مجلة البعث الأسبوعية

هل يلتقط صناعيو حلب فرصة الشراكة الاستراتيجية مع الصين لتعزيز العملية التصديرية؟.. قواسم مشتركة لا تخلو من التحديات والمطلوب إنتاج بيئة استثمارية مرنة على مبدأ “دعه يعمل دعه يمر”

“البعث الأسبوعية” – معن الغادري

تستند العلاقات السورية الصينية منذ القدم إلى جذور تاريخيه عميقة، وشراكة متوازنة وتحالف استراتيجي في جميع المجالات السياسية والإقتصادية والثقافية، وذلك من خلال القواسم والمصالح المشتركة، والتي عززتها وعمّق جذورها، زيارة السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة الأولى أسماء الأسد الأخيرة إلى الصين.

هذه الزيارة التاريخية نجحت إلى حد بعيد في رفع مستوى العلاقات الثنائية المشتركة، وأنتجت شراكة استراتيجية حقيقية بدأت تؤتي ثمارها وفق معايير وأسس واضحة وعملية وناجزة سرعت من وضع الاتفاقيات الممبرمة موضع التنفيذ المباشر، في أكثر من جانب.

حاجة ملحة..

لا شك أن الاقتصاد السوري بشقيه الصناعي والتجاري، والذي تعرض إلى هزات عنيفة نتيجة الحرب الإرهابية، وما أعقبها من حصار اقتصادي جائر على الشعب السوري، بات اليوم أحوج ما يكون إلى هذه الشراكة، والتي من شأنها أن تسهم في اجتراح الحلول ومعالجة ما تعانيه من صعوبات ومعوقات، وهو ما يجب الاشتغال عليه والاستفادة القصوى من هذه الشراكة الاستراتيجية مع الصين، وذلك من خلال تعزيز التبادل الصناعي والتجاري، وعلى أعلى المستويات، والأهم السعي لإنتاج بيئة اقتصادية مرنة ونشطة تساعد على تعزيز الانتاج، وتعالج الكثير من حلالات الترهل التي أصابت اقتصادنا، والعمل على تحديث القوانين والتشريعات الضريبية والمالية، بما في ذلك معالجة التضخم الحاصل، والانطلاق بخطوات واثقة نحو خلق حالة من الندية في العملية الاقتصادية سواء بما يتعلق بالمستوردات أو بالتصدير، وهنا مكمن الحل لكل مشاكلنا الاقتصادي، والسبيل الوحيد نحو تحقيق التعافي التدريجي ومن ثم التعافي المستدام لاقتصادنا الوطني.

 مناخات مناسبة…

مما تقدم نجد أن حلب بثقلها التجاري والصناعي تشكل واحدة من الحلقات القوية ضمن هذه الشراكة الاستراتيجية مع الصين، ما يتوجب على المعنيين بالشأن الصناعي والتجاري على السواء، التقاط هذه الفرصة الاستثمارية الغنية، وتحديد مسارات هذا التفاعل ووضعه موضع التنفيذ والتطبيق.

وفي هذا السياق، يرى المهندس حازم عجان مدير عام المدينة الصناعية في الشيخ نجار أن ما أنجز على مستوى إعادة تأهيل البنية التحتية للمدينة الصناعية، يؤهلها لأن تكون نواة لأي شراكة محتملة مع أي اقتصاد، ولو كان بحجم الاقتصاد الصيني، موضحاً أن حزمة المشاريع المنجزة والمشاريع الجاري تنفيذها والمشاريع المقررة ضمن الخطط الموضوعة، عززت من قدرة حلب على استعادة موقعها الريادي في مختلف القطاعات الصناعية، وهو ما انعكس إيجاباً على الدورة الاقتصادية، وعلى دورة الانتاج والتي تنمو بشكل ملحوظ وملموس، وهذا الأمر يعزز الثقة المطلوبة لجهة جذب المستثمرين ورؤوس الأموال المهاجرة وتوسيع دائرة العمل والانتاج، وبما يغطي حاجة السوق المحلي، والتوجه نحو تصدير المنتج الوطني لأسواق الدول المجاورة والأسواق العالمية، كما كان الحال قبل الحرب الإرهابية التي أوقفت عجلة الانتاج قسراً.

