مجلة البعث الأسبوعية

صفوان إبراهيم يوقّع روايته ” رحلة بين ذاكرتين ” في دار الأسد للثقافة بمدينة اللاذقية

البعث الأسبوعية  – مروان حويجة

وقّع الكاتب الروائي صفوان إبراهيم روايته الجديدة ” رحلة بين ذاكرتين ” في دار الأسد للثقافة بمدينة اللاذقية، و يقدّم فيها الكاتب إبداعاً حقيقياً في إطلاق مفاعيل طاقة النصّ الروائي  في توثيق وسرد وتصوير الأحداث والمواقف والشخصيّات، وفيها وما بينها يجدُ القارئ نفسه- بإبداع الكاتب وإنسانية نصّه- معايشاً لكل محطات الرحلة، والانتقال بين ذاكرتين، شغوفاً بمجرياتها متفاعلاً مع أحداثها، برغم غزارتها، وكثافة مشهديتها، لأنّ الكاتب يجمع في رحلته، بشفافية، بين النبض والروح في المكان والزمان والشخصيات في إطار عالمه الروائي، ويروي الوقائع الممزوجة بكل هواجسه وأحاسيسه، ونبض قلبه وقلمه معاً ، ومعها جاءت ولادة ” رحلة بين ذاكرتين ” في رواية، وهي إصدار المقاومة الثاني عشر عن  “مؤسسة صبا بيت الفن والأدب”، ودار بحر للطباعة والنشر، وخلال احتفالية توقيع الرواية في دار الأسد للثقافة بمدينة اللاذقية بحضور فعاليات ثقافية وأدبية واجتماعية وأصدقاء ورفاق الكاتب الروائي وهو الضابط العقيد في الجيش العربي السوري.

وقد  تحدّث لـ ” البعث ” الكاتب صفوان إبراهيم: أريد أن أقول في هذه الرواية أنّ الحقّ لا يموت، حتى لو مات الناس، حتى لو ماتت الذاكرة، الحقّ لا يموت، ولابدّ للنفَس العربي القومي أن ينبثق من جديد، ومهما ظنّ الأعداء والمحتلون أنّ هذا النَفَس القومي قد انتهى، فإنهم سيجدون أن الشارع العربي سينتفض من جديد، فكلّما أرادوا له الموت، سرعان ما ينبثق وينهض من جديد.

وأوضح أنّ توقيع ” رحلة بين ذاكرتين ” في هذا التوقيت العصيب من تاريخ أمتنا العربية الذي نفخر هذه الأيام بعملية طوفان الأقصى، كشكل من أشكال تصويرها اللا مباشر لما يحصل في الأرض المحتلة من حيث أنه دائماً وأبداً، لا يمكن للشارع العربي أن يستكين لأي مهانة أو احتلال، وما طوفان الأقصى إلّا تعبير من التعابير التي ينتفض لأجلها الشارع العربي، وهذا شكل ليس نهائياً  للمقاومة، وسنحتفل عمّا قريب بالشكل الأجمل الذي سيختم حلقة المقاومة بتحرير فلسطين بإذن الله .

وأوضح أنّ مسيرته مع الكتابة بدأت في العام ٢٠١٣ عندما استشهد شقيقه الأصغر دفاعاً عن مدينة الرقة ضد الهجمة الإرهابية ، وأنا ضابط طيّار تخرجت من الكلية الجوية عام ١٩٩٨ وأنا برتبة ضابط عقيد، ولي عدة مؤلفات مطبوعة مثل : نداء الأرواح ، ورود من أرض النار، طابقان في عدرا العمالية، ووصايا من مشفى المجانين التي نلت عليها جائزة حنّا مينة للرواية العربية، وأيضاً رحلة إلى جحور الأفاعي، وهي رواية مترجمة إلى الألمانية، وديون مستحقة الدفع، وهي رواية مترجمة إلى اللغة الكورية، وحصلت على جائزة الدولة للآداب  للعام ٢٠٢١ عن مجمل أعمالي الأدبية، ولفت إلى الدور الهام الذي تضطلع به مؤسسة “صبا بيت الفن والأدب” التي تعنى بالإصدارات التي تهتم بالمقاومة بكافة أشكالها وأنواعها، سواء في الأراضي المحتلة الفلسطينية واللبنانية والسورية، والمقاومة ضد المشروع الإرهابي الغربي- الأمريكي على منطقتنا العربية وحضارتنا وثقافتنا والدين الإسلامي .

