دراساتصحيفة البعث

قطاع غزة من معسكر اعتقال إلى معسكر إبادة

هيفاء علي

أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، فخوراً بنفسه، أن طائراته قصفت غزة خلال الأسبوعين الماضيين بمعدل لم نشهده منذ عقود. ومنذ ما يقرب من 17 عاماً، مُنع سكان يبلغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة من الخروج باستثناء نحو عشرة آلاف عامل يعملون بأجور منخفضة في المستعمرات المجاورة، بالإضافة إلى استثناءات نادرة للغاية تتطلّب إجراءات إدارية قد تستغرق أسابيع أو حتى أشهراً.

قطاع غزة محاصر، على مساحة تزيد عن 360 كيلومتراً مربعاً، شريط من الأرض يمتد عرضه نحو 10 كيلومترات وطوله 36 كيلومتراً، يقابله صمت دولي مثقل بالتواطؤ والكثافة السكانية هي واحدة من أعلى المعدلات في العالم. على هذا الشريط من الأرض الذي لا يمكن الوصول إلى جزء كبير منه على طول الحدود لأسباب أمنية يفرضها جيش الاحتلال.

جحيم حقيقي، تتخلله أحداث مميتة تسمح للنظام الاستعماري الصهيوني باختبار أسلحته الجديدة في الهجمات الإرهابية والتفجيرات، مما يتسبّب في سقوط العشرات من الضحايا المدنيين. يتمّ التفاوض دائماً على مثل هذه العقود من قبل الحكومات، وفي كثير من الأحيان، تمتلك الحكومات الغربية التي تسعى إلى الحصول على الأسلحة، الوسائل دائماً باسم “الأمن القومي المقدس”، ولقد أصبح هذا الأمن نفسه هو الذريعة لجميع تجاوزات السلطات الشرطية والتشريعية الغربية، وأصبح المعيار الذي يخفي وراءه هؤلاء القادة السياسيون إهمالهم في إدارتهم للنظام الاجتماعي، وتنفيذ القوانين القمعية التي ضاعفوها لإسكات أصوات المواطنين الذين يندّدون بعدم كفاءتهم وقصر نظرهم في نظام قضائي دائماً في خدمة الأقوى.

في الأيام الأخيرة، وفي الساعات الأخيرة، تجاوزت الوحشية الصهيونية كل الحدود، وأماطت اللثام عن وجه القتلة المسؤولين، وجه العنصرية بكل دناءتها. إنهم يستخدمون التكنولوجيا الأكثر فتكاً ومن ثم يلقون اللوم على أولئك الذين هم الأهداف، بحيث يقدمون أنفسهم دائماً كضحايا بينما الفلسطينيون هم الجلادون، ولذلك لم يتورعوا عن تحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية قصف مستشفى المعمداني.

لقد حول الكيان الإسرائيلي المحتل قطاع غزة من معسكر اعتقال إلى معسكر إبادة، وفريق قادة النظام الصهيوني اليميني المتطرف، ليس المجرم الوحيد والمسؤول عن إبادة الشعب الفلسطيني عموماً، فهناك أيضاً شركاؤه في الجريمة، وهم الغربيون.

وفي السياق المنحرف نفسه، قام جيش الاحتلال الإرهابي أيضاً بإلقاء آلاف المنشورات على قطاع غزة، يطلب فيها من سكان الشمال التوجّه إلى الجنوب في غضون 24 ساعة، قبل حملة قصف وشيكة للمنطقة بأكملها. فانطلق العديد من الغزاويين الشماليين مذعورين دون تأخير مع عائلاتهم، فيما أظهرت الصور أن طائرات النظام الاستعماري انتهزت الفرصة لقصف طوابير اللاجئين، مما تسبّب في سقوط العديد من الشهداء والجرحى في صفوف السكان المعوزين والمذهولين. وبالمثل، بمجرد وصولهم إلى الجنوب، على مسافة ليست بعيدة عن الحدود مع مصر، استؤنف قصف الكيان الإرهابي الإسرائيلي على رفح ليلاً ونهاراً، مما أدى أيضاً إلى سقوط عدد لا يُحصى من الضحايا، معظمهم من المدنيين. ولم يكتف جيش الاحتلال الإرهابي الإسرائيلي بعد بالخسائر البشرية والمادية التي ارتكبها خلال الليل فيما يمكن وصفها بأنها أعمال انتقامية، بل أقدم على تدمير كنيسة القديس “فرفوري” الأرثوذكسية اليونانية، مرة أخرى مما تسبّب في سقوط عدد لا يُحصى من الضحايا من المسيحيين والمسلمين الذين لجؤوا إلى هناك، وتعتبر هذه الكنيسة واحدة من أقدم الكنائس في العالم. ووفقاً لأمر القديس جاورجيوس الأرثوذكسي، فقد تمّ إيواء 500 شخص هناك، وعدد الضحايا مرشح للارتفاع مرة أخرى، بمجرد انتشالهم من تحت الأنقاض.

وبحسب مراقبين، فإن أولئك الذين يكرّرون أن قطاع غزة هو “أكبر سجن مفتوح” يفتقرون مرة أخرى إلى البصيرة في تحليلاتهم، لأنه حتى سماء هذا السجن الضخم مغلقة تماماً هناك طائرات من دون طيار وطائرات مقاتلة ومروحيات تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي.

وعلى الرغم من كل هذا، وعلى الرغم من الشهادات التي لا تزال تصل، كل منها أكثر إدانة من الأخرى من هذا السجن الكبير الذي تحول إلى ساحة من الخراب والدمار، فإن الحكومات الغربية مستمرة في إعلان دعمها غير المشروط لهذا النظام الإرهابي، ويصطفون بهذه الطريقة ضد القانون الدولي، ويدعمون نظاماً يضاعف المستعمرات، وينتهك جميع قرارات الأمم المتحدة، ويقتل المدنيين كلّ يوم، معظمهم من الأطفال، وقد استنكرتها أكبر المنظمات غير الحكومية الإنسانية وكذلك العديد من التقارير الصادرة عن مفوضي الأمم المتحدة.

ولذلك فإن الحكومات الغربية متواطئة عن عمد في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وهي التي تزعم أنها ديمقراطية وراعية لحقوق الإنسان، وأصبحت دولاً ترعى الإرهاب.

خلال حملته الانتخابية في آذار 2015، وتحت ضغط استطلاعات الرأي غير المواتية، شدّد المجرم نتنياهو موقفه بإعلانه أنه إذا أعيد تعيينه رئيساً للوزراء: “لن تكون هناك دولة فلسطينية”.

لقد أعلن البيان الأخير الصادر عن الأمم المتحدة أن القصف الضخم على قطاع غزة قد أدى إلى تدمير أكثر من 30% من الوحدات السكنية عشية الشتاء، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمراكز الصحية المختلفة، والتي تمّ استهدافها عمداً. وعليه، من الواضح أن هناك تطهيراً عرقياً وإبادة جماعية جارية، والاستنتاج بالنسبة للمواطنين الأوروبيين مروع: إن عملية المقاومة الفلسطينية “طوفان الأقصى” تكشف أن لديهم على رأس دولهم قادة سياسيين يدعمون علناً الحكومات التي تعتبر إعلاناتها وممارساتها إرهابية بطبيعتها.