تحقيقاتصحيفة البعث

هل يعمل الصحفيون السوريون ضمن أجواء مناسبة؟

قطعاً إن لم تكن بيئات العمل مناسبة للعاملين بشكل عام، فلن يكون إنتاجهم بالسوية التي تريدها المؤسّسة، لا بالكمّ ولا بالنوع، فالشعور بالظلم وعدم تقدير المجهود الذي يبذله العامل غالباً ما يسبّب له الشعور بالإحباط واليأس، وهذا ما يدفعه للتقاعس في عمله وعدم إتقانه بالشكل المطلوب، وهذا بالتأكيد ما يوهن المؤسسة ويجعلها خاسرة.
مبعث إثارة هذا الكلام تأتي بمناسبة اليوم العالمي للعمل اللائق الذي يصادف في السابع من تشرين الأول من كل عام، والذي يتوافق مع إصدار قرار الكونفيدرالية النقابية العالمية عام 2008 لتعزيز فكرة العمل اللائق للحصول على الحقوق الأساسية للعاملين، وخاصة حقهم في العمل اللائق والكرامة.
إذاً العمل اللائق يجسّد أمنيات وأحلام وتطلّعات الأفراد في حياتهم المهنية بشكل عادل وآمالهم المعلّقة أو المؤجلة في الحصول على حقوقهم المشروعة وتحقيق الاستقرار المالي والاجتماعي الذي يساعدهم في تحقيق الجودة والنوعية في عملهم.
هنا ثمة سؤال يمكن طرحه: ماذا عن واقع العمل في الصحافة السورية، وهل يعمل الزملاء الصحفيون في بيئات عمل مناسبة؟.

بيئة خاصة
لا شكّ أن العمل في الصحافة والإعلام له خصوصية تختلف عن غيره من الأعمال، فهو يحتاج لجهد فكري يعتمد على الخلق والإبداع، عدا عن أنه عمل ميداني يتطلب الكثير من الجهد العضلي، وركوب المخاطر التي تعرّض الصحفي للكثير من الأضرار الجسدية والنفسية وقد تودي بحياته مع استمرار معاناته.

يوجد خلل
بكلّ شفافية نقول إن الصحفي السوري يعاني في عمله، فغالبية الزملاء الذي قابلناهم اشتكوا من عدم توفر كامل مستلزمات العمل الصحفي داخل مؤسساتهم، وإن وُجدت فهي قديمة ولم تعد تتماشى مع زمن الذكاء الاصطناعي، كما اشتكى الزملاء من أن تعويض الاستكتاب ضعيف جداً قياساً بالجهد الذي يبذلونه، والظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها الصحفي، ما يجعله يفكّر بتأمين لقمة عيشه بدلاً من الاهتمام بجودة مادته الصحفية.
ولا تتوقف معاناة الزملاء الصحفيين عند نقص الأدوات والمستلزمات وغياب الحوافز المادية المشجعة للعمل، وإنما اشتكى العديد منهم من عدم تقدير خبراتهم ومهنيتهم العالية، في إشارة إلى تهميشهم وعدم إعطائهم الفرصة في المفاصل الإدارية المهمّة.

عتب وعجب..!  
أحد الزملاء الصحفيين علّق على البيان الذي أصدره المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين بمناسبة اليوم العالمي للعمل اللائق، والموجّه للاتحاد الدولي للصحفيين، والذي أكد فيه أن الصحفيين والعاملين في الصحافة في سورية يعملون وسط ظروفٍ بالغة الصعوبة والخطورة نتيجة الحرب والحصار، ومع أهمية الإشارة إلى هذا الكلام، إلا أن الزميل الصحفي انتقد غياب الإشارة في البيان إلى ما يعانيه الصحفي السوري من صعوبات وظلم فيما يتعلق بطبيعة العمل الصحفي التي لم تقرها أو توافق عليها الحكومات المتعاقبة رغم المطالبات العديدة، وذلك أسوة بباقي النقابات والقطاعات الأخرى التي حظيت مؤخراً برفع سقف التعويضات بنسب كبيرة، متسائلاً: كيف ستكون بيئات العمل لائقة ومناسبة للعمل الصحفي وأبسط حقوق الصحفي المشروعة محروم منها، والتي تساعده على إنجاز عمله الصحفي بما يليق بمكانته ومهنته التي توصف بمهنة المتاعب؟
وقالت إحدى الزميلات: ليس مقبولاً أن تتكرّر مطالب الصحفيين بحقوقهم في كل مناسبة، مضيفةً: واقع الحال لم يتغيّر والأماني والآمال تبقى على حالها كمن ينتظر على قارعة طريق الأمل دون جدوى! فيما رأى العديد من الزملاء أن توجّه وزارة الإعلام لجهة تفعيل القيادات والمفاصل والكوادر الإعلامية في مؤسساتها ضمن إطار عمل لا مركزي ما زال خجولاً، وهذا ما يؤثر على أداء العمل الإعلامي ويفقده المرونة ويحرم الكفاءات التي تتوق للعمل.

النهوض بالمهنة 
بالمختصر، هموم كثيرة يحملها الجسم الصحفي ويتطلع الصحفيون في كل مؤتمر سنوي أو عام، أو حتى من خلال اجتماع أو لقاء مع المعنيين لحلها والنهوض بالمهنة الصعبة، وانتشالها من واقعها الصعب، والارتقاء بواقع العمل الصحفي، أي إيجاد بيئة عمل مناسبة مهنياً ومادياً وتشريعياً، وهذا ما نأمله من قانون الإعلام الجديد المنتظر، مع العمل على ضمان تقاعد يليق بالخدمات الجليلة التي قدمها الصحفي طوال وجوده على رأس العمل.
ورغم كلّ شيء، وكما جاء في بيان اتحاد الصحفيين: “سيستمر الصحفيون العاملون في الصحافة ببذل الجهود المضنية في سبيل إنجاز عملهم الصحفي بما يليق بمكانة وقدرة وتميّز الصحفي السوري، مدركين جسامة المسؤولية التي تفرضها مهنة الصحافة أخلاقياً واجتماعياً، مؤمنين برسالتهم الإعلامية وواجبهم الوطني”.
يُذكر أنه ، وكما جاء في كلام سابق لوزارة الإعلام، “لم يحصل تطوير على القوانين في قطاع الوزارة والمؤسّسات الإعلامية، منذ عام 2011، فضلاً عن الاستكتاب والتعويضات، ورواتب الإعلاميين مرتبطة بقانون العاملين الموحد”.
في الختام، الصحفيون تعبوا من “النق” في المطالبة بحقوقهم، فهم ينقلون هموم الوطن والمواطن، فمن ينقل همومهم ويحلّ مشكلاتهم وقضاياهم؟!

غسان فطوم