وقدّم الأديب والكاتب الإعلامي عمر جمعة، عضو اتحاد الكتّاب العرب الفلسطينيين، شهادته الأدبية في الرواية، واستهلّ حديثه بتحيّة الوفاء إلى أهلنا الصامدين في غزة ، وهم يواجهون بكل بسالة الكيان الصهيوني الغاشم الذي يرتكب المجازر بحقّ الأطفال قبل غيرهم لأجل محو الذاكرة من فلسطين، حيث أثبت الفلسطينيون في الانتفاضتين الأولى والثانية، وطوفان الأقصى ومعركة وحدة الساحات أن الشباب والأطفال يتقدمون الصفوف،  ولفت إلى أن هذا الإصدار يأتي مجسّداً لروح المقاومة التي تمتد من دمشق إلى كل المدن والبقاع المقاومة في طهران وصنعاء وفلسطين، حيث كانت و لا تزال سورية حصن المقاومة. ووصف الأديب جمعة هذا الإصدار الروائي الجديد بأنه نوعيّ، لأنّ الكاتب منصهر في ما يحدث في سورية الآن، ومواجهة هذه الحرب العدوانية، وظهور ما اصطلح تسميته ” أدب الحرب” من خلال نحو ٤٥٠ رواية من داخل وخارج سورية، وهذه الرواية نوعيّة لأنّ من كتبها ضابط في الجيش العربي السوري. وأشار إلى أنّ معرفته بالكاتب صفوان إبراهيم تعود إلى تاريخ إصداره رواية ” طابقان في عدرا العمالية ” وقراءته لهذه الرواية التي صوّرت الأعمال والجرائم الإرهابية التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية التكفيرية بحقّ أهالي الضاحية العمالية منذ بداية الحرب العدوانية، وهذه الرواية كانت من الروايات المبكرة التي تحدثت عن الممارسات الوحشية للجماعات الإرهابية، وبالتالي لا فرق، حين نقول، بين ذاكرتين، عندما نكشف الوجه الحقيقي للجماعات الإرهابية التكفيرية بكل تسمياتها، وفي ” رحلة بين ذاكرتين” يكشف الكاتب الوجه الحقيقي للجماعات الإرهابية، وسرّ صمود هذا الشعب، وتجسيدها في شخصية حيّان، والحاج محمد دبابو، فالرواية ذاكرة مثخنة بالوجع، ويبقى السؤال المهم الذي يطرح نفسه على الكاتب والقارئ: كيف سنؤرّخ لهذه الحرب؟ . ففي روايته يستعيد الأديب والروائي صفوان إبراهيم بعض فصول تلك الذاكرة الموجعة، لينقلنا في رحلة بين ذاكرتين: الأولى إلى جنوب لبنان عبر شخصية ” أبو عبدالهادي” الذي سيصير بعد تسارع الأحداث وتصاعدها، الحاج أبو صطيف محمد دبابو وحكاية حفيدته ” قمر” ، والثانية مع شخصية ” حيّان ” الشاب الشغوف بالقراءة واقتناء الكتب ووقوع الدفتر السرّ بيده ، حيث هذه الرواية – يضيف جمعة – مبنيّة على دفتر صغير وجده الراوي ضمن كتب تباع في سوق الجمعة، ونكتشف أيضاً تلك الروح المركّبة  المفعمة بالزهد والإيمان عند الحاج دبابو الذي هجر الحيّ الدمشقي، والتحق بأفواج المدافعين عن كل شبر من تراب  سورية، واستشهاده في بلدة نبّل بريف حلب، وحكاية المصاب الذي جمعته بالشاب حيّان أو” عون ” حيث بين الذاكرتين يكون اسمين لذات الشخص في كل ذاكرة.

