المازوت والحطب برعاية السوق السوداء.. والتوجّه لـ “تسميك” البطانيات وسط العجز عن وأده
البعث الأسبوعية- ميس بركات
يبدو أن رحلة البحث عن الدفء هذا العام لم تبدأ ككل عام منذ أشهر الصيف، فأسعار الحطب التي تجاوز سعر الطن منها المليون ليرة في الصيف ليصل إلى مليوني ليرة هذا الشهر حذفته من قائمة الحلول البديلة للمازوت الذي هو الآخر تم إلغاء التفكير باحتوائه في المنازل بشكل نهائي بعد ارتفاع سعره خلال فصل الصيف أكثر من مرة واستحالة قدرة المواطن حتى على شراء خمسين لتر من السوق السوداء لإشعال القليل من الحطب أو الثياب القديمة أو حتى البلاستيك في ذروة البرد وبقاء المواطن بانتظار وعد استلام مخصصاته من هذه المادة لبيعها بالسعر الحر لا التدفئة عليها كونها لا تقي برد عظام أطفالهم أكثر من أسبوع في حين سعرها لربّما يؤمن لهم طعام شهر لاسيّما وأن سعر اللتر تجاوز حائط الـ 17 ألف خلال هذا الشهر إيذاناً بتجاوز سعره إلى العشرين ألف مع اشتداد البرد وغير ذلك من التوقعات والتبؤات بسلسلة ارتفاعات جديدة جعلت تفكير المواطن يخرج من دائرة البحث عن الحطب والمازوت للتدفئة والتوجّه نحو “تسميك” الأغطية قدر المستطاع.
غياب ثقافة الشكوى
توسع السوق السوداء الخاصّة بالمحروقات وانتشارها على طول الطرقات والاسترادات دون خوف من العواقب التي من المفترض أن تكون قسوتها كفيلة بانخفاض المتاجرين بهذه المادة، لا زال يلقى زبائنه من تجار الأزمات والكثير من الفاسدين ممن لن تنقص ثروتهم في حال شرائهم مئات اللترات من المحروقات بسعرها “الأسود”، إلّا أن غش واستغلال تجار هذه السوق تجاوز حدود السعر المرتفع وصولاً إلى التلاعب بالمادة المطروحة من خلال خلطها بالماء وبيعها خلال ساعات الليل لتجنّب كشف الغش من قبل الشاري، فعلى الرغم من وقوع الكثير من المواطنين العام الماضي ضحية هذه النماذج إلّا أن امتلاء صفحات التواصل الاجتماعي بإعلانات عن وجود كميات كبيرة من المازوت هذا العام ازداد وازدادت معه القصص التي تروي وقوع البعض في ذات الفخ. إلّا أن غياب ثقافة الشكوى- بحسب الضابطة التموينية في ريف دمشق – كون أغلب عمليات النصب والاحتيال تقع في الأرياف، أدى لتفاقم عمليات الغش والتلاعب بهذه المادة حصراً خلال أشهر الشتاء ومن خلال صفحات وهمية سرعان ما يتم تهكيرها بعد أن تتم عمليات البيع. ونوّهت الضابطة التموينية في ريف دمشق باستعدادها التام لتلقي الشكاوى الواردة بشأن المخالفات على مدار الساعة، إلّا أن الشكاوى التي ترد حتى اليوم لم يتم إثبات الجرم فيها بشكل قاطع نتيجة عدم امتلاك المواطن لأدلة حقيقية وفقدانه التواصل مع البائع، أما في ثبت الجرم عليه فيتم ضبطه ومصادرة المادة وإحالته للقضاء.
