مجلة البعث الأسبوعية

دعوة لاهتمامها أكثر بالناحية الاجتماعية من خلال تمويل الصناعات الصغيرة المصارف لا تزال بمنأى عن التنمية المنشودة.. وميالة أكثر إلى القروض الاستهلاكية

البعث الأسبوعية – المحرر الاقتصادي

يقع على عاتق المصارف بشقيها العام والخاص، ونوعيها الإسلامي والتقليدي، مسؤولية النهوض بالتنمية الاجتماعية التي تعتبر إحدى أهم مقومات تطور وتقدم المجتمع، إضافة إلى التنمية الاقتصادية القائمة على أسس متينة وإستراتيجية واضحة من شأنها تحسين الوضع المعيشي العام، ولا يمكن أن تتحقق هذه التنمية بأبعادها كافة إلا عبر إقامة مشاريع استثمارية قادرة على المضي قدما بالاقتصاد الوطني، وهنا تبرز أهمية تقوية الاقتصاد الوطني للحيلولة دون الوقوع في فخ العولمة وما يرمي إليه من غايات هدفها طمس الهوية الوطنية وتذوبها في عالم واحد يخضع لقانون شريعة الغاب.

مخاوف

ما سبق يحتم علينا الاستفادة من السوق المصرفية التي بدأت تزدهر بدخول مصارف خاصة معظمها لها بصمات في كثير من الدول وتمتلك خبرات لا يستهان بها في عالم المال والأعمال، ورغم ذلك نلاحظ أن توجه هذه المصارف يكاد ينحصر نحو القروض الاستهلاكية ذات المخاطر الأقل والمدة الزمنية الأقصر للتسديد – حسب ما أكده التاجر عصام الشيخ – إضافة إلى تمويل المشاريع الخدمية (كشركات النقل والشركات العقارية) الأكثر ضمانا من المشاريع التنموية الصناعية التي تتطلب فترة زمنية أطول للتسديد، ناهيك عن أن نجاح المشروع الصناعي والتنموي غير مؤكد للبنك، لذلك يقدم البنك تسهيلات للنوع الأول ويضع شروطا صعبة للثاني للحيلولة دون الإقبال عليها، على اعتبار أن البنك يخشى تمويل الشركات غير المنافسة خوفا لتعرض منتجاتها للكساد وبالتالي إفلاسها وعدم استطاعتها تسديد ما يترتب عليها من أقساط.

قرارات اعتباطية

الصناعي علي عبود أكد وجود حاجة ماسة لتمويل المشاريع التنموية لاسيما الصناعية منها لتحقيق تنمية مستدامة يمكننا من خلالها النهوض بالاقتصاد الوطني والوقوف أمام اقتصاديات الدول العالمية وامتلاك القدرة على منافسة منتجاتها. واعتبر عبود أن معظم المشاريع الصناعية الموجودة لدينا أنشئت بجهود شخصية دون مستوى التمويل المطلوب، ولو توفر لها التمويل المطلوب لكانت أقوى مما هي عليه الآن، علما أن هناك بعض المشاريع الصغيرة تنتج سلعا جيدة ولا تلقى الدعم لترتقي بمنتجاتها وتطورها للمنافسة.

وأشار عبود بأنه لا يوجد توجه نحو تمويل الاستثمارات الصناعية لعدم وجود رغبة واضحة لدى أصحاب القرار في البنوك لهذا التوجه، حيث أن القرارات التي تخضع لها البنوك هي قرارات غير مدروسة.

قاطرة النمو

لعل إحدى أهم مقومات التنمية يتمثل بالصناعة التي تعتبر قاطرة النمو الاقتصادي بامتياز، كونها تعطي قيمة مضافة عالية وتساهم بارتقاء الاقتصاد الوطني إلى مصاف الاقتصاديات العالمية وتقوية موقعه التنافسي، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا أين دور مصارفنا في دعم صناعتنا الوطنية؟

مدير في إحدى المصارف الحكومية أكد أن الحاجة لتمويل الاستثمار في مجال الصناعة حاجة ملحة، وتلبية هذه الحاجة يكون إما بإيجاد مصارف استثمارية متخصصة – والمصرف الصناعي أحد هذه المصارف – أو أن تقوم المصارف الأخرى الخاصة والعامة بدعم الصناعة.

وأضاف المدير أن المصارف الحكومية بالعموم تمول المشروعات المتوسطة والصغيرة ولا تستطيع تمويل المشروعات الكبيرة، وتوجه المصارف الآن نحو القروض ذات الدورة السريعة والمخاطر القليلة، ولا يوجد تركيز على دعم الصناعة من قبل البنوك.

مشاريع بهدف التصدير

ورغم أن القروض الاستهلاكية تحقق ربحا سريعا للبنك ومخاطر أقل، مقارنة بالقروض الاستثمارية المرتبطة بفترة طويلة والإيراد يأتي بعد سنتين أو ثلاث سنوات، إلا أن هناك تمويلات استثمارية لمعامل كبيرة كالحديد والبلاستيك، وبعض المشروعات الخدمية كالمدارس..الخ حسب ما أكده المصرفي أحمد حسن الذي أشار إلى وجود توجه حقيقي نحو تمويل المشروعات الاستثمارية وهنا يتجلى دور المصارف في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في تمويل المشروعات التنموية الإنتاجية التي تُصنِّع بهدف التصدير ما يؤدي إلى دخول أموال إلى البلد وزيادة القيمة المضافة للمواطن والمستثمر وبالتالي زيادة الاستثمارات وما ينتج عنها من توفير فرص عمل.