ويرى المهندس عجان ضرورة الاستفادة القصوى من الشراكة الاستراتيجية مع الصين عبر تبادل الخبرات والكفاءات العلمية في كافة المجالات، وتأسيس مجموعات عمل متخصصة قادرة على تذليل ما يعيق تطور هذه الشراكة، وتدفع العملية الانتاجية والتصديرية خطوات متسارعة ومدروسة.

أولوية..

استاذ كلية الاقتصاد بجامعة حلب، الدكتور حسن حزوري، أوضح أن الشراكة الاستراتيجية مع الصين فرصة استثمارية واعدة، فالتجربة الصينية غنية، ويجب الاستفادة من مفرداتها وتفاصيلها، عبر نقل الميزة التنافسية للصناعة الصينية إلى الصناعة الوطنية. وهذا يتطلب أولاً اعتماد مبدأ المنافسة التامة والشريفة وخلق بيئة استثمارية مرنة، وفق قاعدة “دعه يعمل، دعه يمر”، يضاف إلى ذلك لا بد من تصحيح السياسة المالية والضريبية، وأن تكون الأولوية للانتاج ومن ثم التحصيل الضريبي، وكذلك الإمر يجب البحث عن مطارح ضريبية جديدة، وعلى سبيل المثال ضريبة الأملاك العامة، بالتوازي مع ضبط التهرب الضريبي ومكافحة التهريب، وتحرير قيود الاستيراد والتصدير، وتحرير سعر الصرف، واعتباره نتيجة وليس هدفاً.

ويضيف الدكتور حزوري: لتحقيق أعلى درجات الاستفادة من هذه الشراكة وتوطين الصناعة الصينية، لا بد من توفير المناخات المناسبة لدورة الانتاج، والتي لا شك أن حلب مؤهلة لأن تكون مدينة صناعية منافسة، ما يستدعي بنية استثمارية جاذبة، قوامها الأساسي تأمين حوامل الطاقة، والطاقة البديلة. وهنا يمكن الاستفادة من التجربة الصينية في مجال الطاقة البديلة، خاصة أن مناخ سورية يساعد على إنشاء مثل هذه المنظومة كونها مصدر اشعاع شمسي، وبالتالي تعويض فاقد الشبكة من الطاقة الكهربائية،وهو معمول به في معظم الدول منها الأردن.

وتطرق الدكتور حزوري إلى ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لإنعاش الاقتصاد السوري، منها التوجه نحو صناعة إحلال الواردات، ودعم الصناعات المتاحة، والتوجه نحو الصناعات التصديرية التي تؤمن القطع الأجنبي. وهنا بالإمكان الاستفادة من التجربة الصينية في خلق بيئة مناسبة للصناعات الواعدة وصناعة الألواح الشمسية الالكترونيات والبرمجيات والاتصالات، وإنشاء مجمعات صناعية على سبيل المثال لتجميع السيارات وخطوط الانتاج المختلفة، وهذا يسهم في النتيجة في توفير فرص عمل ويضع الصناعة الوطنية على قائمة الاقتصادات المصدرة، كما يسهم في الحد من هجرة خبراتنا وكفاءتنا الوطنية، ويدعم روائز اقتصادنا الوطني و يحسن سعر الصرف مقابل القطع الأجنبي.

وختم الكتور حزوري حديثه بالتأكيد على ضرورة تحديث التشريعات والقوانين، بما يوازي أهمية الشراكة الاستراتيجية مع دولة عملاقة مثل الصين، والتخطيط الاستراتيجي ضمن رؤية واضحة وشفافة تفضي إلى نتائج إيجابية تساعد على حلحلة المشكلات المركبة التي تحيط بالمنظومة الاقتصادية.

 تطوير المهارات..

