على وقع قرار تمديد استيراد القطن.. الألبسة تتحول لـ”صمديات” بعد ارتفاع سعرها مجدداً!
في الوقت الذي تجهد به الحكومة بإمضاء موافقتها على السماح باستيراد سلع ومواد تراها “ضرورية” لاستمرار الصناعة المحلية، يجهد التّجار في الضفة المقابلة للفوز في سباق رفع سعر منتجات هذه الصناعة، لنصل إلى النتيجة نفسها في كساد البضاعة الخارجة عن القدرة الشرائية للمواطن ذي الدخل الخجول، في حين تستفرد صفحات الأخبار بالحديث عن قرارات السماح بالاستيراد وأهميتها ومنعكساتها “النظرية” البعيدة كلّ البعد عن واقع الأسواق، ولعلّ خير مثال على ذلك كان ما وافقت عليه الحكومة مؤخراً بتمديد فترة العمل بقرار استيراد القطن لمدة 6 أشهر إضافية، نظراً لانخفاض إنتاج سورية لهذا العام وتبعات هذا القرار على انخفاض سعر الألبسة التي باتت مجرد “صمديات” على واجهات المحال التجارية.
انخفاض الإنتاج
انخفاض إنتاج القطن ليس وليد عام أو عامين، ولاسيّما أن أغلب مناطق زراعته لا زالت تعاني من تبعات الحرب، الأمر الذي جعل استيراد القطن أمراً واقعاً لا خياراً لاستمرار العملية الإنتاجية، إذ لم يخفِ يوسف نفوس مدير المؤسّسة العامة لحلج وتسويق الأقطان أن الكميات المتوقع استلامها لنهاية العام من هذه المادة تصل إلى 14.373 طناً من المناطق الآمنة، علماً أن المخطّط حسب وزارة الزراعة بحدود 18 ألف طن، وبالتالي فإن تشغيل معامل القطاع العام على هذا الإنتاج أمر غير ممكن، لافتاً إلى أن اللجنة الاقتصادية حدّدت سعر 10 آلاف ليرة للكيلو غرام بهدف تشجيع المزارعين لتسليم كامل المحصول إلى المحالج، وتشجيع هذه الزراعة في الأعوام القادمة وزيادة المساحات المزروعة في الموسم القادم. وفيما يتعلق بقرار الاستيراد تحدث نفوس أن المعنيّ بقرار الاستيراد هو القطاع الخاص، إذ يتيح هذا التمديد للمنشآت الصناعية المرخصة أصلاً والمعنية بإنتاج الغزول القطنية باستخدام القطن المحلوج كمادة أولية، استيراد هذه المادة وفقاً لقدرتها الإنتاجية الفعلية المحدّدة من قبل مديرية الصناعة.
خلافاً للمتوقع
ولم يخفِ الصناعيون ابتعاد قرار تمديد استيراد القطن كلّ البعد عن انخفاض سعر الألبسة الذي ضاجت به مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي، خاصّة وأن الاستيراد لأي مادة، برأي الصناعي عماد قدسي، يكون بالسعر العالمي والذي هو مرتفع أساساً، بالتالي لن يتغيّر سعر الألبسة خلافاً للمتوقع، وربما نشهد ارتفاعاً لسعر الألبسة مرة جديدة كون المادة الخام مستوردة، لذا فإن المطلوب كي نلمس إيجابيات هذه القرار هو دراسة أسعار حوامل الطاقة ومنها الكهرباء لوصول المنتج بتكلفة قادرة على المنافسة وعودته إلى جميع الأسواق العربية، إضافة إلى تخفيض رسوم الجمركة وأجور النقل والتعبئة، فالحكومة اليوم شريك مع الصناعيين بإزالة العقبات المتعلقة بحوامل الطاقة وتخفيف أعباء الاستيراد وإعادة حركة الإنتاج.
سياسة تسعيرية
في المقابل اتهم الخبير التنموي أكرم عفيف التجار والمستوردين بأنهم المتحكمون الأساسيون بمفاصل البلد، لذا لن تنخفض أسعار الألبسة بعد هذا القرار، خاصة وأنها مرتبطة بسعر الدولار المستمر في الارتفاع الدائم بسبب سياسة استنزاف القطع الأجنبي الموجود في سورية للمستوردات، لذا فإن الحلّ برأي عفيف هو تصحيح السياسة التسعيرية الخاطئة منذ زمن بعيد، فعلى الرغم من استيقاظ الحكومة هذا العام وإعطاء مزارعي القطن 10 آلاف ليرة بالكيلو، إلّا أن الدودة الأمريكية نهبت المحصول، فإنتاج الدونم الذي كان يعطي 300 كيلو انخفض للنصف ووصل إلى 150 كيلو، بالتالي وقع الفلاحون بالخسارة مرة ثانية، فالسياسة التسعيرية التي قضت على الشوندر والحنطة ومحاصيل العلف ستقضي أيضاً على القطن، لذا يجب دعم الزراعة بإعطاء سعر جيد والتقيد بالأسعار، وقدّم عفيف مثالاً عن حالة الغبن التي يتعرّض لها الفلاح بهذا الموضوع بتسعير كيس السماد بـ400 ألف اليوم بينما عندما كان سعره 175 اشتراه الفلاح بمليون ليرة، وبالتالي سيشتريه في الوقت الحالي بمليوني ليرة طالما أن السعر النظامي 400 ألف.
شر لا بد منه
وبرأي الخبير الاقتصادي وأمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة أن قرار تمديد استيراد القطن حاجة ضرورية بسبب وجود نقص بإنتاج هذه المادة واستيراده من مصر، لذا تمّ التمديد بالاستيراد لتشغيل المعامل لكن بكلفة عالية، وبالتالي سينعكس أثر القرار على الألبسة القطنية بشكل مغاير للمتوقع، فالملاحظ خلال السنوات الأخيرة ارتفاع سعر الألبسة أكثر من 100% لأسباب كثيرة تبدأ باستيراد المواد الداخلة بصناعتها وتنتهي بارتفاع كلف الإنتاج جميعها. ولفت حبزة إلى أن عدم اتخاذ هذا القرار في الوقت الراهن سيؤدي لتوقف المعامل عن تصنيع الألبسة القطنية بعد أن كانت بلدنا مكتفية ذاتياً بالقطن وبذوره وكسبة القطن الداخلة في الأعلاف، وبالتالي فإن نقص إنتاج القطن أثّر على كثير من النواحي، لذا يجب تقديم الدعم لزراعة الذهب الأبيض، أكثر من ذلك أنه محصول استراتيجي.
وسط هذا الجدل والأخذ والردّ يبقى المواطن المستهلك هو الخاسر الأكبر، فأسعار الألبسة لا تقارب، وهي في تزايد دائم، فمن يتجول في أسواق الألبسة سيلاحظ بوضوح قلة المتسوقين، الذين باتوا يتفرجون على آخر صيحات الموضة في واجهات المحال المليئة بالبضاعة الكاسدة!!.
ميس بركات