دراساتصحيفة البعث

الكيان الصهيوني.. جرائم حرب وإبادة جماعية

ريا خوري

استمر العدو الصهيوني بقصف المدنيين والأبرياء في غزة، كان آخرها عملية الإبادة الجماعية- الجينوسايد- بقصف مشفى المعمداني والتي راح ضحيتها أكثر من ألف شهيد، ومئات الجرحى والمصابين. كل ذلك جاء بعد زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس، وبعد أن تمّ إجهاض مشروع القرار الذي قدّمته جمهورية روسيا الاتحادية في مجلس الأمن الدولي، ويدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وحماية المدنيين الأبرياء، ووضع حدّ لكل عمليات التطهير العرقي، والإبادات الجماعية للفلسطينيين، ووضع حدّ لعمليات الإبادة المنظمة، بما يشكله ذلك من نكسة حقيقية للجهود الدولية المبذولة من أجل استعادة الأمن والأمان والسلم الأهلي، وإبعاد شبح حرب إقليمية واسعة طاحنة ستساهم في تهديد السلام العالمي.

تجدر الإشارة إلى أن العالم كان قد وضع مجموعة من القوانين والتشريعات الناظمة والاتفاقات والمواثيق بعد الحرب العالمية الثانية 1945، بهدف حماية البشرية جمعاء من المخاطر المتأتية من الحروب والصراعات والنزاعات، ومن أجل تجنيب العالم كوارث مشابهة للحربين العالميتين الأولى والثانية، والتي كان لهما نتائج مفجعة على الصعيد الإنساني.

وفي هذا السياق تمّ وضع اتفاقيات جنيف الأربع عام 1949 التي تدعو إلى حماية المدنيين والأبرياء والأسرى في أثناء الحروب، وحظر نقل سكان مدنيين خارج المنطقة قهراً (الترانسفير) كما يفعل الكيان الصهيوني اليوم الذي وضع الخطط العسكرية والسياسية والأمنية الإستراتيجية لطرد الفلسطينيين من قطاع غزة باتجاه صحراء سيناء. كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهي وثيقة تاريخية مهمّة جداً في تاريخ البشرية وتاريخ حقوق الإنسان، الذي صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والتشريعية والثقافية من جميع أنحاء العالم، واعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاصمة الفرنسية باريس بتاريخ 10 كانون الأول عام 1948 بموجب القرار الذي حمل الرقم (217000) بوصفه المعيار المشترك الخاص بكافة شعوب الأرض، إذ إن هذا الاعلان المؤلف من ثلاثين مادة، وتمّت ترجمته إلى أكثر من خمسمائة لغة، أكَّد أهمية حقوق الإنسان، وخاصة حقه في الحرية والحياة.

كذلك، فإن نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية الذي تمّ وضعه عام 1998، ودخل حيّز التنفيذ في الأول من شهر تموز 2002، والتي وضعت في اعتبارها أن ملايين الأطفال والنساء والشبان والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالي ضحايا لفظائع وحشية لا يمكن تصورها نتيجة بشاعتها هزّت ضمير الإنسانية بقوة، حيث يسلم نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية بأنَّ هذه الجرائم الخطيرة تهدّد الأمن والسلم والرفاء في العالم، ويؤكد أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا يتهاون بها وألا تمرّ دون محاسبة وعقاب ولجمهم عن ارتكاب المزيد من الجرائم، وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو عملي وفعّال من خلال اتخاذها المزيد من التدابير على الصعيد الوطني، وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي المشترك.

أكد نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية في ديباجته أنَّ “ثمة روابط مشتركة توحِّد جميع الشعوب في أنحاء العالم، وأن ثقافات الشعوب وعاداتها وتقاليدها تشكل معاً تراثاً عالمياً مشتركاً، وإذ يقلقها أن هذا النسيج يمكن أن يتمزق في أي وقت”. وتضيف الديباجة، أن الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تضع في اعتبارها محاسبة مرتكبي هذه الجرائم ويجب ألا يفلتوا من دون عقاب.

وحدّد نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية الجرائم التي تدخل في اختصاصها، وهي جريمة الإبادة الجماعية (جينوسايد)، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحروب، وجرائم العدوان بكل مستوياتها. وتعني الإبادة الجماعية قتل أو إلحاق ضرر، أو إخضاع جماعة، أو نقل أطفال وشبان بقصد إهلاك جماعة قومية أو عرقية أو إثنية أو دينية كلياً أو جزئياً، كون عملية الإبادة الجماعية تعبّر عن  التدمير المنهجي والمتعمد لمجموعة من الناس بسبب عرقهم أو جنسيتهم أو دينهم أو أصلهم.

أما الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، فتتضمن الهجوم واسع النطاق والمنهجي ضد السكان المدنيين والعزل، والقتل عن سابق عمد وتصميم، أو إجبار الضحايا على العيش في ظروف صعبة جداً ستؤدي حتماً إلى الهلاك، كما تعتبر جريمة الإبادة الجماعية جريمة ضد الإنسانية تعمل على ترحيل السكان أو النقل القسري لأسباب لا تقرّها القوانين والتشريعات الدولية، وأن يكون مرتكب الجريمة على علم مسبق بالحالات العامة والظروف الواقعية التي تثبت جسامة وخطورة السلوك، وأن يكون هذا السلوك جزءاً لا يتجزأ من هجوم واسع النطاق موجّه ضد سكان مدنيين.

لقد مثل العديد من كبار المسؤولين وأمراء الحروب الدامية أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، ومن بينهم ميلان ميلوسوفيتش رئيس صربيا السابق عام 2003، ورئيس سيراليون الأسبق تشارلز تايلور عام 2012، وتوماس لوبانغا المتهم بتجنيد الأطفال في الكونغو الديمقراطية عام 2012، وعلي كوشيب المتهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور بالسودان، وأحمد الفقيه المهدي المتهم بتدمير المعالم التاريخية والدينية في تمبكتو بمالي عام 2016، لكن وحدهم رؤساء الكيان الصهيوني لم يمثلوا أمام محكمة الجنايات الدولية، بل الأكثر من ذلك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هاجم بشدة قرار المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق ضد الكيان الصهيوني لارتكابه جرائم حرب ضد الشعب العربي الفلسطيني.