سماسرة الحطب
وبعيداً عن المحروقات التي ما عادت تدفئ من برد، فلم ينج الحطب هو الآخر من وقوعه في ملعب السوق السوداء والمتاجرة به بأرقام خيالية تفوق قدرة فلاحي الريف الأحوج على التدفئة على نيران الحطب بسبب البرودة الزائدة، فمع استباحة السماسرة وتجار الحطب قدسية الشجرة بشكل مخيف وعلني خلال الأعوام الأخيرة، تحت ذرائع توفير الدفء ومصادر الحرارة للمواطنين، إضافة إلى التفحيم، وغير ذلك من الحجج، كانت غاباتنا تتجه للتصحر شيئاً فشيئاً مع عدم تحقيق هدف التجار “الظاهري” بتوفير الدفء بسعر رخيص للمواطن، خاصّة مع تجاوز سعر الطن منه المليوني ليرة قُبيل بدء فصل الشتاء، وعزوف المواطنين في المدن عن شرائه ، في حين توجّه الفلاحون لقطع أشجارهم المثمرة خاصة التفاح والحمضيات، ممن عزفت الجهات المعنية عن تسويقها بشكل مربح لهم، لتشهد القرى الساحلية ازدحاماً بالسيارات الجوالة لشراء الأحطاب من الفلاحين ممن قطعوا أشجارهم أو حتى امتهنوا التحطيب الجائر خلال الصيف لبيعها والمتاجرة بها وتأمين مصدر دخل لهم خلال أشهر الشتاء، والاحتفاظ بالقليل من الحطب لتدفئة أسرهم. ولم ينف علي ثابت، مستشار وزارة الزراعة لشؤون الحراج، عدم القدرة على قمع هذه الظاهرة بشكل كلي رغم جميع التعاميم والضبوط المُحالة، لافتاً إلى أن مخالفات القطع والتهريب يتم ضبطها من قبل عناصر الضبط الحراجي ومصادرتها وحجزها في المديرية ومصادرة الحمولة لكل آلية لا تحمل رخصة نظامية في نقل الأحطاب، إلا أن العناصر التابعة للوزارة لا تكفي وسط ازدياد هذه الظاهرة، لافتاً إلى أن عدد الضبوط الحراجية العام الماضي كان 2916، في حين وصل عدد الضبوط لهذا العام إلى 2302 ضبط، مشيراً إلى أن ممتهني القطع مسلحون بأسلحة لترهيب عناصر الضابطة، بالتالي لا يمكن ضبط جميع عمليات السرقة والتحطيب في جميع المناطق الحراجية، إلّا أن الضابطة تعمل قدر المستطاع ضمن الإمكانيات المتاحة. وحول كيفية التعامل مع الضبوط تحدث المستشار ثابت عن وجود ما يسمى الضابطة الحراجية التي تحوّل الضبط إلى المحكمة، وعن طريق ممثل الدعاوى الحراجية في وزارة العدل يتم استدعاء المخالفين المذكورين في الضبط وإحالتهم إلى القضاء المختص أصولاً لفرض العقوبات الرادعة بحقهم في ضوء القوانين والأنظمة النافذة.
وأد السوق السوداء
يُجمع أهل الاختصاص على عدم جدية الجهات المعنية بوأد السوق السوداء التي سيطرت على تفاصيل المستلزمات المعيشية الضرورية للمواطن وأدنى متطلباته، وهي تكتفي بمطالبة المواطنين بمساعدة الحكومة لضبط السوق والإكتفاء بمخصصاتهم من المحروقات، لا التواطؤ مع التجار والشراء منهم، ليترك المواطن أمام عشرات التساؤلات فيما إذا كانت المخصصات من 50 لتر مازوت كفيلة ببث الدفء لأشهر طويلة وقاسية في حال التزمت الحكومة بتوزيعها مع مطلع الشتاء! وكيف يستطيع المواطن “المعتر” ضبط سوق سوداء كاملة عجزت حكومته عن ضبطها، كذلك استنكر الخبير الاقتصادي عامر شهدا ما يسمى ضبط سوق سوداء، في الوقت الذي يجب على الحكومة محاربة هذه السوق من خلال توفير المادة بكميات كبيرة لجميع المواطنين عند الطلب وفي حال وصولنا لهذه المرحلة سيتم وأد هذه السوق، لكن ما يجري اليوم هو تجاهل حقيقي لقوانين السرقة والتهريب والهرب من تطبيقها عن طريق اختصار القانون بقرار غير مدروس وغير قابل للتطبيق على أرض الواقع.