دراساتصحيفة البعث

سياسة واشنطن مسؤولة عن الأزمة في غزة

عائدة أسعد

مازال القصف الدموي على غزة مستمراً، والذي تسبب في خسائر فادحة في الأرواح، وما زال عدد الضحايا في ارتفاع، وهو أمر مفجع. غني عن القول أن الجذور التاريخية للصراع عميقة، وأن الوضع أكثر تعقيداً مما يبدو، وسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي المسؤولة إلى حد كبير عن الصراع.

لقد بدأ كل شيء بإعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2018 عن خطة نقل السفارة الأمريكية من “تل أبيب” إلى القدس، وهو ما يعني فعلياً أن الولايات المتحدة تعترف بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”، وهو الهدف الذي طالما سعى إليه الكيان الصهيوني.

كما أدى تعامل الولايات المتحدة مع هذا الصراع إلى صب الزيت على النار فعلياً، ورغم أنها دعت “إسرائيل” في نهاية المطاف إلى “وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية” في أعقاب الضغوط التي مارسها العالم العربي والمجتمع الدولي، إلا أنها فقدت بالفعل الدعم الدولي وبات من الجلي للعيان أن الإجراءات الدبلوماسية المختلفة التي تتخذها الولايات المتحدة تنتهك أخلاقيات القوة الكبرى، وترتبط ارتباطًا وثيقا بنظامها السياسي.

ظاهرياً، اندلعت هذه الحرب بسبب هجوم شنته المقاومة الفلسطينية على “إسرائيل”، لكن السبب الأساسي هو تراكم الكراهية والغضب بين الجانبين، حيث لم يتم حل القضية الفلسطينية بموجب القرار 181 (خطة الأمم المتحدة لتقسيم الانتداب على فلسطين) الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني عام 1947، واقتراح إنشاء دولتين مؤقتتين، ولم ينفذ هذا القرار قط، ولم تحتل “إسرائيل” الأراضي الفلسطينية فحسب، بل واصلت أيضاً توسيع وتعزيز المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، وفرضت حصاراً طويل الأمد وقمعاً عنيفاً للفلسطينيين، مما أدى إلى اندلاع موجات صراعات من وقت لآخر، وتفاقم الأوضاع.

إن الولايات المتحدة لم تفشل في التعامل مع القضية الفلسطينية بجدية ونزاهة فحسب، بل فضلت “إسرائيل” ووفرت لها الحماية. وبعد أن شنت المقاومة الهجوم في 7 تشرين الأول، أخذت السفارة الأمريكية في القدس زمام المبادرة في التغريد بإدانة الهجوم، ودعمها للكيان الإسرائيليين.

وعندما التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 18 تشرين الأول، أعرب عن دعمه للهجوم المضاد الإسرائيلي، بدلاً من محاولة تهدئة الوضع وذلك ما شجع “إسرائيل” على شن ضربات عسكرية لا هوادة فيها ضد الفلسطينيين، حيث تسببت الغارات الجوية الإسرائيلية، وضمنها تلك التي استهدفت مخيمات اللاجئين والمستشفيات في غزة، في وقوع خسائر فادحة في صفوف أهل غزة.

تجدر الإشارة إلى أنه قبل نحو 30 عاماً، لعبت الولايات المتحدة لفترة وجيزة دور “رسول السلام” الذي يحاول حل القضية الفلسطينية، وفي عام 1993 تم التوقيع على اتفاقيات أوسلو بتوجيه من بيل كلينتون الرئيس الأمريكي آنذاك لإنهاء الصراع من خلال اتفاق سلام ولكن  تم عرقلة الاتفاق من قبل القوى المتطرفة واغتيال إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك.

وبعد وصول إدارة جورج دبليو بوش إلى السلطة، شنت الولايات المتحدة حرباً على ما أسمته الإرهاب بسبب هجمات 11 أيلول، وتخلت تماماً عن عملية السلام التي أطلقها كلينتون في الشرق الأوسط، وتحولت إلى الأحادية، وشجعت تيار المحافظين الجدد بالإطاحة بـالحكومات المعادية كما حدث في العراق.

وعندما أصبح باراك أوباما رئيساً، تبنت الولايات المتحدة سياسة معتدلة في التعامل مع الشرق الأوسط، وساهمت خطة العمل الشاملة المشتركة، التي وقعها أوباما، في تسهيل العلاقات مع إيران وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، انتقدت إدارة أوباما تصرفات “إسرائيل” في الضفة الغربية، وأعربت عن عدم رضاها عن بناء المستوطنات الصهيونية.

ولكن بعد انتخاب ترامب رئيساً، عادت الولايات المتحدة إلى الأحادية التي كانت سائدة في عهد بوش، متمسكةً بعقلية الحرب الباردة، ومن أجل الحفاظ على هيمنتها، واصلت تشكيل زمر وإثارة الصراعات، مما أدى إلى إثارة مشاكل سياسية واقتصادية خطيرة في جميع أنحاء العالم، وقد أدى الصراع بين الجانبين إلى جعل الوضع في الشرق الأوسط غير مستقر، ولا يزال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مستمراً حتى يومنا هذا، حيث بات من المؤكد أن محادثات السلام والصراعات إلى الحروب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بموقف الولايات المتحدة وسياستها الخارجية.