Uncategorized

رشيدة طليب.. صوت عروبي من الكونغرس الصهيوني

هيفاء علي

في مجال السياسة الخارجية، وكذلك في العديد من القضايا الداخلية والدستورية الأمريكية، لا يوجد لوبي أقوى من اللوبي الصهيوني، وقد ظهرت قوته بالكامل منذ أيام عندما كانت عضو الكونغرس رشيدة طليب موضوعاً للنقاش، لأنها تحدثت علناً عن الإبادة الجماعية المستمرة لشعبها في قطاع غزة وباقي البلدات المحتلة، التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي منذ سبعين عاماً، ولا يزال يرتكبها منذ 7 تشرين الأول، وقد صوّت جميع الجمهوريين تقريباً لصالح إدانتها، كما فعل عدد كبير من زملائها الديمقراطيين.

ولكن في اليوم التالي، شن أعضاء رابطة مكافحة التشهير المنحازة “لإسرائيل” هجوماً عنيفاً على النائبة رشيدة طليب احتجاجاً على خطابها الذي ذكرت فيه عبارة “من النهر إلى البحر”، ما اعتبره أعضاء رابطة مناهضة التشهير الصهيونية المتعصبة، دعوة عربية للقضاء على “إسرائيل”. واعتبروا أن “من النهر إلى البحر” هي دعوة من المقاومة الفلسطينية لإبادة “إسرائيل”. لكن طليب أوضحت أن العبارة هي “دعوة للحرية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي، وليس الموت والدمار والكراهية”، مضيفةً أن المتظاهرين  المؤيدين للفلسطينيين يستخدمون أيضاً هذه العبارة للدفاع عن إنشاء دولة فلسطينية مؤجلة إلى أجل غير مسمى، لكن مجموعات مثل رابطة مكافحة التشهير تفضل الادعاء بأن نشاطها يشكل دعماً مادياً للمقاومة. كما أثارت طليب غضب البيت الأبيض بشكل خاص من خلال نشر مقطع فيديو على الإنترنت مؤخراً تتهم فيه بايدن بدعم الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وبحسب المحللين الأمريكيين، فإنه يمكن القول إن أعضاء الكونغرس محميون، مثل غيرهم من المواطنين، بموجب التعديل الأول للدستور الذي يضمن حرية التعبير، ولكن أصبح من الواضح بشكل متزايد أن هذه الضمانة لا تنطبق عندما يتعلق الأمر بالكيان الإسرائيلي المحتل سواء في قاعات الكونغرس، أو في الحرم الجامعي، حيث تتعرض المجموعات الفلسطينية للمضايقة والنبذ، معتبرين أن التصويت على حجب الثقة عن رشيدة طليب هو تعبير عن رغبة الطرفين في حماية الكيان المحتل من أي انتقاد. ويضيف المحللون أن رشيدة طليب لم تخرق أي قانون، ولم تهدّد أحداً، ولم تطالب بتدمير أي دولة، إلا أنها اتهمت من قبل عدد من رفاقها في مجلس النواب بارتكاب “جريمة ضد الإنسانية”، لأنها انتقدت “دولة” تعتبر واحدة من أقرب حلفاء أمريكا، وواحدة من أفضل أصدقائها، وهذه كلها مجموعة من الأكاذيب. “فإسرائيل” ليست حليفاً، لأن ذلك يعني قدراً من المعاملة بالمثل، وهي كلمة يبدو أنها غير موجودة في اللغة العبرية. وفي الأزمة الحالية، أظهر نتنياهو أنه تجاهل المصلحة الأمريكية في الحد من المجزرة، حتى لو توسل بلينكن بايدن للقيام بذلك.

من الواضح أنه ليس هناك من مجال لقطع المساعدات الأميركية الضخمة، بما في ذلك مبلغ 14.5 مليار دولار المخصّصة حالياً لإبادة الفلسطينيين، فالكيان المحتل سيحصل دائماً على كل ما يريد، وهو الذي يحدّد شروط علاقته مع واشنطن. وقد جاءت تصريحات رشيدة طليب على خلفية تصريحات البيت الأبيض الذي قال إنه حر في تزويد الكيان المحتل بالقنابل المحرمة دولياً لذبح الأطفال الفلسطينيين، مع الحفاظ على سرية عدد طائرات الأسلحة التي وصلت إليه أو التي في الطريق.

ثم هناك أعضاء في الكونغرس مثل السيناتور ليندسي غراهام من ولاية كارولينا الجنوبية، الذين يعتقدون أنهم أحرار في الدعوة إلى “حرب شاملة” ضد الفلسطينيين، لكن الانتقاد اللفظي للإبادة الجماعية وانتهاك القانون الدولي يجعل الحكومة الأمريكية متواطئة في جرائم الحرب الإسرائيلية، بل إن هناك مخاوف من أن تصبح الرقابة التي وقعت على السيدة طليب هي القاعدة والأساس لشكل من أشكال تجريم أي انتقاد “لإسرائيل”، والذي يفترض أن جميع الأشخاص الذين ينتقدونه هم بحكم الأمر الواقع معادون للسامية وأن الكلمات نفسها تشكل “جريمة كراهية”.

وبعيداً عن دعوة السيناتور ليندسي غراهام التي لا يمكن إنكارها للقتل الجماعي، هناك السيناتور بوب مينينديز من نيوجيرسي الذي كان ميله الواضح لقبول الرشاوى موضوع فضيحة بشكل خاص، حيث تم العثور على 480 ألف دولار نقداً في جيوب سترته وخزائنه، بالإضافة إلى 13 سبيكة ذهبية، بما في ذلك قطعتان يبلغ وزن كل منهما كيلوغرام واحد وتبلغ قيمتها أكثر من 100 ألف دولار.