دعوة للاهتمام

وفيما يخص الجانب الاجتماعي دعا حسن إلى ضرورة اهتمام البنوك أكثر بالناحية الاجتماعية من خلال تمويل الصناعات الصغيرة، حيث يوجد بعض الحرفيين ليس لديهم القدرة المالية والضمانات الكافية، وهذا التمويل يتطلب جهودا كبيرة من البنك، حيث أن دراسة المشروع الصغير مثل دراسة نظيره الكبير، فهناك متطلبات وبنود يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وعلى البنك أن يستوفي جميع هذه الأركان.

عقبات

ولم يخف حسن ضرورة أن يقلل البنك من الضمانات المطلوبة لكن هذا يتطلب فريق عمل كبير لأن المشروعات الصغيرة موزعة على مناطق بعيدة عن مقرات البنوك، وهي تحتاج إلى متابعة مستمرة، لأن أصحابها لا يدخرون أموالهم للتسديد، ويقومون بالتصرف بكل ما يدخل جيوبهم، لذلك لابد من المتابعة لتسديد الأقساط حيث أن أولى تحديات تمويل المشروعات الاستثمارية وخاصة الكبيرة منها تتمثل بالضمانات العقارية والتي كما هو معروف غير مسجلة نظاميا بالسجل العقاري، والقروض الاستثمارية تتطلب هذه الضمانات بموجب الـ” الطابو الأخضر” غير المتاح دائما، في حين أن المتاح لدى أغلب المواطنين هو (حكم محكمة – إرث – أراض غير مثبتة) وغيرها من الأوراق والمستندات التي لا يستطيع البنك وضع إشارة رهن عليها، فالصعوبات التي تواجه البنك تتمثل بأن النسبة الأكبر من الشقق في سورية غير نظامية 100% وتمتلك سند تمليك “طابو أخضر” خالي من إشارات الحجز والرهن، فأغلب الوحدات السكنية -وإن كانت نظامية- ملكيتها مثبتة إما بكاتب عدل أو بحكم محكمة وغير ذلك من الأوراق التي لا يتم بموجبها وضع إشارة رهن لصالح البنك، وبالتالي فإن البنك لا يمول هذا النوع من الشقق، ناهيك عن أن 80% من العقارات في سورية غير مفرزة فضلا عن الإشارات القديمة التي لم ترفع عنها حتى الآن ومثال ذلك الأراضي التي يمر بها الخط الحديدي الحجازي عليها إشارات قديمة لا مبرر لوجودها.

مبالغة

بالمقابل اعتبر مدير “آنف الذكر” أن العقبات التي تواجههم في هذا المجال هي المبالغة بالبيانات المقدمة من قبل المتعاملين في عملية تقدير البيانات والآلات بهدف الحصول على أكبر مبلغ ممكن أو تغطية كامل تكاليف جلب الآلات، ما يضطر المصارف إلى الاستعلام والرجوع إلى المواقع المتخصصة بالإنترنت ومخاطبة الجهات المحلية وغير المحلية حتى نتوخى الدقة بعملية التخمين.

عدم جدية

عقبة أخرى أوردها حسن تتمثل بعدم جدية المستثمر في تقديم دراسة جدوى اقتصادية علمية دقيقة وشفافة حول مشروعه، معتبراً أنها أحد أهم الصعوبات التي تواجه المصارف في عملية التمويل، فالمستثمر الذي يقيم مشروعا بقيمة مليار ليرة سورية يستخسر أن يدفع آلاف الليرات لدراسة جدوى اقتصادية، علما أن دراسة الجدوى هي طريق ودليل عمل لمشروعه لسنوات طويلة.

المفهوم الحقيقي

إن المفهوم التنموي للمصارف يعني تنمية المجتمع من الناحية الاقتصادية وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية وعدم تبديدها عبر التصنيع الشامل لها، وتقليل البطالة السافرة والمقنعة، والاهتمام بالعنصر البشري وتحقيق التنمية النفسية والعقلية له من خلال التعليم والتدريب، وإيجاد الحوافز واعتبار الإنسان غاية التنمية وأداتها، لا أداة لها فقط، لذلك يتوجب على كل المعنيين بهذا الأمر بذل كل طاقة ممكنة وعدم ادخار أي جهد من شأنهما أن يحققا الغاية المتوخاة من التنمية بجميع أشكالها، لاسيما أننا بدأنا بنهج اقتصاد السوق الاجتماعي، وعلى أبواب الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، ما يحتم علينا تقوية اقتصادنا الوطني ليكون له موضع قدم بين اقتصاديات دول العالم.

تعويل

كما نود الإشارة إلى أن التعويل لا يزال قائماً على أن تأخذ مصارفنا دورها الحقيقي في العملية الاستثمارية والعمل على تغيير ثقافة الإقراض والتمويل التقليدية وإثبات ذاتها على الخارطة المصرفية ليس المحلية فقط بل العربية والإقليمية أيضا عبر تبنيها الاقتصاد الوطني والنهوض به لمصاف الاقتصاديات القوية وبالتالي انعكاس ذلك على البعد الاجتماعي على اعتبار أنها مكون أساسي من المشهد الاقتصادي.

رسالة إلى الخاصة

لعل عدد السنوات الماضية لعمل المصارف الخاصة في سورية كافية لتتعرف بشكل تفصيلي على حيثيات الواقع الاقتصادي والمناخ الاستثماري وما يلائمه من مشاريع تتسق مع التطور المنشود، كما أن هذه السنوات كافية لنقل الخبرة المصرفية المطلوبة إلى سورية، ويفترض أن تشهد المرحلة الاقتصادية القادمة بصمات واضحة للمصارف الخاصة في المشهد الاقتصادي السوري.