ثقافةصحيفة البعث

كتاب الباحث بشير زهدي”الفنّ الهلنستي والروماني في سورية” في ندوة حوارية

ملده شويكاني

صورة تمثال الربة ليدا التي عشقها زيوس، كانت تتوسط غلاف كتاب الباحث بشير زهدي “الفنّ الهلنستي والروماني في سورية”، وقد تمت مناقشة الكتاب ضمن سلسلة ” حلقة كتاب” في مركز ثقافي العدوي، بمحاورة الإعلامية هديل غزال، والباحثة غدير وهبة الحاصلة على درجة الماجستير في قسم الآثار من جامعة دمشق.

وقد أثار الحوار الشائق إعجاب الحاضرين، ولم تخلُ الندوة من الجدل حول إشكالية تسمية الفنّ الروماني، وإزاء دفاع الباحثة وهبة عن التسمية التي وردت في الكتاب، تم الاقتراح بأن يطلق عليه الفنّ الروماني ببصمة سورية.

فتحاورت غزال مع الباحثة حول محاور عدة.

  • ما الذي دفعك لاختيار هذا الكتاب؟

يأتي كتاب “الفنّ الهلنستي والروماني” ضمن موضوع دراستي الآثار الكلاسيكية التي تخصصت بها لتقديم رسالة الماجستير، إذ كانت الفنون في العصور الكلاسيكية متميزة وتحمل سمات مختلفة عما قبلها وبعدها، ارتبطت بالمثيولوجيا الإغريقية والرومانية، وحاول الفنان من خلالها التعريف بالآلهة المعبودة في ذاك العصر، وبالأساطير المتداولة.

وعودة إلى تاريخ الحضارات، بيّنت التنقيبات الأثرية أن أقدم العصور الحجرية التي صنعت من حجر الصوان الأدوات ومستلزمات الحياة اليومية، انطلقت من سورية، وظلت الحضارات تتعاقب عليها إلى العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار، وفي هذا العصر تم اكتشاف التدجين والزراعة التي تتطلب المصدر المائي وتشكيل المدن التي استمرت بالتطور من العصور الكلاسيكية إلى الإسلامية.

ولابد من لمحة تاريخية عن العصر الهلنستي الزاخر بالثقافة اليونانية الإغريقية الدينية والمتأثرة بالفنون الشرقية.

وقد نشأ في سورية بعد أن قام القائد المقدوني أو الإسكندر الكبير بهزيمة الملك الفارسي بمعركة إبسوس ودخل البلاد عام3 32ق. م، وعمل على تشكيل إمبراطورية كبيرة، وبعد وفاته تفاقم الصراع بين قادته إلى أن انتصر القائد سلوقس وصارت سورية إمبراطورية سلوقية، وظلت ممتدة حتى عام 64 ق. م بدخول القائد الروماني بومبي واستمرت الإمبراطورية الرومانية حتى عام 316م، والعصر البيزنطي.

  • ما أبرز مقومات الفن بالعصر الهلنستي؟

الفنون في العصور الكلاسيكية عامة والهلنستي كانت تعتمد على التجسيد بكل أشكاله، إن كان بالنحت أو اللوحات أو المصكوكات- القطع النقدية المعدنية- ولم يعتمد الفنانون على الفن التعبيري أو التجريدي، إذ اعتمدوا على الفن المباشر، وعملوا على إيضاح صورة الآلهة المعبودة بطريقة تتوافق مع معتقداتهم وأفكارهم دون تحوير، وحاولوا شرح أساطيرهم.

أما الحياة الاجتماعية فكانت تترجم بما يخص نخبة المجتمع، فتم تمثيل الأباطرة والحكام والشخصيات الهامة على وجه العملات التي يتم تداولها تخليداً لهم.

  • ماذا عن الفنون بالعصر الروماني الغني بتصوير الشخوص في تلك الآونة؟

في العصر الروماني تم الاعتماد على إبراز التمثيلات الأنثوية، وكانت على نوعين: أحدهما التمثيلات العارية أوشبه العارية وكانت سمة من سمات الفنون في ذاك العصر، والآخر مدَثر بالثياب وغطاء الرأس أحياناً نتيجة التأثيرات الشرقية، التي تعود إلى تأثرهم بحضارة سورية.