لقد أتقن الكاتب قدرته الفنيّة في الجمع بين الذاكرتين المترعتين بالأحداث، ووظّف الشخصيات برمّتها توظيفاً صحيحاً، فلم تطغ إحداها على الأخرى، بل بدت متوازية في ظهورها وتجلّيها، كما برع في سلسلة الحكاية المشوّقة، المنسابة المتناسلة، مرّة بالعودة إلى الماضي للبحث عن ذاكرة حيّان القدرية المفقودة، ومرّات في تصوير حقيقة

ما جرى من وقائع أخرى، تكاد تكون توثيقاً بصرياً خلال العشرية الثانية مع انتقال الحاج دبابو من جبهة إلى أخرى، ومعه ذاكرتي الماضية في لبنان، والحاضرة في سورية، على أنّ الجمالية في الذاكرتين تكمن في استدعائه للأمكنة الماثلة في قلبه ووجدانه: أنا أحبّ دمشق، واعتبرها مدينة القلوب والنوايا الطيبة، دمشق مدينة لكل الخلائق، لمن زارها، ومن لم يزرها، لمن عرفها، ولمن لم يعرفها، دمشق المكان الذي تحدّه الشمس نهاراً والقمر ليلاً دمشق الزمان الذي تريد أن تحياه كزائر سائح، أنت عليك أن تختار، وهي تبعثك إلى حيث اختيارك .

وفي كلمتها أشارت مديرة “دار بحر” هالا خليل إلى التعاون بين “دار بحر”، و”مؤسسة صبا بيت الفن والأدب” في نشر سلسلة من الأعمال تعنى بأدب المقاومة وتوثّق لأحداث ومآثر أبطال جرت على أرضنا في فترة الحرب التي عشناها ونعيشها، لتكون نوعاً من التأريخ لأجيال قادمة، وأوضحت أن رواية ” رحلة بين ذاكرتين ” سرد حكاية لكتابة رواية، فلم تكن محض صدفة أن يختار الكاتب اسم ” حيّان ” عنواناً لبطلها، فحيّان يعني له الكثير، هو الشقيق الشهيد، وبقلم  كاتب صحفي بدأ يسرد الأحداث، واتبّع نوعاً من الإطالة كنوع من التشويق للدخول في متن الرواية، قبل أن يبدأ بسرد قصّة بطلنا حيّان، لكن يبدو أنها كانت إطالة مقصودة لأنّه نوّه إلى ذلك: أردتُ أن تطأ أصابعي الدرجة الأولى في السلّم: لكتابة هذه الرواية، وعرضت خليل بشكل مكثّف أحداث الرحلة بين ذاكرتين، مع توصيف الشخوص وتحديد الدلالات والإيحاءات والسمات الروائية الحكائية، وبراعة الكاتب في توظيفها إلى حين عودة حيّان بذاكرتين، وختمت ورقتها: قدر جمع خيوط قصتنا، وخطّ رواية متشابكة الأزمان والأماكن، لتحط وتؤسس حكاية في وطن عانى وعاش مثلها الكثير خلال معاناته .

بدورها رئيسة القسم الأدبي في “مؤسسة صبا بيت الفنّ والأدب” آية ضاشو فقد أشارت إلى أنّه بالفعل والكلمة تكون طريقنا مقاومة، وأنفاسنا مقاومة، وكلنا فلسطين، وهذا ما قامت عليه “مؤسسة صبا بيت الفن والأدب” لترسم على مدار عامين من العطاء المستمر طريقاً معبّدة بالكلمة والإنجازات، فصدر عنها ستة عشرة كتاباً، أولها عندما تزدحم دروب السماء، وليس آخرها كتاب ” وما بدّلوا تبديلا” كما أنّها توقّع اليوم الإصدار الثاني عشر ” رحلة بين ذاكرتين “، وبما يجسّد وقوف المؤسسة إلى جانب البندقية بالقلم، وحيث التاريخ يكتبه الأدباء، ومن هنا كان استقطاب الأقلام الواعدة التي عاشت الحرب على سورية، وتعيش الألم والحزن على فلسطين لتكتب هذه الانتصارات بمداد لا نفاذ له .