مجلة البعث الأسبوعية

يوم التراث الفلسطيني

سلوى عباس

اعتاد الشعب الفلسطيني في السابع من تشرين الأول من كل عام على إحياء “يوم التراث” وقد تزامن الاحتفال هذا العام مع انطلاقة “طوفان الأقصى” التي صادفت في الموعد ذاته، مما أعطاه بعداً تاريخياً وثقافياً مختلفاً، إذ أن فكرة هذا اليوم جاءت رداً على محاولات الكيان الصهيوني تشويه التراث الفلسطيني وسرقته وطمس معالمه، وقد أطلقها المؤرخ الفلسطيني نمر سرحان مؤلف موسوعة الفلكلور الفلسطيني بما تتضمنه من أغانٍ شعبية وأهازيج وتهاليل وعادات وتقاليد وألعاب ومأكولات شعبية وأزياء بشكل أكاديمي، هذه الموسوعة التي بدأ بإصدارها في عام 1977، كما كان في عام ١٩٦٦ يُعد برنامجاً عن الهوية العربية الفلسطينية على إذاعة “صوت فلسطين”، بعنوان “قريتي هناك”، يتحدث فيه عن الأغاني الشعبية والموسيقا في القرى الفلسطينية وفي عام 1999 أقر مجلس الوزراء الفلسطيني السابع من تشرين الأول من كل عام يوماً لإحياء التراث الفلسطيني، حيث أن حملات التهويد والتهجير التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني بشكل يومي عززت من أهمية الحفاظ على التراث الفلسطيني التي تعني المحافظة على شعبه، لذلك هو بمثابة ركيزة أساسية للهوية الفلسطينية، ومرآة تعكس عظمة هذا الشعب وعظمة تاريخه المتجذر في الحضارة لتثبت فرادة الشخصية الفلسطينية.

ويمثل التراث الفلسطيني المخزون الثقافي والعمق التاريخي والحضاري  للشعب الفلسطيني عبر العصور المتعاقبة والذي ورثته الأجيال عن بعضها البعض، وما مرّ على هذا الشعب من أحداث وأزمان سطّرها على هيئة تراثٍ عريق، مما يعزز الوعي الشعبي بأهمية الآثار الموجودة في المدن الفلسطينية وقيمتها بالنسبة لأهلها، لذا فإن الاهتمام به من الأولويات الملحة، وقد أدرك المجتمع الفلسطيني ومؤسساته الدور الذي يلعبه التراث الثقافي غير المادي في المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للحياة، وكذلك المخاطر التي تهدد استمراريته وهويته وانتمائه.

وفي السؤال حول كيفية الحفاظ على هذا التراث يحضرنا عدد من التوصيات التي قدمها الكاتب والباحث محسن الخزندار منها:

“وضع برنامج وطني لمسح أرض فلسطين على مستوى عالمي لمعرفة ما تخبئه من كنوز وآثار، وتفعيل دور المكتبات الوطنية بإعادة طبع كل التراث الفلسطيني من بدايات القرن التاسع عشر وفي عهد الانتداب التي وضعها الكُتاب الفلسطينيين من الرواد على المستوى القومي والعالمي، إضافة إلى إحياء الشعر والكلمة والأغنية والمسرحية والفيلم والمثل الفلسطيني القديم، وضرورة وضع منهاج تعليمي إجباري يدرّس فيه التراث الفلسطيني من المراحل الأولى في التعليم حتى المرحلة الجامعية، وتوثيق الآثار التي سرقتها إسرائيل عبر منظمة اليونسكو لأنها تعتبر تراثاً عالمياً، والعمل على إعادة هذا التراث المسلوب للشعب الفلسطيني.

ومن المسائل المهمة التي أوردها الخزندار أيضاً: المطالبة القانونية بعد التوثيق بعودة الآثار عبر المحاكم العالمية والهيئات المختصة، وتأهيل باحثين أكفاء في مجال التاريخ والآثار، لأن هناك نقص كبير في المختصين في هذا المجال، إضافة للاهتمام بالآثار والتنقيب عليها لتكون دليلاً مادياً على السرد التاريخي الفلسطيني الذي يعكس أصالة هذا التاريخ، وكذلك المحافظة على الأدوات المستخدمة في الحياة اليومية عبر العصور المختلفة مثل الفخاريات والتوابيت والقطع النقدية والمنقوشات الجدارية والمخطوطات والمقابر ووضع رقابة وحراسة عليها لتكون آمنة من السرقة والعبث، ولابد من تبني مشروع قرار لجنة التراث العالمي بمنظمة اليونسكو بإدانة إسرائيل لعرقلة عمل لجنة تقصي الحقائق لدراسة وضع المواقع الأثرية والتاريخية في الأراضي الفلسطينية”.

إن حماية هذا التراث العريق من الاندثار يعتبر امتحاناً صعباً وتحدياً كبيراً وعظيماً يقع على عاتق الشعب الفلسطيني أمام العدو الصهيوني الذي حاول كثيراً ومرات عديدة طمس معالم هذا التراث وتزويره وتحريف تاريخه ونسبه إليه، وتأتي أهمية المحافظة عليه في وجه كل المحاولات الإسرائيلية المعادية لضمان الحفاظ على وجود الشعب الفلسطيني واستمراريته، وفي هذا يكمن سر بقائه على هذه الأرض.