، فلا إن لجأ “المركزي” لرفع الفائدة سنستفيد (خفض معدلات التضخم) ولا إن خفَّضها سنستفيد! لأن خفض الفائدة لا يمكن أن يؤدي إلى نتائج اقتصادية إيجابية، إلاَّ في حال واحدة فقط وهو أن يكون لدينا بالفعل ماكينة اقتصادية قوية تستفيد من توافر السيولة؛ فبحسب النظرية النقدية لا يمكن امتصاص السيولة الزائدة في الاقتصاد إلا من خلال رفع مستوى الإنتاج أو الحدّ من الحركة الاقتصادية عن طريق كبح الطلب الاقتصادي العام، لكون ذلك يخفض من سرعة دوران النقود، فيتلاشى تأثير السيولة العالية. وهذا للأسف الشديد ليس بالمستطاع عليه حالياً على الأقل؟!.

والنظرية النقدية ذاتها تقول إنه في حال عدم المقدرة على رفع الإنتاج ولا خفض حدة الطلب العام، فلا بدّ أن يتمّ امتصاص السيولة عن طريق ارتفاع الأسعار؛ فهل هذا ما يحدث عندنا؟!.

والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه: إذا كانت الحالة الاقتصادية السورية، من الفرادة والخصوصية الفائقة الدقة والحساسية ما يستدعي قرارات من السمة نفسها (أي قرارات خاصة وفريدة..)، فلماذا لا نتخذها، أو بالأصح، ما المانع الذي يحول دون اتخاذها؟!!

Qassim1965@gmail.com