  • ما الدلالة الموجودة على القطع المعدنية- العملات- التي تعود لكل عصر؟

كان الوجه الأول للعملة يحمل صورة الإمبراطور الحاكم، وعلى الوجه الثاني آلهة معبودة مثل جوبتير أو أثينا آلهة الحرب، وغيرها، ويمكن الاستدلال أيضاً من خلال التأريخ بوجود كتابات باللغة اليونانية تدل على إسم الحاكم، أو على عبارة تقليدية تمجد به.

  • تعقيباً، هل صوّرت الأحداث الاجتماعية أو المعارك بالنحت أم بالفنون الأخرى؟

تصويرات مشاهد الحياة اليومية والأحداث كانت تتم على اللوحات الجدارية والفسيفسائية على واجهات المعابد والقصور التي تخلد الحدث.

أما عن المواد المستخدمة فكانت مستمدة خلال العصرين من الأرض، النحت من الأحجار الكلسية والفخار والبرونز، والعملات من المعادن والفضة والذهب والخلط بينهما، وفي اللوحات الجدارية مادة الجص وألوان الإكليريك أوتثبيته على القماش، والفسيفساء من الزجاج الملون، وهذا يدل على التشابه بينهما.

  • فما وجه الاختلاف إذاً؟

يعود الاختلاف بينهما إلى الدراسة التفصيلية لكل نوع من الفنون، كما ذكر الكاتب فالنحت بالعصر الهلنستي، اتخذ سمة تجسيد الجمال الأنثوي بشكل عار بتمثيل ربة الجمال مثل فينوس وغيرها، والسمة الثانية بوجود حالة الحركة مثل تمثال الربة ليدا معشوقة زيوس وحركة يدها الدالة على الرفض، ورغم أن التمثال صامت إلا أن طابع الحركة يدل على مدلوله من خلال بعض الوضعيات.

وبدت جمالية النحت بدقة تفاصيل الجسد والزيّ وانثناءات القماش، كما أحاطوا بكل المشاعر الإنسانية من خلال ملامح الوجه، أما في العصر الروماني فاعتمدوا على الألواح المنقوشة على الجدران أكثر من التماثيل، واستخدمت بتزيين الجدران بموضوعات مخلّدة، أو الألواح المستخدمة بالشهادات الجنائزية للقبور وداخل المعابد.

وأنوّه إلى أنه لم يصلنا الكثير من القطع الأثرية من العصر الهلنستي، فكثير من القطع تعود إلى العصر الهلنستي لكن تمت إعادة تمثيلها بالعصر الروماني، لأنه يحمل الأفكار نفسها ولكن بتطور.

كما تطرق الكاتب إلى الاهتمام بمخطط المدن، إذ اعتمدوا في العصر الهلنستي والامتداد الروماني على المخطط الشطرنجي، ويرمز إلى التطور العمراني.

  • ما وجه النقد لديك للكتاب، والنقد يحمل الوجهين: الإيجابي والسلبي ؟

الجانب الإيجابي بالترابط بين عنوان الكتاب ومضمونه، إذ أعطى صورة مبسطة عن الفنون في العصور الكلاسيكية عامة فمكّن القارئ غير المتخصص من فهمه، أما السلبيات فمن وجهة نظري اختيار صورة الغلاف للربة ليدا غير موفق، لأنها تعود إلى عصر واحد الهلنستي ، كان بالإمكان اختيار آلهة معبودة في كلا العصرين مثل الآلهة أفروديت.

كما تطرق بشكل موجز لبعض الفنون فظلمها مثل الحلي والمجوهرات بالعصر الروماني، والنسيج والمصكوكات واستفاض بالنحت، والصور كانت قليلة ووضعت في نهاية الكتاب.

ولم يتناول التمثال من الناحية الأكاديمية، وإنما من الناحية الوصفية فقط.

وقسّم الكتاب إلى قسمين الهلنستي ثم الروماني، ولم يعتمد على المقارنة بينهما من حيث الموضوع، والتي كانت أفضل للقارئ.

وفي نهاية الندوة قدمت الباحثة لمحة عن السيرة الذاتية  للباحث بشير زهدي الذي منحه القائد المؤسس حافظ الأسد وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، كما منحته إيطاليا وساماً بدرجة ثالث، ومنحته فرنسا وساماً بدرجة ضابط.