الصناعي المهندس محمد رأفت شماع، أمين سر غرفة صناعة حلب، أوضح بدوره أن توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين سورية والصين كان حدثاً سياسياً واقتصادياً هاماً يعكس عمق العلاقات الراسخة بين البلدين والشعبين الصديقين وحرص قيادتي البلدين على الانتقال بهذه العلاقات إلى مجالات أرحب وأوسع من التعاون بما يعود بالنفع والفائدة على الجانبين، وطبعاً لا أحد يستطيع إنكار قوة الصين اقتصادياً وانتاجياً وتكنولوجياً وريادتها في العديد من المجالات الهامة والحيوية ومن هنا تبرز أهمية اتفاقية التعاون الاستراتيجي.

وبالنسبة لنا كصناعيين ومنتجين نتطلع للاستفادة من هذه الاتفاقية سواء في مجالات تبادل الخبرات وتدريب الكوادر وتطوير المهارات إلى جانب التبادل الاقتصادي سواء للمواد الأولية أو المنتجات النهائية، مع ضرورة العمل على نقل وتوطين التكنولوجيا من الصين إلى سورية لتعزيز القدرات وزيادة الطاقة الإنتاجية والتركيز على جانب التقانات الحديثة في مجال توليد الطاقة الكهربائية لتخفيف كلف الإنتاج وتوفير البدائل اللازمة لاستمرار العملية الإنتاجية، مشيراً أن غرفة الصناعة ستعمل كل ما بوسعها وستقدم كل الدعم بما يحقق قفزات نوعية على مستوى هذه الشراكة.

 شراكة نوعية..

من جانبه أكد مصطفى كواية نائب رئيس غرفة صناعة حلب أن اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين سورية والصين التي تم توقيعها خلال الزيارة التاريخية للسيد الرئيس بشار الأسد إلى الصين خلال الشهر الماضي تكتسب أهمية كبيرة خصوصاً من حيث مضمونها وتوقيتها الذي يتزامن مع مرحلة البناء والتعافي التي تعيشها سورية، ونحن في غرفة صناعة حلب وكافة الفعاليات الاقتصادية نتطلع إلى أن يكون لهذه الاتفاقية أثراً ايجابياً ملموساً خصوصاً على حلب التي تعد عاصمة الصناعة السورية لجهة الحاجة الماسة لتحديث وتطوير الآلات وخطوط الإنتاج في المنشآت الصناعية القائمة أو تجهيز المنشآت الصناعية الجديدة وهو ما يمكن تحقيقه من خلال هذه الاتفاقية بالنظر لامتلاك الصين للتقنيات الحديثة والامكانيات الكبيرة التكنولوجية والبشرية التي يمكن من خلالها تحقيق قفزة إنتاجية سواء على مستوى الكم أو النوع، بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة المشتركة مستقبلاً من عدة مجالات اقتصادية وصناعية وهو ما سيتم التركيز عليه خلال المرحلة المقبلة.

 قواسم مشتركة..

عدد كبير من الصناعيين ممن التقيناهم أكدوا أن الشراكة الاستراتيجية مع الصين ستفتح آفاق رحبة للتعاون في شتى المجالات، و هي فرصة سانحة لتأسيس مجموعات عمل مشتركة لوضع الأسس والمعايير لرفع مستوى التعاون الناجز، وبما يفضي إلى توطين بعض الصناعات المتطورة كصناعة الموبايلات والاكسسوارات والالكترونيات والبرمجيات، وتأسيس مجمعات صناعية لتجميع الآليات والسيارات وغيرها من الصناعات المتوسطة، وفي المقابل يجد الصناعيون ضرورة إعادة النظر في العديد من الإجراءات الاقتصادية، وبما يعود بالنفع على دورة الانتاج، وفي مقدمتها تأمين مستلزمات الانتاج وحوامل الطاقة وتخفيض الضرائب وتحرير قيود الاستيراد والتصدير، وقوانين التعامل بالقطع الأجنبي.

وأكد الصناعيون أن هناك رغبة كبيرة في الاستفادة من هذه الشراكة الاستراتيجية، وفي حال توفرت البيئة الاستثمارية الجيدة والمناسبة لإنجاز هذه الشراكة، فإن الصناعة في حلب وسورية عموماً ستحقق نمواً متزايداً، وستكون الفرصة سانحة للإنتقال إلى الاقتصاد التصديري، وهو ما تحقفه هذه الشراكة الاقتصادية على المديين المتوسط والبعيد.