“كوب 28” تحديات متعدّدة وطموحات على مستوى العالم
البعث الأسبوعية – بشار محي الدين المحمد
يشهد العالم مجموعة كبيرة من التحولات إبان إنعقاد قمة المناخ كوب 28 في الإمارات العربية المتحدة، في ظلّ مساعٍ إماراتية ودولية للحدّ من التغيرات المناخية وفق محاور متشابكة ومتعدّدة تنتج أهداف تنمويةً على العديد من الصعد إن تحقق التعاون وحشد الإمكانات والتمويل بالشكل المطلوب.
إن ما يميز هذه القمة هو دخول ورعاية دول عربية في عمق القضايا البيئية خلافاً للنظرة السائدة سابقاً، والتي كانت تجعل البيئة وقضاياها في آخر سلم أولويات الدول العربية، وخاصة مع تكاثر الأزمات الأمنية والتنموية مؤخراً ومحاولة العديد من دول المنطقة الخروج من تداعيات ما يسمى “الربيع العربي”، لكن تلك الدول تصبح معنيةً أكثر بتلك القضايا وخاصة بعد ما شهدته في الصيف الماضي من تزامن ظاهرتي “النينو” والتي تعني ارتفاع حرارة المحيط الهادي وتأثيره على الرياح من الشرق، وما يستتبعه ذلك من تشكل “القبة الحرارية” التي تعد أشبه بصوبة زجاجية ناجمة عن حبس درجات الحرارة وعدم تجدّد الهواء مسببة صيفاً هو الأعلى حرارةً، ناهيك عن مشكلات حرائق الغابات وصعوبة التشجير والعواصف الرملية والفيضانات.
كما تتميز القمة في إدخال وإشراك القطاع الخاص إلى جانب المنظمات والقطاعات الحكومية في القضايا المناخية، وإشراك فئات الشباب في عمليات البحث والابتكار واقتراح الحلول المناخية ودمجهم في منظومات التغيير وتخضير الاقتصاد.
ويرى خبراء الطاقة أن كوب 28 ستواجه العديد من التحديات وفي مقدمتها مشكلة “صندوق الخسائر والأضرار” الذي يواجه صعوبات تتعلق بتفعيله، رغم كثرة الاجتماعات المعقودة لتلك الغاية، بسبب الخلافات حول أكثر الدول تسبباً في التغيرات المناخية وأكثر الدول عرضةً لتلك التغيرات، إذ حتى تاريخه لم يتم تبني معايير موحدة ودقيقة تضبط عمليات التحديد منذ انعقاد “كوب 27″، حيث شهدنا عملية تبادل لوم بين الدول الكبرى حول حجم التلوث الناجم عن نشاطات كل دولة، لكن من المأمول أن يتم التوصل إلى آليات تصنيف دقيقة خلال القمة الحالية.
وبالنظر إلى واقع الإمارات فإنها أكثر دول العالم إلتزاماً بالوفاء بالتعهدات المناخية وذلك يعود إلى وعي شعبها بالقضايا البيئية، ووجود وزارة خاصة بالمناخ ضمن حكومتها، فضلاً عن الاهتمام الحكومي الكبير بالقضايا المناخية، ولكنها في الوقت نفسه تعاني بشكلٍ حاد من التغيرات المناخية ومشكلات الجفاف، ومع ذلك تخطط إلى تحويل 40% من اعتمادها إلى الطاقات المتجددة “الشمسية والريحية والكهرومائية” بحلول عام 2035.
وتسعى الإمارات عبر هذه القمة إلى توظيف التكنولوجيا، والتشاور مع قادة العالم في الشؤون السياسية، في خضم تكاثر الحروب والأزمات السياسية التي تؤثر سلباً على المناخ وتشتت جهود التعاون المناخي العالمي.
وتدعو الإمارات عبر تلك القمة دول العالم إلى حسم قضايا بيئية عالمية على طاولة “كوب 28″، والانضمام إلى “تعهد التبريد العالمي” الذي يدعو إلى توفير التبريد للمجتمعات الأكثر عرضة للتغير المناخي، وخاصةً في دول جنوب العالم والدول الجزرية النامية، بهدف حمايتها من شدّة الحرارة والحفاظ على تبريد غذائها ولقاحاتها من خلال زيادة كفاءة الأجهزة والحماية الطبيعية، واستخدام أنظمة تبريد صديقة للبيئة.