ومن ثم يذكر المحللون بعض تصريحات رؤساء الوزراء الإسرائيليين حول طبيعة العلاقة مع” الحليف” الأمريكي: على سبيل المثال ما قاله آرييل شارون في عام 2001: “في كل مرة نقوم بشيء ما، تقولون لي إن الأميركيين سيفعلون هذا أو ذاك. أريد أن أقول لك شيئاً واضحاً جداً: لا تقلقوا بشأن الضغوط الأميركية على إسرائيل. نحن، الشعب اليهودي، نسيطر على أمريكا والأمريكيون يعرفون ذلك. لا يهمني ما يعتقده الشعب الأمريكي، أنا أملك الكونغرس”. وقال أيضاً: “أقسم لو كنت مدنياً إسرائيلياً عادياً والتقيت بفلسطيني لأحرقته وأعذبه قبل أن أقتله”.

وهناك أيضا مقولة نتنياهو الشهيرة في عام 2001: “أمريكا شيء يمكن التحايل عليه بسهولة شديدة!”. إذن هذا هو ما يفكر فيه قادة “أفضل صديق لأميركا” حقاً بشأن الولايات المتحدة وشعبها، فالكيان المحتل يعتبرها بقرة حلوب يتم حلبها واستغلالها للغطاء السياسي قبل التخلص منها عندما لا تعود ذات فائدة.

يفسّر هذا الوضع اليائس سبب انفجار غضب سكان غزة يوم 7 تشرين الأول، بعدما كانت فلسطين أمة واحدة، من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، عندما تمّ إنشاء “الكيان الإسرائيلي” عام 1948، والذي ظل على مدى ثلاثة أرباع قرن من الزمان، يمارس التطهير العرقي للفلسطينيين، فسرق ونهب أراضيهم، واستأصل مئات القرى، وأقام المستوطنات مكانها، وعلى مدار ما يقرب من عقدين من الزمن، حاصرت الدولة الاستعمارية غزة، مما أدى إلى تجويع سكان غزة على نطاق واسع، واليوم ترتكب مجازر شنيعة وإبادة جماعية يندى لها جبين البشرية.

واليوم، يدخل العدوان الوحشي على قطاع غزة شهره الثاني، حيث تتعرض مخيمات اللاجئين في غزة للقصف، إلى جانب الكنائس والمستشفيات والمدارس والمباني السكنية، حتى أن بعض المسؤولين الإسرائيليين يفكرون في استخدام إحدى قنابلهم النووية لإبادة قطاع غزة بالكامل. وفي هذا السياق، من المهم التساؤل عما فعلته العلاقات مع “إسرائيل” بالنسبة للمواطن الأمريكي العادي الذي تدعم ضرائبه المشروع الصهيوني وخطته للقضاء على الفلسطينيين. الإجابة هي أن هذا التحالف المزعوم لم يأت بأي خير، بل كلف الولايات المتحدة 260 مليار دولار (بالأسعار الثابتة) في هيئة مساعدات مباشرة منذ عام 1946. ويضاف إلى هذا المبلغ الضخم الذي تمت الموافقة عليه مؤخراً والذي بلغ 14.5 مليار دولار، كما يتلقى “الكيان المحتل” بشكل منتظم 3.8 مليارات دولار سنوياً بشكل مساعدات مباشرة من وزارة الخزانة الأميركية، وهي هدية من باراك أوباما، وهو ما يفوق ما تتلقاه جميع الدول الأخرى مجتمعة. يضاف إلى ذلك، مبالغ ضخمة من المشاريع العسكرية الخاصة والمشتركة والجمعيات الخيرية المشبوهة واستشارات التنمية الحكومية، ليصل المجموع إلى حوالي 10 مليارات دولار سنوياً. كما أن الكيان المحتل لم يتردد في قتل الأميركيين عندما شعر أن الولايات المتحدة لا تدعم مصالحه بما فيه الكفاية، والبيت الأبيض عالق في “تحالفه” لدرجة أنه غطى الجرائم المرتكبة ضد مواطنيه، ويُعَد اغتيال الصحافية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عقلة العام الماضي، خير مثال على ذلك.

ومن المعروف منذ زمن طويل أن عملاء اللوبي الصهيوني يتواصلون مع المرشحين للمناصب العليا في الولايات المتحدة ويجبرونهم على التوقيع على تعهد بدعم “إسرائيل”، وفي المقابل، يتلقى المرشحون الممتثلون مساهمات سياسية كبيرة وتغطية إعلامية جيدة.  وإذا قالوا “لا”، فإنهم يخاطرون بخسارة الانتخابات. وربما كان عضو الكونغرس عن ولاية أوهايو، جيمس ترافيكانت، من أشد المنتقدين لقوة اللوبي الإسرائيلي في الثمانينيات والتسعينيات في الكونغرس، حيث أكد أن لدى “إسرائيل” سيطرة قوية على الحكومة الأمريكية، وأنها تسيطر على الكثير من سياستها الخارجية، وتؤثر على الكثير من سياستها الداخلية. حتى إن مسؤول البنتاغون السابق بول وولفويتز كان يعمل لصالح “إسرائيل” وتلاعب بالرئيس جورج دبليو بوش لحمله على اتخاذ قرار بشأن الغزو الكارثي للعراق. وفي التسعينيات، أوضح ترافيكانت أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تنفذ سياسة “إسرائيل” التوسعية، والجميع يخشى أن يقول ذلك، مضيفاً أنها تسيطر على الكثير من وسائل الإعلام، و على جزء كبير من التجارة في البلاد، كما تحكم سيطرتها على فرعي الكونغرس، إنها تمتلك الكونغرس.