الإفراط في الإنتاج الكلامي!
بشير فرزان
التدقيق في التصريحات المتتالية عما يسمونه “نقلة نوعية” على صعيد الأداء المؤسساتي والإنتاجي يكشف عن تشابه أو اقتران فظيع مع ذلك الزبد المتراكم فوق الأمواج مع اختلاف بسيط لصالح الزبد لناحية الفاعلية والجدوى التي تغييب في حياة الواقع الإداري والخدمي والإنتاجي، فلا تحضر إلا في الأحاديث الوزارية التي تفرط في الإنتاج الكلامي والمراسلات الورقية المجيرة من عام إلى أخر. وعلى سبيل المثال، نقارن بين التصريح الذي يدعي أن الكثير من المنتجات السورية يتم تصديره للأسواق الخارجية، مثل المنتجات الزراعية، وبكميات مدروسة تساعد على تصريف المنتج وعدم كساده وتحافظ على عدم ارتفاع الأسعار محلياً.. وبين واقع هذه القطاعات من الناحية الإنتاجية والتسويقية، والتحديات التي تهدد استمرارها ووجودها على الخارطة الاقتصادية، وهذه المقارنة يمكن إسقاطها أيضاً على العائدية الفعلية والانعكاسات المعيشية والاقتصادية لعشرات الآلاف من المشاريع التي تستهلك مئات الملايين من الليرات السورية دون عائدية كبيرة.
باختصار، لا يؤشر تعدد الأرقام إلى حالة إنتاجية سليمة، أو إلى أداء تفاعلي حقيقي مع المستجدات دون النظر إلى الحصيلة الاستثمارية والإنتاجية التي يمكن من خلالها فقط تجسيد مفاهيم الإنتاجية. وهنا، لابد من وقفة مطولة مع المراحل والإجراءات التي تمت إلى الآن لترجمتها إلى حقائق مجسدة على أرض الواقع في جميع القطاعات، وذلك لناحية زيادة الإنتاج وخفض التكاليف وخفض أسعار المنتجات، وانعكاس ذلك كله على الدخل الوطني والمقدرة الشرائية والدورة الاقتصادية بحلقاتها المختلفة (المنتج والعامل والمستهلك).
ولاشك أن مفهوم زيادة الإنتاجية لا يقتصر على مجرد الإنتاج وتنمية الثروة الوطنية، وإنما يتسع ليشتمل على أمور كثيرة، مثل زيادة الطاقة الإنتاجية ورفع مستوى المعيشة وتنشيط كافة مجالات التطوير والإبداع والنهوض بالمجتمع في شتى النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تقود في النهاية إلى الواقعية الرقمية التي – وللأسف – ما زالت مفقودة أو ضائعة في ركام التكرار.
وما يجب الاعتراف أو الانتباه له، بالاستناد إلى المعطيات والأرقام، أن الحديث عن الإنتاجية يتخذ شكلاً من أشكال السخرية في الأوساط الاقتصادية والشعبية، خاصة أن المعادلات الحسابية أو نتائج العائدية الربحية تبقى دون انعكاسات فعلية على حياة المواطن، أي أنها معادلات مستحيلة الحل. فهل هذه النتيجة صحيحة؟ أم أن الواقع يقول عكس ذلك؟ وهل حقا ما يطبق لدينا في هذا الاتجاه هو إنتاجية حقيقية، أم انه شبيه بالإنتاجية، كما يتراءى للذين يريدون تعميم الإنتاجية التي تطفو كالزبد في يومياتهم وفي تفاصيل أدائهم ومسؤولياتهم؟!