كما تسعى الإمارات إلى التخفيف من التداعيات المناخية وخفض الإنبعاثات الحرارية في ظل ارتفاع درجات الحرارة بشكل يؤثر على التنوع البيئي وتراجع الأراضي الزراعية، حيث تؤكد رؤية الإمارات على إيجاد تعاون فعال وشراكات نوعية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وتحقيق التقدّم في العمل المناخي، وحثّ دول مجموعة العشرين على الوفاء بالتزاماتها لجهة زيادة إنتاجية مصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030 لتفادي ارتفاع حرارة الكوكب 1,5 درجة مئوية، على اعتبار أن دول المجموعة تشكل 85% من الناتج الإجمالي العالمي، وتتسبب بـ80% من الإنبعاثات العالمية، كما تنادي القمة بأهمية حماية الغابات والسواحل من التآكل، وتمويل التكيّف المناخي، فضلاً عن الإنتقال العادل في قطاع الطاقة لكل دول العالم، وتوسيع نطاق تمويل الدول الأكثر عرضة للتغيرات المناخية.
كذلك تستلهم الإمارات التجربة البرازيلية الرائدة في الحفاظ على البيئة من خلال الحفاظ على السكان الأصليين وخفض الاحتطاب الجائر في حوض الأمازون الذي يعتبر رئة العالم بنسبة تفوق الـ36% خلال أقل من ستة أشهر، حيث ترى الإمارات ضرورة الاستفادة من الأنموذج الريادي الذي حققته البرازيل وتعميمه عالمياً.
ومن المأمول أن تعمل القمة على تطوير أداء مؤسسات التمويل وبنوك التنمية متعددة الأطراف، وتوحيد التمويل لإصلاح الأراضي الزراعية ودعم الزراعة المستدامة والحفاظ على الحياة البرية، والتشجيع على الاستثمار في الطبيعة، فضلاً عن تكثيف مسار العمل المناخي عالمياً ومدّ جسور تواصل مع المجتمع الدولي لتحقيق أعلا الطموحات المناخية، وذلك عبر أربعة ركائز؛ تسريع تحقيق انتقال عادل ومنظم في قطاع الطاقة، وتطوير الأداء المناخي، والحفاظ على البشر، وتحسين سبل العيش، إذ ستشكل القمة منصة عالمية لتقديم حلول في ضوء هذه الركائز.
إن كوب 28 ستعمل وللمرة الأولى على تقييم الجهود المناخية العالمية منذ اتفاقية باريس 2015، وتقسيم العالم إلى منطقتين مناخيتين؛ “زرقاء” تدير جهودها المناخية الأمم المتحدة، و”خضراء” تديرها “كوب”، كما سيتم بذل الجهود لإيقاف تمويل مشروعات توليد الطاقة بالاعتماد على الفحم الحجري والتي تكثر في الصين والهند، كونها تعدّ التحدي الأول في عمليات التغير المناخي، فضلاً عن تشجيع الدول الكبرى على تأمين 100 مليار دولار لتمويل مشروعات المناخ.
لا شك أن قمة “كوب 28” ورغم الصعوبات والتحديات التي تقف في وجه طموحاتها ستسبب إيجاد كيان متمازج ربما قد ينجح في خلق تقارب وتنسيق عالمي بين الدول، وإزالة القطيعة فيما بينها وفق معادلة “تنسيق بيئي ينتج تفاهماً سياسياً”، ورأينا مؤخراً كيف أن قمة “إيبك” نجحت في إيجاد تقارب وتفاهم أمريكي – صيني، وكانت الملفات البيئية على رأس محاوره رغم ما سبق ذلك من تقاذف اتهامات بين الدولتين اللتان تسببان أكثر من ثلث الإنبعاثات الحرارية العالمية، وربما ستنجح هذه القمة في إيجاد توحيد للجهود العالمية في تخضير الاقتصاد العالمي بما ينعكس على رفاه الدول وعلى رأسها الدول النامية لأن قضية المناخ لا يمكن تجزئتها.